معركة … مع «سافرن» المزيف!
كانت اليد الغريبة تقبض على يده بقوةٍ، لكنَّه لم يترك نفسه لها، فقد ثبت قدمه في جانب الجزيرة، حتى يكون ثقيلًا بعض الشيء، وحتى يأخذ فرصة للتفكير … قال في نفسه: هل هو أحد الحراس بالجزيرة؟ أو أنَّه «سافرن» الحقيقي؟ وحتى لا يُفاجأ فقد استعدَّ، قفز في رشاقة مع اليد التي كانت تجذبه، وعندما وصل إلى السطح، كان وجهًا لوجه أمام «سافرن» الحقيقي. كان الضوء الخافت الذي يُغطي الجزيرة كافيًا ليرى كلٌّ منهما الآخر، نظر له «سافرن» بدهشةٍ، ثم سأل: من أنت؟
ابتسم «أحمد»، وقال: أهلًا بالسيد «سافرن»!
ظلَّ «سافرن» ينظر له متأملًا، فقال «أحمد»: هل وصلت متأخرًا؟
لم يخرج الرجل من دهشته، لكنَّه قال: لقد وصلت مبكرًا، لكني انتهزتها فرصة وجئت قبل الموعد!
ابتسم «أحمد» وقال: لا بأس إذن!
ولم يكد يُلقي جملةً حتى كانت يدٌ قويةٌ تنزل فوق رأسه، فاهتز بشدة، وتراجع إلى الخلف، فرأى «سافرن» الآخر، كانت الضربة كافية لأن تهز الحبل المربوط في قدمه. فعرف «فهد» و«قيس» و«باسم» أنَّه وصل.
كان «سافرن» المزيف قد عاجله بضربةٍ أخرى … أسقطته على الأرض. كان يشعر أنَّ الدنيا تدور به، لكنَّه استطاع أن يسمع «سافرن» المزيف يقول: يجب أن نتخلص منه، ونُلقي به إلى الحيتان بسرعة، حتى لا يفوت الوقت.
مرَّت لحظاتٌ قبل أن يقول «سافرن» الحقيقي: إنَّه ليس من حراس الجزيرة، فأنا أعرفهم جميعًا.
انتظر لحظةً، ثم تساءل: من أين أتى إذن؟
كان «أحمد» قد بدأ يفيق، لكنَّه كان يشعر بصداعٍ رهيب، يكاد يمزق رأسه، سمع «سافرن» يقول: لقد غيرت مكان اللقاء خوفًا من شيءٍ، وقد تحقق ما فكرت فيه.
سكت لحظةً، ثم قال: هيا نُلقي به إلى المحيط، فليس أمامنا وقت!
كان «أحمد» مغمض العينين، يستمع إلى حوارهما، وصل إلى سمعه صوت خطواتٍ، فعرف أنَّهما يقتربان منه، تغلب على الصداع، واستعد. وصل الاثنان عنده، فقال «سافرن» المزيف: لماذا هذا التردد يا سيد «سافرن»؟
مرَّت لحظةُ صمت قبل أن يقول «سافرن» الحقيقي: أريد أن أعرف منه، كيف أتى إلى هنا؟ وماذا يريد مني؟ وهل يعمل لحساب عصابة أخرى؟!
استجمع «أحمد» قواه، وفتح عينَيه قليلًا، كان يراهما من بين رموش عينيه، وكأنَّهما شبحان، فكَّر بسرعة: إنَّ الاشتباك معهما الآن يعطي فرصةً حتى يكون أحد الشياطين قد وصل، رآهما وهما ينحنيان عليه، ويمدان أيديهما للإمساك له. وفجأةً، انتفض فيهما وهو يضربهما، فتراجعا حتى سقطا على الأرض. وبسرعة قفز إليهما وهو يطير في الهواء، وضربهما معًا، فسقطا مرةً أخرى. أعاد قفزته من جديد، إلا أنَّ «سافرن» المزيف تعلق بقدمه، فسقط «أحمد» على الأرض. في نفس اللحظة التي كان فيها «سافرن» الحقيقي قد فرَّ هاربًا، إلا أنَّ «قيس» كان قد وصل في هذه اللحظة، ورأى أحدهما يجري، وسمع «أحمد» يقول: إنَّه «سافرن» الحقيقي!
