السيدة أم النمر؟
في كثير من مشكلات صنع القرار، يكون على اللاعب (صانع القرار) أن يختار خيارًا واحدًا من بين عدة خيارات، في ظلِّ قدر محدود من المعلومات الجزئية، أو عدم وجود أي معلومات على الإطلاق. ولعل النموذج الأساسي لجميع هذه المآزق هو القصة القصيرة المعروفة الصادرة عام ١٨٨٤ بعنوان «السيدة أم النمر؟»، من تأليف فرانك آر ستوكتون. (لمَن لا يتذكَّرون، كان الملك في هذه القصة لديه عادةُ معاقَبةِ الآثِمين بإرسالهم إلى ساحةٍ بها بابان على كلا طرفَيْها، وخلف أحد هذين البابين يقبع نمر مفترس، وخلف الآخَر توجد سيدة جميلة، وعلى المذنب أن يختار أحدهما. كان مصير مَن يختارون النمر واضحًا ومباشرًا؛ أما مَن يختارون السيدة، فعليهم الزواج بها في التوِّ واللحظة، سواء أكانا يفضلان ذلك أم لا. يفترض بديهيًّا في القصة أن الشخص الآثم ذَكَر، وأن السيدة سيُنظَر إليها باعتبارها جائزة أو مكافأة، وهذا ليس لائقًا تمامًا هذه الأيام، على كلا الصعيدين. وذات يوم قُبِض على رجل من رجال الحاشية — وكان وسيمَ الطلعة — بتهمة الدخول في علاقة عاطفية مع ابنة الملك، وحُكِم عليه في حينه بالعقوبة التقليدية في الساحة؛ نجحت ابنة الملك قبل الحدث في معرفة أي باب سيخفي وراءه أي مفاجأة، وعانت طويلًا في الاختيار ما بين إرسال حبيبها إلى الموت، أو التخلِّي عنه نهائيًّا لامرأة أخرى؛ فلم يكن هناك أي اختيارات أخرى. وفي النهاية، في الساحة في اليوم الموعود، نظر الرجل إليها، كما كانت تعرف أنه سيفعل، وأشارَتْ له نحو الباب إلى اليمين؛ ففتحه وانتهَتِ القصة عند ذلك.) لقد تطوَّرت مثل هذه القصص إلى تحديات كاملة في صنع القرار، وأصبحت معروفةً بما يكفي لجعلها جديرةً بفَصْل كامل خاص لها.
لنبدأ بصورة مختلفة من معضلة السجينين، التي سمع فيها أحد السجناء من مصدرٍ في الزنزانة عادةً ما يكون موثوقًا فيه، أن سجينين من السجناء الثلاثة المحتجزين حاليًّا سيُطلَق سراحهما في اليوم التالي؛ فيسعد لهذا الخبر، ويؤكِّد له السجَّان — وهو شخص أدرك من خبرته الطويلة أنه أهل للثقة — أن الخبر صحيح بالفعل، بل إن السجان يعرف مَن هما، ولكنه لا يتطوَّع بالإدلاء بأي معلومات.
بالطبع يدرك السجين (وَلْنسمِّه توم، والسجينين الآخرين ديك وهاري) أن فرصته في أن يُطلَق سراحه هي اثنتان من ثلاث؛ أي احتمالية قدرها ٢ / ٣، ولكنه متلهف لمعرفة المزيد، وهي لهفة مفهومة، ويتساءل إنْ كان هناك أي شيء يستطيع أن يفعله كي يعرف ما يريد. والخطوة البديهية لتحقيق ذلك هي سؤال السجَّان بشكل مباشِر، ولكنه يخشى أن يتسبَّب الأسلوب المباشِر في تعريض فرصه في إطلاق سراحه للخطر؛ لذا يفكِّر في الالتفاف حول المشكلة، فيستنتج أنه بما أن ديك أو هاري سوف يُطلَق سراحهما، بغضِّ النظر عن مصيره، فلن يضيره أن يسأل السجَّان عن اسم سجين آخَر سوف يُطلَق سراحه.
