التصنيفات
حتى الآن كان معظم ما تناولناه حالاتٍ تنطوي على طريقةٍ ما، تمكِّننا من وضع قيمة على نتائج القرار؛ هذا أمر رائع عندما يكون بإمكاننا فعله، لكنه ليس عمليًّا دائمًا أو حتى ممكنًا، بل حتى إنه قد لا يكون ضروريًّا في بعض الحالات. إن كانت لديك موارد محدودة وتحاول أن تقرِّر إذا ما كنتَ ستستخدمها في شراء يخت أو إرسال الأبناء إلى الكلية، فلا يتعيَّن عليك أن تمرَّ بتحليل دقيق ومفصَّل لكي تعرف موضع التزامك. هناك أوقات تكون فيها التفضيلات البسيطة مناسبةً تمامًا لصنع القرار؛ كاختيار موعد، أو قراءة كتاب، أو تناوُل وجبة خفيفة من المبرد؛ عندها يكون الاختيار بين أيِّ زوجٍ من الخيارات نابعًا ببساطة ممَّا تفضِّله؛ أيِ التصنيف، ونحن نتناول الانتخابات بهذه الطريقة عندما نطلب من الناخبين ألَّا يعبِّروا عن شيء أكثر من مجرد تفضيلاتهم بين المرشحين. قد يكون هناك متنافسون عدة أو أنظمة معقَّدة من التمثيل النسبي؛ حيث لا يوفِّر الاختيار البسيط كلَّ المعلومات التي يمكن أن تكون مفيدةً، لكننا نادرًا ما نستخدمها في الولايات المتحدة (المزيد عن هذا في الفصل التالي)؛ فنحن نسأل المصوِّتين ما إذا كانوا يفضِّلون سميث عن جونز، وليس عن «مدى» تفضيلهم لِسميث عن جونز. إن الصوت الانتخابي الذي مُنِح بفتور له نفس قيمة الصوت الذي مُنِح بحماس. (أحيانًا يسأل منظِّمو الاستفتاءات الشخصَ الذي يُجرى عليه الاستفتاء ما إذا كان يعتنق الرأيَ الذي اختاره اعتناقًا قويًّا، وهذا يحصد نقاطًا إضافية في الاستفتاء، ولكن ليس في اقتراع.) والأسوأ من كل هذا أننا عندما نجمع عددَ الأصوات في النهاية في اقتراع تفضيلي، فإننا نستقطع حجمَ أغلبية أصوات المرشح الفائز ما دام لدينا فائز؛ لذا يمكن للأقلية المتحمسة أن تهزم الأغلبيةَ المنصاعة في حالة اندلاع ثورة أو عصيان أو أعمال شغب، ولكن ليس في اقتراع انتخابي (بالطبع سوف يدَّعِي المرشح الفائز دائمًا بأنه حصل على «تأييد شعبي»، مهما كان هامش فوزه ضئيلًا وضعيفًا، أو كانت الأصوات قد جُمِعت بشكل غير سليم).
إذا كان التفضيل مسألةَ ذوق أو حكم فردي، فإنها بالكاد تكون عرضةً للنقاش؛ فعندما يقول جورج ويل إنه يفضِّل فريقَ شيكاجو كَبس على فريق لوس أنجلوس دودجرز (بروكلين سابقًا)، يمكن للمرء أن يتعجَّب من شذوذه عن القاعدة، ولكن من العبث أن تجادله. إن تحديد تفضيلات فردٍ ما قد تكون مجردَ مسألةِ طرحِ السؤالِ الصحيحِ، لكن تحديد تفضيلات «مجموعة» من الناس ليست مسألةً بسيطةً؛ وهذا هو جوهر الخيار الاجتماعي (بما فيه الانتخابات).
لقد ذَكَرْنا مشكلة اختيار نكهة الآيس كريم إذا كانت تفضيلاتنا، أو تصنيفاتنا، غيرَ متعدية. ليس هناك شيء غير عقلاني في أن تكون العلاقاتُ غيرَ متعدية — فقد نستخدم ببساطة معاييرَ مختلفةً عند مقارنة كلِّ زوج من الخيارات — لكنه يؤدِّي إلى تعقيد عملية صنع القرار، حتى عندما يكون بين صناع القرار الفرديين (الناخبين أو أعضاء اللجان على سبيل المثال) علاقة متعدية على نحوٍ فرديٍّ — أيْ لديهم قوائم تفضيل بسيطة وواضحة — تظهر مشكلات جديدة عندما نحاول صياغةَ قوائم التفضيل الفردية في شكل قائمة تفضيلات لمجموعة.