قفز «قيس» قفزاتٍ متوالية خلف «سافرن»، وكأنَّه غزال، في حين كان «أحمد» قد اشتبك مع «سافرن» المزيف. كان المزيف قويًّا تمامًا، ولذلك كانت المعركة شرسةً بينهما. وجَّه «سافرن» المزيف ضربةً قويةً إلى «أحمد» فأطاحت به حتى حافة الأرض، ولم يعد خلفه إلا الفراغ، والسقوط في المحيط، ثم تابعه بسرعة، ورمى نفسه فوق «أحمد»، الذي خرج من مكانه، فسقط المزيف على الأرض، لكنَّه استطاع أن يقف في لمح البصر، وقفز قفزةً هائلةً كان يبدو كأنَّه لاعب سيركٍ ماهرٍ، لكنَّه لم يضرب «أحمد»، وكانت القفزة خدعةً حتى يرتبك «أحمد»، ثم وجه ضربةً خُطَّافية إليه، إلا أنَّ «أحمد» استطاع أن يفلت منها، ثم يلقي نفسه على الأرض ويتدحرج. كان يظنُّ أنَّ «سافرن» المزيف سوف يلقي نفسه فوقه، إلا أنَّ «سافرن» اكتشف الخدعة، فضرب «أحمد» ضربةً عنيفةً، وكانت هذه فرصة «أحمد»، فقد تعلق في قدم «سافرن» المزيف، فأوقع به على الأرض. في نفس اللحظة كان «باسم» قد وصل، ورأى الصراع الرهيب بين «أحمد» و«سافرن»، فأسرع إليهما، في الوقت الذي استطاع فيه «سافرن» المزيف أن يرفع «أحمد» بذراعيه عاليًا. ضرب «باسم» «سافرن» المزيف ضربةً قويةً جعلته يصرخ، ويلقي ﺑ «أحمد» على الأرض، ثم وقف ينظر إلى الاثنين في دهشة، وكان «أحمد» قد وقف. أخرج المزيف خنجرًا، لمع في الليل، وبسرعة وكأنَّه يضربه ناحية «أحمد»، لكنَّه قذفه في اتجاه «باسم»، الذي كان منتبهًا تمامًا، كان يعرف أنَّ «سافرن» المزيف — من خلال صراعه الطويل مع «أحمد» — يبدو مجرمًا غير عادي، وإلا ما كانت العصابة قد عهدت إليه بالمهمة. قفز «باسم» قليلًا، فطار الخنجر في الهواء … نظر له «سافرن» المزيف في دهشة، وهو يكشر عن أنيابه، ثم قال بصوتٍ خشن: من أنتما؟
كان «سافرن» المزيف يقف وظهره إلى المحيط، وقد برزت عضلاته، وكأنَّه في حلبة مصارعةٍ، قال مرةً أخرى: من أنتما؟
قال «أحمد»: أنت لا تعرفنا، لكننا نعرفك يا سيد «سافرن»، إنَّك «سافرن» المزيف!
اتسعت عينا المزيف من الدهشة، وقال: من قال لكما هذا؟
وفي لمح البصر، كان يستل خنجرًا آخر، وأخذ وضعًا وكأنَّه أحد المصارعين في لحظةً النزال. تراجع «أحمد» و«باسم» إلى الخلف، كانا يريدان أن يعطيا «فهد» فرصة ليصعد هو الآخر، دون أن ينتبه له «سافرن» المزيف. تقدم «سافرن» المزيف منهما، فتراجعا أكثر. فجأةً، ظهر وجه «فهد»، وبحركةٍ خادعةٍ أعطى «أحمد» إشارةً له حتى يتقدم في هدوء. ظلَّ «سافرن» المزيف يتقدم منهما. لكن فجأةً كان «فهد» يطير في الهواء، في قفزةٍ عنيفةٍ، ثم يضرب «سافرن» المزيف ضربةً حادة جعلته يسقط. في نفس اللحظة التي قفز فيها «أحمد» و«باسم» وسقطا فوق ذراعيه، فلم يستطع الحراك، وبسرعة كان «فهد» قد قيده بالحبل الرفيع، حتى كاد يخنقه، إلا أنَّ «أحمد» همس بسرعة: نحتاجه حيًّا!
