حوت يُطارد الشياطين!
فجأةً، غطت الدهشة أوجه الشياطين؛ فقد ظهر أمامهم حوتٌ ضخمٌ … فضي اللون، مرَّ بجوار اللنش في سرعةٍ، حتى إنَّ جسده الضخم لامس اللنش، فارتجَّ بشدةٍ، لكنَّ الشياطين كانوا يتشبثون بجوانب اللنش.
قال «قيس»: لا أظن أنني شاهدت، أو قرأت عن سمكة بهذا الحجم!
ردَّ «خالد»: إنَّ الأعماق مليئةٌ بالمخلوقات، وأظن أنَّك تذكر فيلم «صائد الحيتان»، الذي شاهدناه منذ سنوات … لقد كانت الحيتان … تبدو ضخمةً جدًّا، ولا أظن أنَّها خدعة تصوير!
قال «أحمد»: إنَّ حجم الحوت يمكن أن يصل إلى حجم باخرةٍ متوسطةِ الحجم. وحوت العنبر من الحيتان المشهورة بضخامتها!
مرَّت دقائق، كان اللنش خلالها مندفعًا بسرعته، فجأةً، قال «باسم»: لماذا لا تهبط أكثر عند قاع المحيط، أظن أننا سوف نكون في أمانٍ، بجوار أننا سوف نبتعد عن التيارات التي يمكن أن تقابلنا في هذه المنطقة.
قرأ «أحمد» تعليمات التابلوه، ثم ضغط زِرًّا، فأخذ اللنش يهبط في هدوءٍ، بعد أن هدَّأَ من سرعته. كانت الأعماق هادئةً فعلًا، ولم تكن تظهر على شاشة الرادار سوى نقطٍ صغيرة جدًّا، ولم تكن سوى أسماكٍ عادية. كان المنظر بديعًا، وقد انجذبت الأسماك إلى الضوء الخافت، وعندما توقف هبوط اللنش، رفع سرعته تلقائيًّا بسرعةٍ كبيرةٍ، حتى إنَّ بعض الأسماك الكبيرة نوعًا، كانت تدخل في سباق معه، غير أنَّ سرعته كانت عالية، فالمسافة من شاطئ المحيط وحتى جزر «يونين» كانت تزيد على الألف كيلومتر. كان الكمبيوتر الذي يتحكم في حركة اللنش وسرعته، وهو الذي يعطيهم التعليمات بالإشارات التي كانت تظهر في شكل ألوانٍ مختلفةٍ. فجأةً، ظهرت العلامة الحمراءُ تتردد مرةً أخرى، وظهر الجسم الأسود على شاشة الرادار، فقال «قيس»: أظن أنَّ الحوت قد عاد من جديد!
صمت لحظةً، ثم أضاف: أظن أنَّ عودته لن تكون هادئةً هذه المرة، وإلا … فلماذا عاد؟
فجأةً ظهر الحوت، فتوقف اللنش مباشرةً، كان الطريف أنَّ الحوت قد وقف أمام اللنش تمامًا، وكأنَّه يريد أن يمنعه من المرور … قال «أحمد»: هذه مسألةٌ غريبةٌ، فكيف ندخل في صراع مع هذا المخلوق الضخم!
فجأةً، أثار الحوت زوبعة، عندما استدار استدارةً كاملةً … ليغادر المكان … في نفس الوقت أعطى الكمبيوتر إشارةً … فقال «قيس»: يبدو أنَّ الكمبيوتر يتعامل مع الحوت! اندفع اللنش في طريقه، وفجأةً ظهر لونٌ أحمر، يغطي المياه في هذه المنطقة. ابتسم «أحمد»، وقال: لقد تعامل الكمبيوتر فعلًا مع الحوت، فالحيتان بطبيعتها تثيرها الدماء، ومن الضروري أن يكون اللنش مزودًا بتركيبات كيميائية تشبه الدم، حتى يمكن التعامل مع هذه المخلوقات البحرية الضخمة.
ومرَّ اللنش بجوار الحوت، الذي لم يعره أي انتباه، واستمر في طريقه … فقال «خالد»: هذه حقيقية … فالحوت لم يتحرك من مكانه!
قال «قيس»: إنَّ ذلك سوف ينفعنا تمامًا، عندما نصل إلى «جزيرة الشيطان»، ما لم تكن عصابة سادة العالم، تستخدم نفس النظرية.
سأل «خالد»: ترى، متى نصل إلى منطقة العمل؟
ردَّ «أحمد» بسرعة: نستطيع أن نعرف ذلك مباشرةً من الكمبيوتر!
ضغط «أحمد» زِرًّا صغيرًا، فظهرت الإجابة على شاشة الكمبيوتر، كانت الإجابة: بعد خمس ساعات.
فقال «خالد»: هذا يعني أننا سوف نصل في وضح النهار، إنَّ ذلك سوف يجعل عملنا صعبًا!
قال «قيس»: إننا لا نحتاج سطح المحيط في البداية، إنَّ ما يهمنا — حسب الخطة التي اتفقنا عليها — غواصة العصابة وحركتها، بعد ذلك سوف نرى ماذا يمكن أن يحدث!
ثم نظر إلى «أحمد»، الذي قال: هذا صحيحٌ تمامًا.