ولكنه يتوقَّف ليفكِّر في الأمر؛ لنفترِضْ أن السجَّان يقول إن هاري سوف يُطلَق سراحه، حينها سيستنفد ذلك مكان أحد الشخصين اللذين سيُطلَق سراحهما، تاركًا المكان الآخَر إما له وإما لِديك، وهذا من شأنه أن يمنحه فرصة متساوية؛ إذ إن ليس له ميزة ترجح كفته عن ديك، وسيكون قد قلَّلَ فرصه من ٠٫٦٦٧ إلى ٠٫٥٠٠ بسبب السؤال فقط؛ لذا يعزف عن السؤال. هل هذا أمر منطقي؟
أدرج الإحصائي البارز فريدريك موستلر هذا اللغزَ في كتابه الشهير «خمسين مشكلة عسيرة في الاحتمالية مع الحلول»، وأفاد فيه بأنه «من بين جميع المشكلات التي يكتب لي الناس عنها، تَرِد هذه المشكلة في معظم الخطابات.» وخلص موستلر إلى أن توم لم يحدَّ من فُرَصه بطرح السؤال على السجان، وتظل لديه فرصتان من ثلاث، حتى بعد توجيه السؤال والإجابة عليه. لن نكرِّر حجته التي أوردها في ذلك الآن، ولكننا سنعود إليها بعد أن نتناول أحدث موجات البلبلة التي أُثِيرت بشأن مشكلة مألوفة وثيقة الصلة، وهي تلك التي أثارتها مارلين فو سافان، وهي كاتبة عمود لدى مجلة «باراد»، وسوف نرى أن المعضلة المنطقية واحدة.
يمكن أن نطلق على هذه المشكلة مشكلة التحوُّل، وقد حدثَتِ الضجة حين طلب أحد قرَّاء عمود فو سافان منها أن تُدلِي بالإجابة؛ وهي التي يقال إنها سجَّلَتْ أعلى معدل ذكاء، وعلى قدرٍ بالغٍ من الذكاء بلا جدال. (لقد أخذ مؤلف الكتاب عينات من بعض اختبارات الذكاء التي اجتازَتْها بكل يُسْر، ويمكنه أن يؤكِّد لأيِّ قارئ يساوره الشك في ذلك أن أداءها قمة في الإبهار. إن هؤلاء الذين يدَّعون عدم وجود ما يُسمَّى بالذكاء الفطري يعانون الجنون.) وقد طُرِح السؤال على فو على النحو التالي تقريبًا.
هَبْ أنك تظهر في برنامج مسابقات (كان هناك برنامج مشابه في التليفزيون في وقتٍ من الأوقات)، يُرِيك فيه مقدم البرنامج ثلاثة أبواب، مرقَّمة بواحد، اثنين، ثلاثة، ثم يخبرك (عن صدقٍ) أن هناك ماعزًا خلف بابين من تلك الأبواب، ولكن هناك سيارة رائعة خلف الباب الآخَر. سوف تحصل على ما تجده خلف الباب الذي تختاره، ونحن بحاجة لأن نسلِّم بديهيًّا بأنك تفضِّل الحصول على سيارة لا ماعز. (لا يوجد تفسير واضح لاختلاف الرغبات بين الأشخاص، ومن ثَمَّ فهذا الافتراض غير معلن. وفي هذا النوع من الأشياء عليك أن تحذر الافتراضات غير المعلنة.) تختار أنت الباب رقم واحد، ولكن قواعد اللعبة تقضي بأنه بعد أن تحدِّد اختيارك، وقبل فتح الباب الذي يقع عليه اختيارك، يقوم مقدِّم البرنامج بفتح باب آخَر من الأبواب الثلاثة، ويمنحك فرصة لتغيير اختيارك؛ ومن ثَمَّ يقوم المقدِّم بفتح الباب رقم ثلاثة، ليجد خلفه ماعزًا، ويسألك الآن إن كنت تود أن تغيِّر رأيك، وتحوِّل اختيارك إلى الباب رقم اثنين. تلك هي مشكلة القرار الخاصة بك؛ أن تحوِّل اختيارك أو لا تحوِّله. أنعم التفكير فيها.