والمشكلتان اللتان سنتناولهما هنا هما مشكلة التصنيفات ومشكلة كوندورسيه. تتناول الأولى مسألة كيفية تحويل التصنيفات الفردية إلى تصنيفات جماعية، وتتناول الثانية حقيقةً مهمةً؛ وهي أنه عندما تقوم بتجميع مجموعة من التفضيلات المتعدية على نحوٍ فرديٍّ في تصنيف جماعي، فلا داعي لأن تكون النتيجةُ متعديةً. في الواقع إن الفكرة أقوى من ذلك كما سنرى بعد قليل، ومن قبيل التوضيح، عندما نقول تصنيف فردي أو جماعي، فإننا لا نصِفُ البنودَ المصنفة؛ بل مَن يقومون بالتصنيف، والذين قد يكونون إما أفرادًا وإما مجموعاتٍ.
لنفترض أننا أعضاء في هيئة التدريس في إحدى الجامعات، ونواجه المشكلة الأبدية الخاصة بالاختيار من بين الطلاب من أجل تكريمهم بشكلٍ ما؛ وَلْنَقُلْ، مَنْحهم منحة دراسية. هناك عدة طلاب ذوي سجلات جيدة بما يؤهِّلهم لكي يكونوا مرشحين جديرين، ويَحمل أعضاء هيئة التدريس على عاتقهم مسئوليةَ الاختيار من بينهم. ليس من السهل تصنيف الطلاب، فالجودة تتضمن أكثر من مجرد الدرجات الممنوحة في الدورات الدراسية (بعض الطلاب لا يأخذون سوى الدورات الدراسية البسيطة) أو شخصية الطالب في الفصل الدراسي (بعض الطَّلبة ماهرون لأقصى حدٍّ في مداهنة الأساتذة). ووظيفة الأستاذ الجامعي هي تقييم الجودة والإمكانات الفعلية للطالب من خلال مجموعة متنوعة من الأدلة التي تساهم جميعها في التصنيف، وقليلٌ منها يمكن أن يكون قابلًا للتقييم العددي؛ لذا غالبًا ما لا يكون هناك اختيارٌ سوى مطالَبةِ كلِّ عضو من أعضاء هيئة التدريس بتصنيف الطلاب بالترتيب من خلال معيارٍ ذاتيٍّ ما، ثم محاولة استخدام التصنيفات الفردية بطريقةٍ منطقيةٍ لاختيار المكرمين. بالطبع ستكون كلُّ قائمة من قوائم أعضاء هيئة التدريس متعدية؛ فلا ينبغي أن تكون كلُّ قائمة منغلقةً على نفسها. هل ستؤدِّي دائمًا تلك الطريقة المنطقية الخاصة بجمع قوائم منطقية، إلى نتيجة توجز بمنطقية الآراءَ الفردية المنطقية للمجموعة؟ إطلاقًا.
كَتب تشارلز لودفيج دودجسون، وهو قس إنجليزي وعالم رياضيات عاش في القرن التاسع عشر (وهو معروف أكثر لمعظمنا تحت الاسم المستعار لويس كارول مؤلف رواية «ألِيس في بلاد العجائب»)؛ مجموعةً مذهلة من الأوراق البحثية عن هذا الموضوع. كان ما دفعه لهذا الموضوع بالأساس هو مشكلة اختيار برج جرس لمبنى كليته، وهي مهمة كلَّفته بها إحدى اللجان، ولكنها وسَّعت نطاقَ اهتمامه ليشمل مشكلةَ اختيار الطلاب من أجل تكريمات بعينها، وهي الحالة التي سنستخدمها هنا. كان كلُّ ما يسعى إليه هو إيجاد وسيلة عادلة وغير مبهمة لأداء المهمة؛ كان يَعِي مشكلات العلاقات المتعدية جيدًا، لكنه كان يعتقد أن بمقدوره استخدام مهاراته الرياضية في ابتكار طريقة مقبولة للتصويت؛ لكن كان ما أثار دهشته وغضبه، أن ذلك لم يكن ممكنًا، وليس هناك اختيار أفضل من استعراض الأمر بالاستعانة بمثال دودجسون الأول. إليك المثال، وسنستعرضه بطريقته.
