ربط الأفكار معًا
إن الهدف من صنع قرار عقلاني هو — عادةً — المساعدة في التوصُّل إلى أفضل قرار ممكن. وخلال حياتك، سوف ينتهي بك الأمر محقِّقًا النجاحَ والتقدُّمَ إن كنتَ عقلانيًّا، حتى إن تبيَّنَ أحيانًا أنك على درجة خطيرة من الخطأ أو على درجة مذهلة من الصواب؛ فالخبراء المرموقون الذين يَظهرون على شاشات التليفزيون لأنهم أصابوا في توقُّعاتهم لسوق الأوراق المالية في أي سنةٍ، نادرًا ما تجدهم يكرِّرون نجاحاتهم في السنة التي تليها، ومن النادر أن تجد مَن يكتسب منهم الشهرة فعلًا؛ والمقامرون الذين يعتقدون أنهم قد أمضوا ليلة حظ رائعة، عادةً ما يدركون خطأ اعتقادهم هذا قبلَ أن تنقضي ليلتهم، أو في اليوم أو الأسبوع الذي يليها. إن قوانين الاحتمالية فعَّالة للغاية ولا تهدأ مطلقًا، ولو تفهَّمَ الناسُ ذلك على نطاق أوسع، لَقَلَّ كثيرًا تباهيهم وتفاخُرُهم بحسن حظهم، ولَقَلَّ أيضًا شعورُهم بالذنب لحظهم العاثر، ولَحَيِينَا في عالَمٍ أكثر تحضُّرًا؛ فهناك بالفعل أشياء تحدث من قبيل المصادفة، ولا يكون في وسعنا فعل شيء لتغييرها.
كثيرًا ما يَرِدُ في الكتب الشهيرة التي تتناول مفهومَ الاحتمالية أنك إذا ما وضعتَ مجموعةً كافيةً من القردة على مقربة من آلات كاتبة كافية لفترة طويلة بما يكفي، فإن من المحتمل أن ينجح أحدها في كتابة سونيتة من روائع شكسبير (في الواقع، ليس هناك جزيئات كافية في الكون أجمع لتشكِّل قردة وآلات كاتبة كافية لإعطاء هذا القرد فرصة عادلة، لكن مَن يبالي؟ إن الكتَّاب يحاولون فقط توضيحَ أن استخدام القرد في هذا الغرض ليس مستحيلًا بالكامل على الإطلاق). وإنْ حدث ذلك، بالرغم من ضعف أرجحيته الشديد، فإنه لن يعني أن القرد الناجح كان تجسيدًا لروح شكسبير أو حتى شخص مثقَّف، لكنه يعني فحسب أن قوانين الاحتمالات صحيحة. ولا يمكن أن يُمنَح أيٌّ من القرود أو البشر التقديرَ على ذلك. (والأرجح بالطبع أن يكون أحد المخادعين هو مَن زيَّفَ الأمر.) إن الفِرَق التي يُتوقَّع لها الخسارة تحقِّق الفوزَ بالفعل في مباريات كرة القدم، والفِرَق الموثوق في فوزها تخسر، والخيول التي تحقِّق إخفاقات متتالية تفوز في سباقات الخيول، حتى لو لم يكن هناك أي خداع؛ وهذا هو الحال بالنسبة إلى القرارات الجيدة التي تنتج عنها تبعات شنيعة، والقرارات الحمقاء التي يُتبين أنها جيدة، فهذا يمكن أن يحدث، لكن ليس كثيرًا كما يحدث في الحالات النقيضة؛ فالطرف المرشَّح للفوز يفوز أكثر من الطرف المستبعَد فوزه، حتى في سباقات الخيول. وَلْنتذكر مقولةَ دامون رَنيون.