كان استنتاج فو سافان للأمر على النحو التالي تقريبًا: حين اخترتَ الباب رقم واحد، كانت لديك فرصة واحدة من ثلاث لاختيار الباب الذي يحوي خلفه السيارة؛ ممَّا يعني أن هناك فرصتين من ثلاث لأن تكون السيارة خلف أحد البابين الآخرين. وها قد أظهَرَ لك المذيع المتعاوِن أنها بالتأكيد «ليست» خلف الباب رقم ثلاثة، ولم تتغيَّر الفُرَص بالنسبة إلى الباب رقم واحد، وهكذا تكون هناك فرصتان من ثلاث لأن تكون السيارة خلف الباب رقم اثنين. في الواقع، لقد انتقلَتِ الاحتمالية التي كانت مدَّخرة للباب رقم ثلاثة إلى الباب رقم اثنين؛ لذا بالطبع عليك أن تحوِّل اختيارك. (كان استنتاج موستلر هو نفس هذا الاستنتاج، ولكن مع استدلالٍ أكثر تفصيلًا.)
ومثلما أفاد موستلر بتلقِّيه فيضًا من الخطابات عن إجابته للُغز السجين، تقول فو سافان إنها تلقَّتْ آلاف الرسائل عن مشكلة برنامج المسابقات. إن مجلة «باراد» مجلة واسعة الانتشار، وكانت الغالبية العظمى من أصحاب الرسائل يعتقدون أنها على خطأ، وقد كانت الإجابة الأكثر شيوعًا التي أدلى بها المتراسلون أن الفرصة الآن أصبحت متساوية بين البابين واحد واثنين، مستعينين في الغالب بحجة توم المذكورة أعلاه، من أنك قد اختزلْتَ الخيارات الثلاثة إلى خيارين، ولا تعرف أيهما هو الأصح؛ ممَّا يجعل الأمر مشابهًا لرمي العملة. المثير في الأمر أن فو سافان قدَّمَتْ معلومة أخرى مفيدة؛ أَلَا وهي أن من بين الخطابات المرسلة من عموم الناس، رأى ٩٠ بالمائة أنها كانت مخطئة، بينما الخطابات المرسلة من الجامعات كان ٦٠ بالمائة منها فقط ضدها. وفي الجلبة التي تَلَتْ ذلك، أدلى عدد من الإحصائيين الحاصلين على درجة الدكتوراه بآرائهم ومشاعرهم، وكان انحيازهم لفكرةِ تَساوي الفرص أكثر من العكس؛ لقد فُوجِئت فو سافان بشكل واضح بالحماس الملتهب الذي أثارَتْه المشكلة، وبمدى قوة المعارضة، ولكنها تمسَّكَتْ بموقفها. (من الصعب مقاومة تعليق على مقال؛ هنيئًا لها!)
(على الرغم من أن ذلك خارج السياق، لاحِظِ ارتباط صلة هذا النزاع بمكانة حكم الأغلبية في التعامُل مع الأمور المعقَّدة التي تطرأ في الحكم، وارتباطه بالمسائل القانونية التي سنناقشها في الفصل القادم. هل نتخذ القرارات الفنية بالتصويت الشعبي في أي ديمقراطية؟ إذا كانت الإجابة بلا، فكيف لنا أن نحمي العامة؟ لو أن هذا الأمر قد طُرِح للتصويت لانقسَمَ المصوِّتون بشكلٍ متساوٍ، وكانت القيمة باي الحمقاء ستنجح في مجلس إنديانا التشريعي، لولا أن عالم رياضيات عابر بالصدفة ضبط المشرعين في حالة تلبُّس.)