هناك أحد عشر ناخبًا (أعضاء هيئة التدريس)، وأربعة مرشحين (الطلاب)، وسيصنِّف كلُّ ناخبٍ المرشحين وفقًا لترتيب الأفضلية. سنبدأ بعدِّ أصوات المركز الأول فقط، ثم نعود إلى التصنيفات كلها فيما بعدُ. لا يواجه أيُّ ناخب فردي مشكلةً مع العلاقة المتعدية؛ فإن كان يفضِّل أ على ب، وب على ﺟ، فهو يفضِّل أ على ﺟ، ليس هناك أي ألاعيب، بل هناك ترتيب فعلي للتفضيلات، والفائز هو المرشح الحاصل على أغلبية أصوات المركز الأول، وهذا كل ما في الأمر. لنفترض أن التصنيفات الفردية جاءت كما يلي؛ حيث يمثِّل كلُّ عمود قائمةَ التصنيف لناخب واحد، ويُطلَق على المرشحين: أ، ب، ﺟ، د:
أ | أ | أ | ب | ب | ب | ب | ﺟ | ﺟ | ﺟ | د |
ﺟ | ﺟ | ﺟ | أ | أ | أ | أ | أ | أ | أ | أ |
د | د | د | ﺟ | ﺟ | ﺟ | ﺟ | د | د | د | ﺟ |
ب | ب | ب | د | د | د | د | ب | ب | ب | ب |
وفقًا لقاعدة عدِّ أصوات المركز الأول فقط، انتُخِب المرشح ب بأربعة أصوات، ولم يحصل أي أحد آخَر على أكثر من ثلاثة أصوات بالنسبة إلى المركز الأول، لكن من الواضح أن ذلك يمثِّل مشكلةً فظيعةً؛ فكل ناخب فردي لم يعتقد أنه الأفضل صنَّفَه على أنه الأسوأ على الإطلاق — له معجبون بالفعل، لكن معظم الأشخاص يحملون رأيًا سيئًا عنه — وهذا من المفترض أنه يحمل مغزًى ما. لن يؤخذ ذلك في الاعتبار إن كانت أصوات المركز الأول هي فقط ما يهم؛ لذا دعونا نخطُ خطوة للأمام، ونقارن المرشح ب بكل مرشح من المرشحين الآخرين بالتناوب، ونتساءل عن عدد الناخبين الذين يفضِّلونه. في تلك المقارنات المباشِرة يخسر ب أمام «كلِّ» مرشح من المرشحين الآخرين بنفس النقاط المتراوحة بين سبع إلى أربع (هذا واضح؛ إذ حل أخيرًا في تقييم سبعة ناخبين). لقد فاز بأغلبية أصوات المركز الأول، لكن أغلبية الناخبين يفضِّلون عليه أيَّ مرشح من المرشحين الآخَرين. وأيًّا ما كان تحليلك للأمر، فمعظم الأشخاص يعتقدون أنه لا يصلح. إن انتخابه ليس منطقيًّا، وقد قال دودجسون هذا. إنك تخسر العديدَ من المعلومات بعد أصوات المركز الأول فقط.
لكنْ أيٌّ من المرشحين يبدو الأفضل حقًّا من خلال معايير أكثر اتساعًا؟ لقد اختار ثلاثةٌ من الناخبين المرشح أ في المركز الأول، واختاره في المركز الثاني كلُّ ناخب من الناخبين الآخرين، ولم يصنفه أحد في مركزٍ أقل من المركز الثاني؛ لذا فهو يبدو اختيارًا منطقيًّا بالإجماع، وقد «فاز» أيضًا في منافسات مباشِرة مع كل واحد من المرشحين الآخَرين، بالرغم من أنه ليس فوزًا قاطعًا كخسارة المرشح ب. وفي مقارنة مباشِرة بين المرشح أ والمرشح ب، فضَّلَ سبعةٌ من الأحد عشر ناخبًا المرشح أ. وفي أي جولةِ إعادةٍ بين أعلى اثنين حصدًا للأصوات (هذا هو القانون في العديد من الدول الأجنبية وفي بعض البلديات والولايات الأمريكية)، يفوز أ فوزًا ساحقًا.