من جديد، ظهر جسمٌ أسود على شاشة الرادار، فقال «باسم»: لا أظن أنَّه الحوت نفسه، وإلا فإنَّه يكون كمن يعمل مع عصابة «سادة العالم»!
ابتسم «فهد»، وقال: المحيط مليءٌ بالعجائب، وأظن أننا سوف نرى منها الكثير!
ظلَّ الشياطين يتابعون الجسم الأسود، فجأةً ضحك «فهد»؛ فقد اقترب اللنش من الجسم الذي سجله الرادار، ثم قال: تبدو وكأنَّها إحدى سفن القراصنة القدامى!
كان الجسم الأسود لسفينةٍ ضخمةٍ … تآكلت بفعل الماء تمامًا، ولم يبقَ منها سوى بعض الأجزاء الحديدية، بينما كانت الأسماك تعوم بداخلها؛ ولذلك لم يقف الشياطين عندها طويلًا.
قال «باسم»: ينبغي أن نُقسم الساعات الباقية علينا، ليقوم كلٌّ منا بالمراقبة، بينما ينام الآخرون، إننا سوف ندخل معركةً رهيبة، ونحتاج لمزيد من الراحة، فمن يدري متى يمكن أن ننام مرة أخرى!
وافق الشياطين على اقتراح «باسم» واختار «فهد» أن يكون هو أول المراقبين. وبسرعةٍ أخذ كلٌّ منهم مكانًا، وتركوا «فهد»، كان الهدوء يسيطر على كل شيء. نظر «فهد» في تابلوه اللنش، فوجد مفتاحًا خاصًّا بالموسيقى، ضغط عليه، فانسابت موسيقى هادئةٌ … قال «أحمد» الذي لم يكن قد نام بعدُ: هذا صديقٌ جيد … فالموسيقى تجعل من الصمت متعةً.
ابتسم «فهد»، وسأل: هل تزعجك؟
ردَّ «أحمد»: بالعكس، إنَّها تساعدني جيدًا على النوم!
أخذ «فهد» يرقب الحياة المثيرة في أعماق المحيط حوله، ولم يكن هناك ما يعكر صفوه، ولذلك مرَّت الساعة سريعًا، وكان عليه أن يوقظ «خالد»؛ اقترب منه، ثمَّ هزَّه برفقٍ، ففتح عينيه بسرعةٍ، ثم قفز في نشاطٍ، وهو يهمس: لقد أنعشتني ساعةُ النوم هذه، هيا خذ مكاني!
ثم نظر إلى «فهد»، وابتسم مضيفًا: إنَّها حقًّا موسيقى رائعة!
أخذ «خالد» مكانه في مقدمة اللنش، واستغرق هو الآخر في مراقبة ما يدور في عالم البحار، لحظةً، ثم فكر: لو أحصل على كوب شايٍ الآن … إنَّ ذلك يصبح متعةً هائلةً!
وفي هدوءٍ، تحرك إلى مطبخِ اللنش، وهناك وجد كل شيءٍ جاهزًا، كانت هناك سخاناتٌ مملوءة بمشروباتٍ كثيرةٍ ساخنة وباردة، أخذ كوبًا، ثم ضغط زِرَّا في سخان الشاي … فانساب الشاي، وتصاعد بخاره، قال لنفسه: إنَّ هذه أعظم مغامرةٍ في التاريخ!
ثم ابتسم، وأخذ كوب الشاي، وعاد إلى مكانه. أخذ يحتسي الشاي، وهو يشعر بسعادةٍ طاغية؛ الموسيقى، والهدوء، وقاع المحيط، والأسماك من كل لونٍ ونوع، ولا شيء آخر مؤقتًا. قال في نفسه: إنَّ هذه رحلة ينبغي أن يستمتع بها الشياطين جميعًا، وفي أول إجازةٍ لا بد أن نأتيَ هنا جميعًا، في هذا اللنش الفاخر.
ومرَّت الساعة هادئةً سريعة، فكَّر: هل أوقظ «باسم» … إنَّه لا يشعر بالرغبة في النوم الآن … ولا بد أنَّ «باسم» في حاجةٍ إلى النوم … فهو الذي اقترح هذا الاقتراح. لكن فجأةً، كان «باسم» يقول: هيا إلى الراحة يا صديقي العزيز، إنَّ ساعتي الخاصة توقظني وقتما أريد.
نَظَرَ له «خالد»، ثم ابتسم قائلًا: إنني أستطيع أن أتنازل لك عن حقي في النوم!
ردَّ «باسم»: لكنني لا أعطي لنفسي الحق في أن أنال حقك!
قال «خالد»: إنني أتنازل برغبتي!
ابتسم «باسم»، وقال: حتى لو تنازلت، إنَّ النظامَ هو النظام!
قال «خالد»: إذن، دعني أشترك معك في نوبة مراقبتك.
قال «باسم»: إنَّك بهذا … تعتدي على خطة المجموعة …
ولم ينطق بعدها، فقد اهتزَّ اللنش بعنفٍ، جعله يصطدم هو و«خالد» في أحد جوانب اللنش، في نفس اللحظة استيقظ الباقون.
وسأل «أحمد»: ماذا جرى؟
ولم يكن المنظر يحتاج إلى إجابة؛ فقد رأوا من خلال الصفائح الشفافة كل شيء.