إذن كيف نبذل لدى صنع القرار أفضلَ ما لدينا، بعد أن أصبح لدينا الآن الأدوات اللازمة؟ علينا أن نجمِّع قائمةً بالإجراءات المحتملة، والنتائج المحتملة لكل إجراء، والاحتمالات (على أن نعبِّر عنها بطريقة ما، وكلما وُضِعت بدقةٍ كان هذا أفضل) بحيث إنَّ كلَّ نتيجة تنشأ من كل إجراء، وفي النهاية علينا أن نحدِّد قيمةً للسعادة أو الحزن اللذين قد تجلبهما كلُّ نتيجة لك؛ أيْ أنت صانع القرار. وبناءً على كل ذلك، يكون علينا التوصُّل إلى القيمة المتوقَّعة أو المنفعة المتوقَّعة لكلِّ إجراءٍ محتمَل، ثم نختار أفضل الإجراءات. يبدو الأمر معقَّدًا، لكنه ليس هكذا في حقيقة الأمر، وحتى محاولة تدقيق النظر في العملية كلها يمكن أن تدفعنا للتفكير. ولسنا مُطالَبين بأن نفعل ذلك بإتقان كي نظلَّ في الصدارة؛ ففي العالم الواقعي، ليس علينا أن نفعل «أي شيء» بإتقان كي نكون في المقدمة.
عندما نحاول أن نعدِّد النتائج التي يمكن أن تنشأ من كلٍّ من إجراءاتنا المحتملة، فإننا نفكِّر في وضع قائمة مزدوجة؛ أيْ قائمة بالإجراءات المحتملة أعلى الصفحة، وأسفل كلٍّ من هذه الإجراءات قائمة أخرى بالنتائج المحتملة، وقد تكون بعض النتائج محصلة عدة إجراءات مختلفة، مع أنها ذات احتمالات متباينة. ويمكن أن يُدوَّن ذلك في الورقة كنوعٍ من النسق المزدوج — وهذا هو ما يطلِق عليه علماءُ الرياضيات «مصفوفة» — وذلك مع تعريف كل إجراء محتمَل ونتيجة محتملة لهذا الإجراء عن طريق احتمالية هذه المحصلة ومنفعتها. بالطبع فإن المصفوفة بمفردها لن تجمع سوى ما تعرفه أنت بالفعل في صيغة مناسبة؛ ولكنها لن تعمل على تبسيط العملية كثيرًا، فضلًا عن توليفة المعلومات.
تظهر تلك التوليفة من خلال فكرة المنفعة «المتوقَّعة»، أو الخسارة «المتوقَّعة»، والتي نقيِّم فيها كلَّ نتيجة محتملة وفقًا لاحتمالية وقوعها؛ حيث نمنحها ثقلًا أكبر إن كانت احتماليةُ وقوعها أكبر، وثقلًا أقل إن كانت فرصةُ وقوعها تكاد تكون منعدمةً. (فلن يحدث مثلًا أن تسقط من على ظهر حصان إنْ ذهبت للتمشية.) وهذا كله يعني أنه مع كل قرار محتمل، عليك أن تأخذ قيمةَ كل نتيجة لهذا القرار بالنسبة إليك، وتضربها في احتماليتها، وتجمع كلتَيْهما؛ ليكون الحاصل النهائي هو المنفعة المتوقَّعة من هذا القرار، والتي ستخبرك بمدى صحة القرار وتأثيره على سعادتك. وكلما كان الناتج أكبر، كان هذا أفضل.