تنازَعَ الإحصائيون المتخصِّصون، ولا يزالون، حول إجابة سؤال برنامج المسابقات، على الرغم من بساطتها القاتلة لأي شكوك. فبمقدور أي شخص أن يفهمها، ويمكنه حتى أن يضع نفسه في ذلك الموضع، بل إن من السهل محاكاة الموقف: فقط استخدم ثلاث أوراق لعب وجْهُها لأسفل لتكون بمنزلة «الأبواب»، منها ورقة آس وورقتان تحملان رقم اثنين لتمثيل السيارة والماعزين، والعب اللعبة بضعة عشرات من المرات؛ سرعان ما ستجد أن التحول له فائدته، مثلما ادَّعَتْ فو سافان. إذن ما هذه الجلبة؟ ولماذا يختلف الخبراء؟ وما الذي يعيب الحجة التي تجعل الفرصة متساوية بعد العثور على الماعز خلف الباب رقم ثلاثة؟ أم هل هناك افتراض ما غير معلن لدى جميع اللاعبين، حتى عند محاكاة اللعبة بأوراق اللعب؟
الحقيقة المذهلة (وهذا ما يجعل اللغز تعليميًّا للغاية) أنه لا يوجد خطأ في كلتا الحجتين، على الرغم من اختلاف نتيجتَيْ كلٍّ منهما، وهنا تكمن حكاية مرتبطة بهذا الأمر. (هناك دعابة قديمة عن الملك سليمان، تدور حول جارين كانا يتجادلان أمامه، وبعد أن يُدلِي كلُّ جارٍ منهما بما لديه، كان الملك يقول: «أنت على حق.» وحين تنامَى هذا إلى مسامع قاضٍ مارٍّ بالصدفة، قال للملك: «ولكن لا يمكن أن يكون كلاهما على حق.» فأجابه الملك قائلًا: «أنت أيضًا على حق.»)
هناك معلومات مفقودة في اللغز كما ذكرنا، ولكن جميع اللاعبين (بمَن فيهم فو سافان) وضعوا افتراضات غير واعية بشأن هذه المعلومات الغائبة، حتى دون أن يلاحظوا غيابها في أغلب الأحيان. لا نقصد بهذا توجيه أية إهانة لِفو سافان؛ فهي تؤمن بشكل واضح بأن افتراضها بشأن المعلومات الناقصة بديهية للغاية، حتى إنه يجب عدم اعتبار تلك المعلومات غائبة حقًّا. ولكن هل يعتقد هؤلاء أصحاب الافتراض المضاد أن «افتراضهم» طبيعي وبديهي تمامًا. إن هذين الرأيين يبدوان طبيعيين وبديهيين بدرجة كبيرة لأتباع كلتا المدرستين، لدرجة أن أيًّا منهما لا يلاحظ عن وعيٍ أن افتراضًا قد وُضِع من الأساس.
فَلْنكفَّ عن الحديث بالألغاز؛ ما الذي يحدث هنا؟ هل يجب أن يحوِّل اللاعب اختياره؟ حسنًا، إن الطريقة السليمة لمعالجة أي مشكلة في صنع القرار هو تبيُّن الخيارات المتنوعة المتاحة، حتى قبل تعيين أي احتمالات لها. وفي هذه الحالة، قبل أن يبدأ مقدم البرنامج، يبدو هناك ثلاثة خيارات؛ السيارة خلف الباب رقم واحد أو اثنين أو ثلاثة، وبالتأكيد لا يوجد أي تفضيل منصوص عليه في شروط اللعبة؛ لذا من المنطقي افتراض النزاهة في اللعبة؛ ومن ثَمَّ افتراض أن الاحتمالات المبدئية هي تلك المحدَّدة من قِبَل الجميع؛ أي ١ / ٣ لكلِّ باب من الأبواب الثلاثة. كل شيء يسير على نحو طيب حتى الآن.
