صراع مع الحيتان!
دقَّت الساعةُ الثالثة صباحًا في المقر السريِّ، في نفس الوقت الذي كانت إشاراتٌ تخرج من غرفة العمليات حيث يوجد رقم «صفر»، إلى غرف الشياطين. استيقظ «أحمد» بسرعة ونظر في الساعة مباشرةً، لقد شعر بالدهشة عندما عرف أنَّها الثالثةُ صباحًا، تساءل بينه وبين نفسه: إنَّ هذه دعوةٌ غريبة، هل يمكن أن يكون شيءٌ ما قد وقع في المقر السري؟
وقبل أن يبحث عن إجابةٍ كان التليفون بجواره قد بدأ يعطي إشاراتٍ مختلفةً، فعرف أنَّ الشياطين يتحدثون، ضغط عدة أزرار فجاءه صوت «عثمان»: ماذا هناك؟
ثم جاء صوت «إلهام»: هل حدث شيء؟
ثم توالت الأصوات، وتوالت الأسئلة، كانوا جميعًا يشعرون بالدهشة …
في النهاية.
أجاب «أحمد»: إنني لا أدري شيئًا، وما دمنا قد دُعينا للاجتماع فسوف نعرف بعد قليل. ثم ضغط زِرًّا فاختفت الأصوات؛ أسرع يرتدي ثيابه، ثم أخذ طريقه إلى غرفة الاجتماعات الصغرى، كما حدد رقم «صفر»، وعندما وصل إلى هناك كان الشياطين جميعًا قد أخذوا أماكنهم في المقاعد التي تشبه حدوة الحصان، كانوا ينظرون إلى بعضهم نظراتٍ مملوءةً بعلامات الاستفهام، لكنَّ أحدًا منهم لم يكن يملك الجواب.
فجأةً أُضيئت الخريطة الإلكترونية، فاتجهت أنظارهم إليها مباشرةً، مرَّت دقائقُ قبل أن تظهر جزر «اليابان» … مرةً أخرى التقت أعينُ الشياطين؛ فهذه أول مرةٍ يقومون فيها بمغامرةٍ في هذه الأماكن البعيدة.
كانت جزر «اليابان» تعوم في مياه المحيط الهادي؛ جزر «هنشو» و«كيوشو» و«شيكوكو» و«هوكايدو»، ظلَّ الشياطين ينظرون إلى الجزر. فجأةً، خرج سهمٌ أحمرُ من مدينة «طوكيو» العاصمة إلى مدينة «يوكوهاما»، ثم استمرَّ السهم يتحرك … حتى غرق في مياه المحيط الهادي، وظل يَلُفُّ لفةً كاملة حول مجموعة من الجزر الصغيرة، والتي لا تظهر على الخريطة إلا كنقطٍ متناثرةٍ، وظهر عليها اسم جزر «يونين».
نظر الشياطين إلى بعضهم، فقد أظهرت لهم الخريطةُ والسهمُ الأحمرُ أنَّ طريقهم سوف يبدأ من «طوكيو»، ثم «يوكوهاما»، وأخيرًا «يونين»، لكنْ ظلَّ السؤال: ما هي المغامرة؟ ولماذا استدعاهم الزعيم في هذا الوقت بالذات؟!
ولم تستطع «إلهام» السكوت كعادتها، فتساءلت: أليست هذه مسألةً محيرةً أنْ يستدعينا الزعيم في هذا الوقت، إنَّ هذه أول مرةٍ، وهذا ما يدهشني!
ابتسم «خالدٌ»، وقال: يا عزيزتي «إلهام»، إنَّ الشياطين ليس لهم وقتٌ محددٌ؛ فعندما تستدعيهم المغامرة فإنهم يلبُّون النداء، ولا يهم متى يكون ذلك، ولا أين.
قالت «إلهام»: لكنْ، أليست مسألةً مثيرةً للدهشة؟!
ردَّ «خالدٌ» أيضًا: لقد كانت مثيرةً للدهشة في البداية.
ابتسم ثم أضاف: خصوصًا عند الاستيقاظ فجأةً من النوم، وفي هذا الوقت، لكنْ بعد أن يسترد الإنسان هدوءه، فإنَّ المسألة تصبح عاديةً تمامًا.