تتمثَّل أهميةُ استخدام صفة «متوقعة» للمنفعة أو الخسارة في أن القيمة الفعلية من وجهة نظرك لأي فائدة (أو أضرار) محتملة تعتمد على احتمالية ظهورها بالفعل؛ فإن كانت لديك فرصة متكافئة لربح عشرة دولارات، فإن لذلك قيمةً متوقَّعةً تبلغ خمسة دولارات، وهو المبلغ الذي يمكنك أن تتخلَّى عن الفرصة مقابله. وإن كانت هناك فرصة في المليون لأنْ تربح مليون دولار من خلال تذكرة يانصيب (وَلْنَنْسَ أمر المنفعة في الوقت الحالي)، فقيمتها المتوقَّعة هي دولار واحد، وهذا هو المبلغ الذي تستحقه؛ فالأشخاص يشترون الأسهمَ بأسعارٍ تعكس القيمة المتوقَّعة، وذلك من منظورِ كلٍّ من المكاسب المستقبلية وقيمة إعادة البيع. وفكرة ضرورة ضرب الاحتمالية في القيمة ليست بأمر جديد (ولسوف نرى لاحقًا أن تلك هي أفضل وسيلة لفهم استراتيجيات المقامرة)؛ إذن فإن القيمة المتوقَّعة لأي قرار تَتِّبع نفس القواعد المألوفة. وَلْنَرَ كيف يحدث ذلك.
لنبدأ بشيء بسيط ومألوف، ولكنه ينطوي على خدعة غير متوقَّعة لم يلحظها أحد إلا مؤخرًا؛ ألا وهو مكاتب مراهنات كرة القدم، المنتشرة في كل مكان (بالرغم من استياء الإدارة الأكيد منها). ففي مثل هذه المكاتب، تكون هناك قائمة بالمباريات التي ستقام في يوم محدَّد، والمشارِك في هذه المراهنة يشتري قسيمةً للمراهنة لتخمين الفائزين، وتتكوَّن أرباحُ المراهنات من الأموال التي يساهم بها المقامرون وهم يشترون قسيمةَ المراهنات، وفي النهاية يتقاسم الفائزون المبلغَ الذي تمَّ تجميعه من خلال المراهنة. الأمر بسيط للغاية، وقد يتراءى لك أن أفضل استراتيجية هي ببساطة أن تعرف المزيدَ عن الفِرَق التي تلعب أكثر من المقامرين الآخرين، وهذا صحيح بالقطع — فأن تكون أكثر ذكاءً أو درايةً من شأنه دائمًا أن يضيف المزيدَ من العون — لكن هناك خدعة أخرى بسيطة.
إن معظم مكاتب المراهنات تجعل المقامِر يراهن على أكثر من فريق، حتى «يحمي نفسه من الخسارة»؛ وعلى كل حال فهذا يجلب المزيدَ من الأموال إلى مكاتب المراهنات؛ ممَّا يساعدها على الازدهار؛ وهذا يعني أن كلَّ مقامِر أمامه قراران ليتخذهما؛ وهما عدد تذاكِر المراهنة، والفِرَق التي سيختار المراهَنة عليها. لكنها في نهاية المطاف تظلُّ لعبةً صفريةَ المجموع؛ إذ تئول كل الأموال التي تُوضَع في المراهنات في النهاية إلى الفائزين.
أما بالنسبة إلى بعض الألعاب، مثل سباق الخيول أو اليانصيب (وهي في الواقع ليسَتْ ألعابًا صفرية المجموع، بل إن رعاة هذه الألعاب يجنون الكثيرَ من الأموال)، فإذا ما راهنتَ أكثر من مرة، فإنك تخسر نقودك بطريقة أسرع (هذه نسخة من المثل الذي أوردناه سابقًا، وهو: إنْ كنتَ تخسر أموالك عند بيع كل بند، فلن تحقِّق ربحًا عن طريق بيع المزيد). لكن أموال مراهَنات كرة القدم تمثِّل استثناءً؛ فمن المفيد هنا أن تراهِن ضد نفسك؛ أيْ أنْ تشتري تذكرة مراهَنة أخرى وتقامر ثانيةً. قد يبدو هذا ضربًا من الجنون وضد طبيعة الأشياء، فكيف يمكن أن تكون المراهَنةُ ضد نفسك مصدرَ عونٍ لك؟ لنَرَ كيف تسير الأمور.