الآن يختار اللاعب — الذي هو أنت — الباب رقم واحد، ومرة أخرى لا يوجد أي سحر هنا؛ فأنت لا تعرف أيَّ شيء، وفُرَص أن يكون اختيارك صحيحًا هي كالمنصوص عليها؛ فرصة واحدة من ثلاث.
ولكن الآن تبدأ المتعة؛ لأن مقدم البرنامج قد فتح البابَ رقم ثلاثة، لكن لم يتساءل أحد عن «سبب» اختيار ذلك الباب. هناك احتمالات عديدة هنا، والمعلومات التي ينقلها لك اختياره تعتمد على ما تعرفه مسبقًا عن القواعد الخاصة به، والتي لم يفصح عنها حتى الآن؛ ربما يكون — على سبيل المثال — قد وعَدَ والدته بأن يفتح الباب رقم ثلاثة «دائمًا» إذا اختار المتسابِق الباب رقم واحد، بغضِّ النظر عمَّا وراءه. سيكون إذن من قبيل المصادفة العارضة فقط أن في هذه المرة كان هناك ماعز؛ فلو كانت السيارة، لانتهَتِ اللعبة عند هذا الحد، ولكانت الخسارة من نصيبك. إذا كان هذا هو منطقه، إذن فإن حقيقة أنه لم تكن هناك سيارة خلف الباب هي بالفعل معلومة إضافية لك، وبذلك يكون موضع السيارة قد اقتصر على الباب رقم واحد أو الباب رقم اثنين، دون أي تفضيلات معروفة. إن مقدِّم البرنامج لم يمنحك أيَّ سبب للتحوُّل إلى الباب رقم اثنين، ولا أي سبب لعدم التحوُّل. لقد كان الغالبية العظمى من مراسلي فو سافان، الذين كانوا يعتقدون أن الأرجحيات قد صارت متساويةً الآن، يضعون هذا الافتراض بلا دراية عن استراتيجية مقدم البرنامج، وربما كانوا في معظم الحالات لا يدركون حتى أنهم يضعونه، ولكنهم كانوا يشعرون بأنهم على حق؛ ولا شك أنهم قد تساءلوا كيف لشخص في ذكاء مارلين فو سافان أن يرتكب مثلَ هذا الخطأ السخيف.
ولكن هَبْ أن مقدِّم البرنامج لم يكن قد قطع أيَّ عهد كهذا لوالدته، وأنه محكوم بمجموعة أخرى من القواعد. قد يرى أنه لا ينبغي له مطلقًا أن يفتح الباب الذي يحوي خلفه السيارة؛ لأن هذا من شأنه أن يُنهِي اللعبة مبكرًا، ويدمِّر الإثارةَ المحيطة بقرار اللاعب. ستكون تكلفة هذا هو اهتمام الجمهور، وبما أنه يعمل في مجال الترفيه، فسوف تكون هذه سياسة منطقية من جانبه؛ لذا فإن كانت استراتيجية مقدم البرنامج تتمثَّل في عدم فتح باب يحوي خلفه سيارة مطلقًا، وكان اختيارك صحيحًا من البداية، يمكنه أن يفتح الباب رقم اثنين أو رقم ثلاثة كما يشاء؛ «ولكن» إذا جاء اختيارك خاطئًا من البداية، والسيارة إما خلف الباب رقم اثنين أو ثلاثة حقًّا، فسوف يفتح الباب الآخَر؛ إذن سيكون قادرًا دومًا على فتح باب يحوي خلفه ماعزًا، ولا يقدِّم لك أي معلومات حين يفعل ذلك.