أسرع «فهد» يقيده بالسلك، في حين كان «سافرن» المزيف يحاول أن يتخلص من «أحمد» و«باسم»، إلا أنَّه لم يستطع؛ فقد كانا يقبضان عليه بقوةٍ، وعندما انتهوا من قيده، ساقوه أمامهم إلى داخل معسكر الجزيرة. كان «قيس» قد اختفى خلف «سافرن» الحقيقي، فقال «أحمد» منزعجًا: ترى ماذا حدث؟ إنَّ «سافرن» قوي بما يكفي!
فقال «باسم»: وقيس أيضًا!
ردَّ «أحمد»: أعرف، لكني قلق!
فجأةً، تردد صوت نفيرٍ عسكريٍّ. فقال «أحمد»: إنَّه دعوة لرجال الحرس!
قال «فهد»: ينبغي أن نسرع حتى لا يكون «قيس» في ورطةٍ!
قال «باسم»: إنَّ «سافرن» المزيف يجعل حركتنا بطيئةٍ، وقد يحدث شيء!
مرَّت لحظةٌ وهم يحاولون الإسراع، وإن كان «سافرن» المزيف يتحرك ببطء. قال «أحمد»: سوف أسبقكم فربما يحتاجني الموقف هناك!
أسرع «أحمد» قفزًا، ثم توقف فجأةً، فقد شاهد مجموعةً كبيرةً من الحرس، وقد وقف «قيس» بينهم مكتوف الأيدي، في حين كان «سافرن» يقف حرًّا … ابتسم بينه وبين نفسه، وقال: إنَّ اللص حرٌّ، والحرُّ مكتوف الأيدي!
وقفز قفزاتٍ متوالية، لكنَّه توقف فجأةً، فكَّرَ: إنَّ وصولي هكذا يمكن أن يعرضني للخطر، وقد يعرض «قيس» أيضًا، فربما أطلقوا علينا النار!
ظلَّ ينظر إلى الساحة الواسعة المضاءة إضاءةً جيد، ثم قال في نفسه: ينبغي أن أتحدث إلى قائد المعسكر …
وبسرعة أخرج جهاز اللاسلكي، وضبط الموجه، ثم تحدث، ظلَّ ينادي، ويكرر النداء، لكن أحدًا لم يرد … كرر مرةً أخرى، فجاءه صوت يقول: من يتحدث؟
ردَّ «أحمد» بسرعة: أريد قائد المعسكر!
سأل الصوت: ومن يطلب؟
فقال «أحمد»: ٤٢ م م.
فجاءه الصوت يقول: حالًا!
كانت هذه الأرقام والأحرف التي قالها «أحمد»، شفرة متفقًا عليها مع الأمم المتحدة، ولم تمر لحظة حتى جاء صوت يقول: من يتحدث؟
… شرح له «أحمد» كل شيء بسرعة، فقال القائد: أنا في انتظارك!
وبسرعة تقدم «أحمد»، وعندما وقعت عيناه على منظر الساحة ابتسم، فقد تمَّ القبض على «سافرن» الحقيقي، الذي كان يحاول أن يقول شيئًا. وصل «أحمد» إلى هناك، وقدَّم نفسه لقائد الحرس، الذي أمر بإطلاق سراح «قيس». ولم تمر دقائق حتى ظهر بقية الشياطين، وهم يسوقون «سافرن» المزيف أمامهم. نظر الجميع إلى «سافرن» الحقيقي و«سافرن» المزيف في دهشةٍ. اقترب «أحمد» من قائد الحرس، وشرح له حكاية القناع السام. نظر القائد إلى «سافرن» المزيف لحظةً، ثم اقترب منه، وأخرج من جيبه منديلًا، ثم فتح ملابسه، فوجد حافة القناع، وقد اختفت تحت الملابس، هزَّ رأسه، وقال: لقد حكم على نفسه بالنهاية! ثم نظر إلى «سافرن» الحقيقي، وقال: أما أنت، فسوف تُقدم إلى المحاكمة!
ثم دعا الشياطين لقضاء بقية الوقت في المعسكر، إلا أنَّهم اعتذروا لأنَّ «خالد» كان لا يزال هناك. أرسل «أحمد» رسالةً إلى رقم «صفر» يخبره بانتهاء المغامرة بنجاح. هنأه الزعيم، وطلب منه العودة فورًا …
حيَّا «أحمد» قائد المعسكر، الذي حيَّا الشياطين، ثم أخذوا طريقهم إلى العودة، حيث كان خالد في انتظارهم …