بينما كان الشياطين مستغرقين في حواراتٍ سريعةٍ، كان «أحمد» مستغرقًا في قضيةٍ أخرى … فهو بسرعةٍ حاول أن يستجمع المعلومات التي يعرفها عن هذه المنطقة، وتذكر أنَّه قرأ قريبًا مقالًا، أو تحقيقًا صحفيًّا، لقد شاهد فيلمًا سينمائيًّا … والفيلم اسمه «جزيرة الشيطان»، يذكر أنَّه ساعتها قد أعجبته التسمية، أيضًا أعجبه الفيلم تمامًا. تذكر أنَّه عاد إلى مكتبة المقر السريِّ، وقد قرأ عددًا من الموضوعات المحفوظة في أرشيف المقر. لفت استغراق «أحمد» في التفكير نظرَ «زبيدة»، فابتسمت قائلةً: يبدو أنَّ «أحمد» يرسم الخُطة من الآن.
لم يسمع «أحمد» كلمات «زبيدة»؛ فقد كان مستغرقًا في أفكاره، يحاول أن يستنتج طبيعة المغامرة الجديدة … ضحكت «ريما»، وقالت: إنَّ «أحمد» ليس معنا، إنَّه غارقٌ في المحيط الهادي!
لفت سمع «أحمد» اسم المحيط، فنظر إليهم … ثم ابتسم، فقد كانوا جميعًا ينظرون إليه …
قالت «زبيدة»: هل انتهيت من الخطة؟
ابتسم «أحمد»، وقال: ليس بعدُ، لكنْ في الطريق إليها، خصوصًا وأنَّ المسافة بين «يوكوهاما» وجزر «يونين» طويلةٌ جدًّا!
قال «عثمان»: إنَّ اللنشاتِ الحديثةَ كفيلةٌ بأن تقطع المسافة في وقتٍ قصيرٍ، خصوصًا وأنَّنا سوف نكون في «اليابان»، حيث التقدم العلمي بلا حدود!
أضاف «بو عمير» ضاحكًا: مَن يدري … ربما عندما نصل إلى هناك يكون «اليابانيون» قد صنعوا شعاعًا ينقلنا في دقائق!
ولم يستمر حديثُ الشياطين طويلًا، فقد جاء صوت رقم «صفر» يقول: من يدري إنَّها معجزةُ العصر، وهي قد حققت تقدمها المذهل في زمنٍ قصيرٍ، وأنتم تعرفون أنَّ أمريكا ضربت اليابان بأول قنبلةٍ ذرية في التاريخ مع نهاية الحرب العالمية الثانية، التي انتهت عام ١٩٤٥، بعد أن ضرب اليابانيون الأسطول الأمريكي في موقعة «بيرل هاربر»، فدخلت أمريكا الحرب، وضربت «هيروشيما» و«ناجازاكي» بالقنبلة المروعة، التي أفنت الكثيرين، وما زال أثرها يمتد حتى الآن.
إنَّ هذه السنوات، في نهاية الحرب، وحتى الآن، كانت نوعًا من التحدي الياباني لأمريكا، وها هي تثبت لها أنَّها قادرةٌ على صنع ما يفوق القنبلة الذرية التي ضربتها بها. إنَّ اليابان فعلًا هي معجزة العصر، وهي نموذجٌ لقدرة الشعوب على تحقيق نهضتها وتقدمها، عندما يكون ذلك هدفها!
صَمت لحظةً، ثم قال: إنني في الطريق إليكم خلال دقائق، وأعرف أنكم تتساءلون عن هذا الاجتماع المفاجئ والمثير … وعندما تعرفون، فسوف تنتهي دهشتكم.
ثم اختفى صوت أقدام رقم «صفر». نظر الشياطين إلى بعضهم، فقال «أحمد»: لا داعي للقلق، وأظن أنَّنا سوف نتحرك قبل أن يظهر نور الفجر.
ابتسم «خالد»، وقال: هل هذا مجرد استنتاج؟
ردَّ «أحمد»: نعم، وإن كان استنتاجًا يصل إلى حد اليقين، فلماذا يدعونا رقم «صفر» في هذه الساعة، إلا إذا كانت المغامرة تستدعي ذلك!