كي نبسط المسألة، لنفترضْ أنه لن تقام سوى مباراة واحدة في يومٍ ما بين فريق البط والإوز، وليس هناك إلا اثنان من المشاركين في الرهان؛ أنت وفريد، وكلاكما يجيد اختيار الفائز، وَلْنفترض أيضًا أن مستوى الفريقين متكافئ؛ لذا فاللعبة عبارة عن مسألة حظٍّ بحتة يتعادل فيها المكسب والخسارة. يشتري فريد تذكرة رهان بدولارين، ويراهن على فريق البط، ثم يأتي دورك. بمقدورك اختيار إما فريق البط وإما الإوز، أو أن تكون أكثر فطنةً؛ فإذا ما اشتريتَ تذكرةَ رهان واحدة وراهنتَ على نفس الفريق الذي اختاره فريد، فلن يتقدَّم أيٌّ منكما على الآخَر في النهاية؛ فإذا ما ربح فريق البط، فكلاكما على صواب، وستقتسمان النقود التي ربحتماها، ليستعيد كلٌّ منكما الدولارين اللذين راهنتما بهما؛ أما إذا ما فاز فريق الإوز، فسوف تقتسمان مبلغ النقود أيضًا، بما أنه ليس هناك أيُّ فائز؛ أما إذا حدث العكس وراهنتَ على الفريق المنافِس للفريق الذي راهَنَ عليه فريد، فسوف يجمع أحدكما المكاسب دائمًا، بينما سيخسر الآخر. هذا هو الطريق الذي ينبغي أن تسلكه إنْ كنتَ أفضل من فريد في الرهان على الفريق الفائز، أما إن لم تكن كذلك، والفريقان متعادلان بالفعل، فسوف تخسر بقدر ما تكسب. وعلى المدى الطويل، سيكون كلاكما متساويًا في المكسب والخسارة، وليس ثمة وسيلة لتكوين ثروة هنا.
لكن ماذا لو اشتريتَ تذكرتَيْ مراهنة، مراهِنًا مرةً واحدةً على كل فريق؟ إنَّ لديك الآن أربعة دولارات كحصيلة نقدية، مقارَنةً بالدولارين قيمة رهان فريد، لكن ستظل واحدة من تذكرتَيْك هي «الرابحة» دومًا (والأخرى هي الخاسرة «على الدوام»)؛ وهكذا فإنك ستشارك «دومًا» في المكسب، لكن هل ستجني ربحًا صافيًا؟
حسنًا، هذه لعبة متكافئة؛ ومن ثَمَّ لِنِصف الوقت تظلُّ احتماليةُ فوز فريق البط قائمةً، وإذا ما حدث ذلك، فأنت وفريد تحملان تذكرة رابحة؛ ومن ثَمَّ ستقتسمان الدولارات الستة حصيلة الرهان، وستحصل عند الفوز على ثلاثة دولارات من الدولارات الأربعة التي استثمرتها، وتخسر دولارًا، هو الذي ربحه فريد.
