وفجأةً … امتدَّت يدٌ إلى «أحمد»!
كان ما حدث مثيرًا تمامًا … وربما مخيفًا، إلا أنَّ الكمبيوتر كان قد تعامل وحده … لقد ظهر لغمٌ مائيٌّ في طريق اللنش، رصده الكمبيوتر، وعند اللحظة المناسبة أطلق صاروخًا أصاب اللغم، وجعله ينفجر بعيدًا عن اللنش …
قال «أحمد»: هل هذا اللغم يعني أننا اقتربنا جدًّا من جزر «يونين»؟
قال «فهد»: ألا يكون هذا اللغم مؤشرًا لوجود غواصة العصابة في منطقةٍ قريبة؟
ردَّ «باسم» متسائلًا: وما الذي يجعل الغواصة تلقي بهذا اللغم؟
قال «فهد»: ربما أطلقته حتى تتأكد من خلو المكان!
صمت الشياطين، مرتْ لحظةٌ، وكان كلٌّ منهم مستغرقًا في البحث عن تفسير لوجود هذا اللغم. في نفس الوقت، كان اللنش قد توقف فجأةً، قال «أحمد»: إنَّ لحظةَ المواجهة قد اقتربت؛ لأنَّ انفجار اللغم يعني أنَّ هناك من تعامل معه … وهذا يُعطي العصابة مؤشرًا لوجود أحدٍ!
قال «باسم»: هذا صحيحٌ، وهو يعني — في نفس الوقت — أننا قريبون من غواصة العصابة!
غير أنَّ «خالد» قال: حتى لو كان هذا صحيحًا، فعلينا أن نتجه إلى الهدف مباشرةً.
أضاف «أحمد»: إنني أوافق «خالد» على وجهة نظره، فمن الممكن أن يتجه «سافرن» المزيف إلى الجزيرة. في الوقت الذي تقوم فيه العصابة بعملية تغطية … حتى لا ينكشف، ومن الممكن أن يظهر في ملابس ضفدعٍ بشري، وينزل في منطقةٍ بعيدة عن الجزيرة … ثم يصل إليها … ولهذا فإنَّ وجهة نظر «خالد» يجب تنفيذها!
بسرعةٍ ضغط «أحمد» زِرًّا في تابلوه اللنش، فاندفع بقوة، وقال: ينبغي أن نكون جاهزين منذ الآن، سوف نرتدي ملابس الضفادع البشرية، ولا ينسى أحدكم المواد الخاصة بالحيتان … حتى لا نقع فريسةً سهلةً لها!
أخذ الشياطين يرتدون ملابس الضفادع البشرية، وفي جَيبٍ سريٍّ في حقيبة كلٍّ منهم … كان يوجد السائل الخاص بالحيتان. فجأةً ظهر على شاشة الرادار جسمٌ أسود يتحرك بسرعة.
قال «أحمد»: إنَّه صاروخ مائي، في طريقه إلينا!
تشبث كلٌّ منهم بجانب، وفجأةً، اندفع صاروخٌ من اللنش، أطلقه الكمبيوتر، وظهر واضحًا أمام الشياطين على شاشة الرادار … ثم انفجر الصاروخ المائي القادم، بعد أن اصطدم به صاروخ الشياطين؛ ولأنَّ المسافة كانت بعيدةً … فإنَّ اهتزاز اللنش كان قليلًا. قال «أحمد»: هذا يؤكد لنا أنَّ الغواصة قريبةٌ، وأنَّها اكتشفت وجودنا.
سكت لحظةً، ثم قال: ينبغي أن نرتفع إلى السطح حتى نرى.
ضغط زِرًّا في التابلوه، فأخذ اللنش يبتعد عن الأعماق، في طريقه إلى السطح. في نفس الوقت، كان الكمبيوتر يُعلن أنَّ المسافة الباقية هي مائتا كيلو فقط، وأنَّ اللنش سوف يصل إلى الجزيرة بعد ٧٥ دقيقة بالضبط. قال «خالد»: نحن الآن في منطقةٍ قريبةٍ، وربما ستقوم الغواصة الآن بعمليات رصدٍ للمنطقة.
ردَّ «أحمد»: لا بأس، ربما تكون هذه الفكرة صحيحة.
قال «فهد»: ألا ترى أنَّهم يمكن أن يتراجعوا عن إتمام العملية؟!
ردَّ «أحمد»: لا أظن، فالمهمة لها وقت، و«سافرن» سوف يصل إلى الشاطئ في الوقت المحدد، وإلا فإنَّه سوف يظن أنَّ العملية فشلت. في نفس الوقت، فإنَّ «سافرن» المزيف، لابس القناع، سوف ينتهي إلى الأبد، فالمفروض الآن، أنَّه لبس القناع فعلًا، وأنَّ المواد السامة في القناع، قد بدأ مفعولها يسري في جسده.
مرَّ الوقت بطيئًا هذه المرة، وجد الشياطين أنفسهم فوق سطح الماء، كان الظلام حالكًا، ولم يكن هناك أي شيء يضيء سوى الضوء الخافت المنبعث من اللنش. أسرع «أحمد» وأطفأ الأنوار، وهو يقول: إنَّها سوف تكشفنا، بالإضافة إلى أننا لسنا في حاجة إليها، فالكمبيوتر يقوم بالعمل …
كان اللنش يندفع بقوة في اتجاه الجزيرة، فجأةً ظهرت أضواءٌ بعيدةٌ، كانت أضواءً خافتةً تقترب، فقال «باسم»: إنَّها أضواء «جزيرة الشيطان»، أو جزر «يونين»!