وقبل أن يرد «أحمد»، كان صوت أقدام رقم «صفر» يقترب، فصمت الشياطين … انتظارًا لكلمات الزعيم. توقف صوت الأقدام، وجاء صوت رقم «صفر» يقول: إنَّ استنتاج «أحمد» صحيحٌ، فسوف تتحرك المجموعة بعد الاجتماع مباشرةً، ويجب أن تصل إلى هناك قبل طلوع شمس بعد غدٍ … وهو وقت كافٍ، فإنَّ أي تأخيرٍ يحكم على المغامرة بالفشل، ويُعطي «سادة العالم» أول انتصارٍ لها على الشياطين!
فَهِمَ الشياطين بسرعةٍ أنَّ المغامرة سوف تكون أمام عصابةِ «سادة العالم»، والصراع مع هذه العصابات بالذات صراعٌ طويلٌ، لم تستطع خلاله عصابةُ «سادة العالم» أن تحقق نصرًا واحدًا عليهم … مرةً أخرى، جاء صوت الزعيم: لقد عرفتم من خلال الخريطة مكان المغامرة … إنَّه جزر «يونين»، وهذه الجزر يُطلقون عليها اسم «جزر الشيطان»، لأنَّها جزرٌ وعرة … والحياة فيها شاقةٌ تمامًا؛ ولذلك فإنَّ المجرمين الخطرين يُنفَون إلى هذه الجزر، أو واحدةٍ منها، وهي مجموعةٌ صغيرةٌ تصلح لأن تكون سجنًا حقيقيًّا. في نفس الوقت، فإنَّهم يُربُّون حولها نوعًا من الحيتان، يجعل من يفكر في الهرب يتراجع بسرعةٍ، لأنَّ من ينزل إلى الماء فإنَّ الحيتان كفيلةٌ بالقضاء عليه.
توقف رقم «صفر» عن الكلام، وكانت ابتسامةٌ تغطي وجه «أحمد»، فكما توقع وتذكر، جاء كلام رقم «صفر» أنَّ الفيلم الذي شاهده يصور هذه الأماكن فعلًا …
جاء صوت الزعيم يقول: إنَّ «جزر الشيطان» يوجد بها مجرمٌ خطيرٌ يُدعى «سافرن»، وهو ليس قاتلًا ولا لصًّا، لكنَّه مُزيِّفٌ خطيرٌ للعملات الورقية، و«سافرن» كان يعمل في عصابة «سادة العالم» … التي تقف خلف حوادث التزوير التي تظهر في العالم، وأظنكم قرأتم عن ظهور الدولار المزيف في منطقة الشرق الأوسط، وقرأتم تحقيقًا عن الورقة فئة العشرين جنيهًا، فقد تبين أن بعضها كان مزيفًا. إنَّ عمليات التزوير هذه، تقف خلفها عصاباتٌ ضخمةٌ، لعل أهمها عصابة «سادة العالم».
كان الشياطين يتابعون كلامه، وعندما صمت، نظروا بعضهم إلى البعض، فهذه أول مرةٍ يقومون بمغامرةٍ حول تزييف النقود. جاء صوت رقم «صفر» يقول: إنَّ «سافرن» دخل السجن أكثر من مرةٍ، لكنَّه كان يعود إلى التزييف، كلما انتهت فترة سجنه. وفي النهاية، لم يكن هناك مفرٌّ من عزله بعيدًا عن المجتمع الدولي … وحبسه في جزر «الشيطان» لأنَّ الخروج منها مستحيلٌ.
صمت الزعيم لحظةً، ثم أضاف: لقد خسرت عصابة «سادة العالم» كثيرًا، عندما اختفى منها «سافرن»، وقد حاولت أن تقدم غيره ممن يعملون في التزييف، لكن عملياتهم كانت يَكشفها رجال الأمن دائمًا؛ فلم يكن هناك مُزيِّف في براعة «سافرن»، ولهذا قررت العصابة تهريبه!
ظهرت الدهشة على وجوه الشياطين، وتوقف رقم «صفر» عن الكلام.