لكن ماذا لو فاز فريق الإوز، أهي مراهَنة متكافئة على المكسب والخسارة أيضًا؟ حينها ستجمع أنت الاستثمار كاملًا بما فيه مساهَمة فريد، وتكون قد ربحتَ الدولارين نتيجةً لمجهوداتك؛ من ثَم لِنِصف الوقت ستربح دولارين، والنصف الآخَر ستخسر دولارًا واحدًا؛ وبهذا ستربح على المدى الطويل؛ ستحصل على دولار كربح صافٍ كلَّ مرتين تراهن فيهما، وذلك في المتوسط، مقابل صافي مكسب متوقَّع يبلغ نصف دولار لكل يوم مراهنة، على أربعة دولارات مستثمرة. وهذا سيحدث دون تفكير؛ حيث إنك تراهن ضد نفسك فقط، ولن يحقِّق فريد أي ربح إلا إذا كان يجيد اختيار الفريق الفائز؛ إذ سيكون اختياره صحيحًا لثلثي الوقت (ولن يهم حينها إن كنتَ جيدًا في الرهان على الفريق الفائز؛ إذ إنك تراهن على فوز كلا الفريقين). وإن كان هناك رهان كل أسبوع، وكان هو على صواب لِنِصف الوقت فقط، فإن متوسط عائد الربح بالنسبة إليك هو اثنا عشر بالمائة كل أسبوع، وهذا ليس بالأمر السيئ (وعلى مدار العام ستضاعِف استثماراتك بمعامل خمسمائة دولار تقريبًا؛ إنه سحر الفائدة المركَّبة. لكن فريد بالطبع سيتفهم ذلك الأمر قبل هذا بوقت طويل). ويكون الأمر أكثر تعقيدًا وأقل ربحًا مع تواجد عددٍ أكبر من المقامرين، ومزيد من الفِرَق التي تشارك في مباريات أكثر، لكن يظل المبدأ كما هو: مِن المفيد أن تحمي رهاناتك.
لكن لتحذرْ عزيزي القارئ؛ أرجو ألَّا تتسرَّع في تبديد أموالك على مراهنات كرة القدم باتِّباع ذلك «النظام»؛ فهذه العملية الحسابية برمتها استندَتْ إلى افتراضٍ بأن المقامِر الآخَر سيخسر بقدر ما يربح؛ أيْ إنه في الواقع يراهن رهانًا متكافِئًا. وإن كان المقامر الآخَر بالفعل يعرف شيئًا عن الفِرَق، وبمقدوره أن يراهن على الفائز باستمرار، فذلك النظام لا قيمةَ له؛ فهو قائم على الاحتمالية، وأيُّ شخص بمقدوره أن يخمن جيدًا الفريقَ الفائز «بالفعل» عادةً ما يكون بإمكانه أن يهزم أيَّ شخص لديه معرفة أقل. وقد سأل أحدهم فارسًا محترفًا منذ عدة سنوات إن كان يراهن في سباقات الخيل، وكانت إجابته البارعة كالتالي: «فقط إذا علمتُ مقدَّمًا الجواد المزعم فوزه.» وتحظى مصارعةُ المحترفين بنفس السمعة؛ والدرس المستفاد هو أنه يتعيَّن عليك تجنُّب الألعاب التي يكون لدى المقامِر الآخَر فيها معرفةٌ تفوق معرفتك.
لننتقلِ الآن إلى مثال آخَر يوضِّح بطريقة أفضل كيفيةَ وضع المبادئ جميعها معًا، ولكنه يظلُّ بسيطًا بما يسهل معه تحليله: هل ينبغي لك أن تستثمر مدخراتك في شراء سندات آمنة، أم في أحد البنوك، أم في المقامرة في أحد نوادي قمار لاس فيجاس، أم في أي بديل آخَر مناسب؟ سوف يتضمَّن هذا اتخاذَ قرارٍ ما، وبعض المعلومات عن الأرجحيات، وتقييمات النتائج البديلة، وبحث وتقييم أهدافك، وأخيرًا مقايضات بين الرضا اللحظي واحترام المستقبل.