أيًّا كان موقع السيارة، لم يؤثِّر مقدِّم البرنامج على فرصة أن تكون السيارة خلف الباب رقم واحد، الذي هو اختيارك الأصلي، ولكن إذا لم تكن السيارة خلفه، يكون بذلك قد أخبرك أيًّا من البابين الآخَرين يحوي خلفه الجائزة؛ إذن فقد أخبرك لثلثَي الوقت — حين لم تكن على صوابٍ في اختيار الباب رقم واحد في المقام الأول — أيَّ البابين الآخَرين تختار. إذا كانت هذه هي استراتيجيته، فقد كانت فو سافان على حقٍّ. حوِّل إذن اختيارك بينما الفرصة متاحة لك، وتباهَ بحُسْنِ حظك. إن هذا لا يعني أنك واثقٌ من الفوز إذا حوَّلْتَ اختيارك (فهناك فرصة من ثلاث أنك كنتَ على صواب في البداية)، ولكنه يضاعف فرصتك.
تلك حالة من الممكن أن يكون فيها طرفان بينهما منافَسة ضارية على حقٍّ، اعتمادًا على القواعد الداخلية التي تحكم مقدم البرنامج؛ فإذا فتح الباب بشكل عشوائي (أو وفقًا لوعْدِه لوالدته)، ولم تكن السيارة خلف الباب الذي يفتحه، إذن فقد صارت الأرجحيات بالفعل متساويةً؛ أما إذا كان قد قرَّرَ منذ فترة طويلة ألَّا يفتح الباب الذي خلفه السيارة مطلقًا في هذه المرحلة من اللعبة، فقد منحك نظرةً مختلسة لما خلف الباب رقم ثلاثة، وعليك أن تستغلَّ تلك المعلومة بتحويل اختيارك.
والآن إلى السؤال الصعب والمثير للاهتمام بحقٍّ: ماذا لو أن كل شيء حدث حسبما وُصِف بالفعل، ولكنك في الواقع لم تكن على دراية بأي شيء عن استراتيجية مقدم البرنامج، ومُنِعتَ من السؤال عن ذلك؟ حينئذٍ ستعود إلى وضع متناقضة الجني التي وردَتْ في الفصل التاسع، والتي كانت فيها المعلوماتُ الحيوية (والتي تتمثَّل، في تلك الحالة، في نوايا الجني وحسابه المصرفي) غيرَ متاحة لك ببساطة. إذا فكَّرتَ بالشكل الصحيح، فسوف تدرك أن الاستراتيجية الصحيحة تعتمد بشكل حيوي على الحالة الذهنية لمقدم البرنامج، وهو ليس بصدد أن يخبرك بذلك؛ حينئذٍ سوف يكون عليك ببساطة أن تخمِّن، مثلما استلزم الأمر مع الجني، وسيكون القرار بشأن التحوُّل من عدمه أفضل كلما كان تحليلُك النفسي لمقدم البرنامج أدقَّ. ألَيست هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور في الحياة؟ الأمر الواضح وضوحَ الشمس أنه لن يكون هناك ضير في التحوُّل؛ لأنه حتى لو كان مقدِّم البرنامج قد وعد والدته، فإن الأرجحيات متساوية؛ ومن ثَمَّ لن تخسر شيئًا. لقد كانت فو سافان على حق.
وأخيرًا يمكننا العودة إلى نقطة البداية؛ أي إلى قصة «النمر أم السيدة؟». تشير ابنة الملك للعاشق ذي الحظ التَّعِس كي يفتح الباب إلى اليمين، ويفعل؛ لو أن القصة قد كُتِبت حديثًا، وليس من أكثر من مائة عام مضَتْ، لابتُكِرَت نظرية للقرار؛ وحينئذٍ، وبلا شك، كان الحبيب التعيس الحظ سيُنعم التفكير في الصراعات التي لا بد أنها تشغل عقل الأميرة، وكان سيتوصَّلُ إلى الحكم الأفضل بشأن ما قد تكون قرَّرَتْ أنه يخدم مصالحها الشخصية؛ ومن ثَمَّ يواصِل بطريقةٍ تؤهِّله لتعظيم فُرَصه في مستقبل سعيد. لقد أعطانا ستوكتون الخطوة الأولى فقط. لا أحد تقريبًا قرأ الجزء المكمل لقصة «النمر أم السيدة؟»، ويُعَدُّ هذا وقتًا مناسبًا لعمل ذلك.