حتى لو صمَّمنا على أن الفائز لديه أغلبية مطلقة، أو استخدمنا جولة إعادة، فإن تجاهل الخيارين الثاني والثالث يمكن أن يؤدِّي إلى عدم المساواة. باستخدام نفس الجدول يمكننا أن نتخيَّل جولةَ إعادةٍ بين أعلى اثنين حصلَا على أصوات المركز الأول، وهما أ وب، وأن أصوات المركز الأول الأربعة التي ذهبت إلى المرشحين ﺟ ود قسمت بالتساوي بين المرشحين أ وب، هنا سيحصل ب على أغلبية مطلقة صريحة، وهكذا سيفوز في جولة الإعادة. ومن ناحية أخرى، لو كان كل ناخبي ﺟ ود الذين خابَتْ آمالهم قد صوَّتوا على تفضيلاتهم سابقًا بين أ وب، لحصل أ على كل هذه الأصوات (علمًا بأن ب قد حل أخيرًا في كل هذه الاقتراعات)، وحقَّق الفوز؛ لذا فإن جولةَ إعادةٍ من شأنها أن تقدِّم بالفعل معلومات تتجاوز تصويتَ المركز الأول المباشر.
بل إن الأمر أسوأ ممَّا يبدو. تذكَّرْ أنك ترغب في أن تحصي كل الناخبين بالتساوي؛ لذا فأنت بالقطع تريد أن تحصل على نفس النتيجة إذا ما خلط العديد من الناخبين أوراقَ تصويتهم، لكن العملية كلها انتهت بتفضيل نفس عدد الناخبين للمرشح أ على المرشح ب وهكذا، كما كان الأمر من قبلُ. بعبارة أخرى، إن كنتَ لا تهتم بهوية الناخبين، فيمكن إيجاز التفضيلات في التصويت من خلال ستة أرقام، تتمثَّل في تحديد عدد الأصوات التي رجَّحت أ على ب، ورجَّحت ﺟ على د … وهكذا، وعليك ألَّا تهتم بكيفية توزيع هذه التفضيلات بين بطاقات اقتراع الناخبين. وهذا الأمر يكتنفه، بحسب تعبير علماء الرياضيات، مشكلات تخطيط عديدة. (إذا فكَّرت في عدد الأساليب الممكنة التي يمكن أن تدلي بها الأصوات في مثل هذا الاقتراع، يمكنك أن تجد نفس الطريقة التي اتبعناها بالنسبة إلى أيادي البوكر في الفصل الثالث؛ فمع وجود أحد عشر ناخبًا، جميعهم مجهولون، فسينتهي هذا الاقتراع ﺑ ٣٨١٢١٢٩٢ طريقة مختلفة يمكن أن يخرج بها. لكن إن كان كل ما يهمك حقًّا هو كم عدد الناخبين الذين يفضلون، لنقل أ على ب وهكذا، فلا يوجد سوى ستة أرقام تصنف الأزواج الستة المحتملة لأربعة مرشحين.) إذن فهناك العديد من الجداول الممكنة؛ مثل الجدول أعلاه الذي يؤدي إلى نفس قائمة التفضيلات، ومع هذا يولِّد نتائج مختلفة للاقتراع بقواعد مختلفة، وقد أعطى دودجسون مثالًا على ذلك.