تساءل «خالد»: ألا توجد حراسة في الجزيرة؟!
ردَّ «أحمد»: إنَّها حراسةٌ عاديةٌ، وهي تركز عملها داخل الجزيرة، وليس على سواحلها، فالحيتان تقوم بحراسة السواحل، ومن يفكر في الهرب فسوف يستقر في جوف أحد الحيتان! صمت لحظةً، ثم أضاف: إنَّ الحياة فوق جزر «اليونين» حياةٌ عاديةٌ؛ ناسٌ يعملون … يزرعون، ويأكلون، لأنَّه ليس أمامهم سوى ذلك، إنَّهم فقط من الخطرين على الأمن الدولي، ولذلك فهي تضم جنسياتٍ شتى، وهي جزيرةٌ، أو على الأصح هي سجنٌ، تُشرف عليه الأمم المتحدة.
اقتربت الأضواء أكثر، وفجأةً امتلأت شاشة الرادار بأجسامٍ ضخمةٍ تتحرك. قال «فهد»: هذه إذن، منطقة الحيتان.
ثم أضاف بعد لحظةٍ: إنَّ هذا يعني أنَّ الحيتان تُغطي منطقةً واسعةً تمامًا!
قال «أحمد»: مبتسمًا: إنَّها تُغطي المحيط كله، فمن سوف يحدد لها مكانًا للحركة؟ ثم نظر إلى شاشة الكمبيوتر … التي سجلت المسافة بين اللنش والجزيرة، كانت عشرة كيلومترات.
قال «باسم»: هل ننزل الآن؟
ردَّ «أحمد»: لا تزال المسافة طويلة، ونحتاج لوقت حتى نصل إلى الجزيرة، ينبغي أن تكون المسافة بيننا وبينهم كيلومترين على الأقل.
ظلَّت الأرقام على شاشة الكمبيوتر تتناقص. في نفس الوقت، كان الشياطين يراقبون الأعداد الهائلة من الحيتان، وهي تدور حول اللنش، دون أن تقترب منه. ضحك «فهد»، وقال: إنَّ الكمبيوتر يتعامل معها جيدًا، حتى إنَّها لا تقترب منا، بل هي تفسح الطريق أمامنا.
قال «أحمد»: إنَّ الكمبيوتر باللنش مبرمج على أساس أن يتعامل مع كل شيء يقابله، وهذه إحدى مميزاته!
عندما وصل الرقم إلى «٢»، توقف اللنش، فابتسم «قيس»، وقال: إنَّ الكمبيوتر القائد … يعطي أمرًا بالتحرك!
ابتسم الشياطين، وقال «أحمد»: أقترح أن ينزل ثلاثةٌ منَّا إلى الجزيرة، ويبقى أحدنا في اللنش، يدير حركة المغامرة!
تناقش الشياطين عدة دقائق، ثم اتفقوا على رأي «أحمد». بقي «خالد» في اللنش، وبدأ الثلاثة الباقون يتحركون للنزول إلى الماء. قفز «أحمد» أولًا، ثم قفز خلفه «قيس»، ثم «باسم» … وما كادوا يفعلون ذلك، حتى ضغط «خالد» على زِرٍّ في تابلوه اللنش فأخذ يهبط. تقدم «أحمد» بعد أن نثر حوله بعض السائل الخاص بالحيتان، التي اندفعت مبتعدة عن طريقهم بمجرد امتزاج السائل بالماء. كانوا يتقدمون في سرعة، وفجأةً وجدوا اللنش بجوارهم. أرسل «خالد» إليهم رسالة، تقول: إنَّه سوف يظل بجوارهم حتى يصلوا إلى الشاطئ، وسوف يظل قريبًا منهم استعدادًا لأي شيء!
تبادل الشياطين الإشارات، التي كانت تعني الموافقة على تصرف «خالد». ظلَّوا يتقدمون في اتجاه الشاطئ حتى وصلوا إليه، ثم ظهرت المشكلة؛ إنَّ الجزيرة عاليةٌ تمامًا عن سطح الماء، وهي لا تنحدر بسهولة، إنَّها تقف في خط يكاد يكون مستقيمًا، وهذه هي المشكلة، فمن يستطيع الصعود إليها؟!
قال «أحمد»: برغم أنَّها مشكلةٌ صعبة، إلا أنَّها جيدةٌ تمامًا، فإنَّ أحدًا لا يستطيع أن ينزل لانحدارها الحاد، بجوار أنَّ الصعود إليها مشكلةٌ.
ثم ابتسم قائلًا: غير أنَّها ليست مشكلة أمام الشياطين!
أخرج سلكًا رفيعًا قويًّا من حقيبته، وثبت في نهايته خطافًا، ثم أخرج خنجرين، وقال: الآن، سوف أبدأ الصعود!
أدار «أحمد» السلك عدة دورات في الهواء، ثم قذفه بقوة إلى السطح، فتعلق بصخرة، جذبه عدة مرات … حتى تأكد أنَّه قوي، ثم بدأ الصعود … كان يصعد مسافةً، ثم يثبت خنجرًا ليقف عليه، ثم يواصل الصعود مرةً أخرى، بعد أن يكون قد استراح قليلًا، ظلَّ يصعد حتى وصل إلى حافة الجزيرة، لكنْ فجأةً رأى يدًا تمتد إليه، وتمسك به، ولم يستطع في عتمة الليل أن يعرف صاحبها.