أ | أ | أ | أ | أ | أ | أ | ب | ب | ب | ب |
ﺟ | ﺟ | ﺟ | ﺟ | ﺟ | ﺟ | ﺟ | د | ﺟ | ﺟ | ﺟ |
د | د | د | د | د | د | د | أ | أ | أ | أ |
ب | ب | ب | ب | ب | ب | ب | ﺟ | د | د | د |
إن الجدول الجديد يؤدِّي «تمامًا» إلى نفس قائمة التفضيلات السابقة (مثال: عشرة من الناخبين الأحد عشر يفضلون أ على د في كل قائمة)، ومع هذا فمن خلال أي مجموعة من القوانين المنطقية، سيفوز المرشح أ بكل تأكيد في هذا الاقتراع. كان سيخسر من قبلُ، ومع هذا فهي نفس المعلومات إذا كان كلُّ ما يهمك هو التصنيفات.
تأمَّلَ دودجسون المجموعة المتنوعة المعتادة من الخيارات؛ وهي: استبعاد أسوأ المؤدين في كل مرة، الجولات الثانية، وهكذا؛ لكنه خلص في النهاية إلى أنه ليس ثمة وسيلة مُرضية لاختيار الفائز عندما يكون على العديد من صانعي القرار الاختيار من بين عدة خيارات، وانتهى بتفضيلٍ لوسيلة معينة لن نذكرها حتى هنا، لكن مساهمته الحقيقية تمثَّلَتْ في حقيقة أنه ما من شيء ينجح بالفعل، وهذا دون مشكلات التعدِّي.
لقد وعدْنا بأننا سنوضح أيضًا أن أي مجموعة يمكن أن تكون غير متعدية، حتى عندما يكون أفرادها غير ذلك. سيلعب هذا دورًا أكبر فيما بعدُ، في سياق أنظمة التصويت وفي سياق نظرية الاستحالة لِأرو، لكن دعونا نأخذ ملمحًا بسيطًا هنا.
لنتأملْ أبسط الحالات، المتمثِّلة في ثلاثة ناخبين وثلاثة خيارات، التي تؤدِّي إلى جدول تفضيلات مثل الجداول التي كنَّا نستخدمها. لا يمكن أن يكون هناك شيء أبسط من ذلك.
أ | ب | ﺟ |
ب | ﺟ | أ |
ﺟ | أ | ب |
بمجرد إعداد الجدول الذي نكتب بداخله الخيارات في أحد الأعمدة، نكون قد ضمنَّا أنه ما من ناخب فردي يواجه مشكلة مع التعدِّي؛ فعلى سبيل المثال، الناخب الأول يفضل أ على ب؛ وبذلك يفضل أ على ﺟ. إن كل ناخب متسق تمامًا مع ذاته، لكن تفضيلاته الخاصة شأنه وحده فقط. والآن افترضْ أننا نؤمن ببراءةٍ بالديمقراطية الشعبية؛ بحيث تحكم الأغلبية بالقطع، وكل ما نهتم به هو التفضيلات. نحن نرى أن ناخبَيْن من ثلاثة ناخبِين يفضِّلان أ على ب، بينما نرى أن ناخبَين من ثلاثةٍ يفضِّلان ب على ﺟ، وناخبَين من ثلاثةٍ يفضِّلان ﺟ على أ؛ ممَّا يوقعنا في دائرة مفرغة دون أن يكون هناك قرار ممكن. إذن فعلاقة عدم التعدي تُعَدُّ مشكلةً خبيثة تَظهر في القرارات الجماعية حتى عندما لا يواجه الأفرادُ الذين يكوِّنون المجموعةَ أيَّ مشكلة على الإطلاق.
والمحصلة هي أن الحديث عن ديمقراطية التصويت أكثر سهولةً من تنفيذها، والتفاصيل الغامضة الكامنة في أنظمة التصنيف تقدِّم فرصةً مناسبةً للمشاركين ذوي الدهاء للتلاعب بنتائجِ ما كان سيصبح عمليةَ اختيار عادلة داخل أي مجموعة من القوانين. وبالرغم من كل الحديث عن «إرادة الشعب» في الخطب الانتخابية، فمن الصعب — بل من المستحيل — أن تحدِّد ما هي تلك الإرادة. من الأيسر أن تعلن نفسك ديمقراطيًّا (بالرغم من أن الولايات المتحدة لم تفعل ذلك، كما ذكرنا من قبلُ) عن أن تنفذ ذلك الإعلان. من الواضح أن علينا أن نخوض بعمقٍ أكبر في هذا النوع من مشكلات القرار، وهو ما سنفعله سريعًا.