لنفترضْ أن معك ألف دولار، ويوجد بنك بالقرب منك، ويوجد نادٍ من نوادي القمار في شارعك (إنك تحيا في ضاحية جيدة الخدمات). ولِنكونَ أكثرَ تحديدًا، سوف نفترض أن البنك يعرض عليك نسبةَ فائدةٍ على المبلغ تصل إلى خمسة بالمائة (في وقت كتابة هذا الفصل)، بينما اللعبة التي تجذبك في نادي القمار هي لعبة الروليت؛ حيث تفضِّل اللعب باللونين الأحمر والأسود (ولمن لا يعرفون لعبة الروليت، هناك اختلافات في عجلة الروليت وفي قوانين اللعبة، لكن العجلة الأمريكية النموذجية بها ثمانٍ وثلاثون فتحة؛ ثماني عشرة فتحة منها باللون الأحمر، والثماني عشرة الأخرى باللون الأسود، وهكذا فإن فرصة استقرار الكرة في الفتحة السوداء أو الحمراء واحدة، أقل قليلًا من كونها فرصة متكافئة، واحتمالية كلٍّ منهما هي ١٨ / ٣٨؛ أي ٠٫٤٧٣٧ بالتقريب. إن احتمالات الفوز باللونين الأحمر أو الأسود أسوأ بكثيرٍ من احتمالات ٠٫٤٩٢٩ بالنسبة إلى الرامي في لعبة كرابس؛ فلعبة كرابس تمنح الرامي فرصةً أفضل بكثيرٍ من لعبة الروليت. المزيد عن هذا في الفصل التاسع عشر).
لكي تبدأ بشكل سليم ينبغي أن يكون لديك هدف لتحقيقه؛ فتلك هي القاعدة الأولى والأساسية لعملية صنع القرار برمتها؛ فإن كانت خطتك بالنسبة إلى خيار المقامرة هي اللعب حتى الإفلاس، فستصل لذلك؛ فسوف تتجمع الاحتمالات الصغيرة لصالح نادي القمار لفترة طويلة من الوقت، وبالقطع ستغادر نادي القمار، في النهاية، وأنت شخصية أكثر حزنًا وفقرًا (وسواء كنتَ أكثر حكمةً أيضًا أم لا، فهذا يعتمد عليك في النهاية). والسؤال المهم الوحيد هنا هو كم سيستغرق ذلك من الوقت، وسوف نعود إلى ذلك في غضون لحظات.
إن خيار البنك أسهل في تحليله؛ سوف تخسر كل شيء على الفور! ستحصل بالقطع على دفتر حساب مصرفي أو أي دليل آخَر على أن نقودك مودعة في أمان وأنه يمكنك استردادها وقتما شئتَ (على الرغم من أن البنوك قد تفلس بين الحين والآخَر)، لكنْ ما دامت النقود في البنك، فليس لها نفع على الإطلاق بالنسبة إليك.
بالقطع هذا كلام مضلِّل؛ فالفائدة تتراكم، وتُقيَّد بدقة في أحد السجلات في مكانٍ ما، وربما حتى في دفتر حسابك، وأنت تعلم في قرارة نفسك أن بمقدورك دائمًا سحب أصل المبلغ والفائدة المتراكمة. تلك مقايَضة قمتَ بها للتخلِّي عن الاستخدام الفوري للنقود، وتبدو أنها مقايَضة رابحة عند مقارنتها بحتمية الخسارة في نادي القمار. وهناك الكثير من المقالات الإرشادية التي كُتبتْ عن كيفية تراكم الفائدة؛ ففي غضون قرن من الزمان ستكون الألف دولار قد وصل إلى مائة وخمسين ألف دولار (فهي تُضاف يوميًّا؛ حيث تقوم البنوك ذات الحاسبات الضخمة الآن بحسابها)، لكنك قد تتساءل أيضًا عن فائدة ذلك لك؛ فلن تكون أمامك فرصة كبيرة لكي تستمتع بنقودك. إن منفعة نقودك تقلُّ كلما توافَرَ المزيد منها في المستقبل مع زيادة الفائدة؛ ولهذا السبب ينبغي على البنوك أن تسدِّد لك الفائدة قبل أن تضع يدها على نقودك (نحن نتجاهل عامل التضخُّم هنا. ومثله كمثل المدِّ الذي يرتفع وينحسر، فهو يغيِّر من القيمة الظاهرية لكل الفوائد والخسائر عندما تقاس بالوحدات النقدية؛ إنه مجرد وهْم إلا بالنسبة إلى الأشخاص ذوي الدخول الثابتة أو المدخرات الثابتة. إن وظيفة التضخُّم بالقطع في الصورة الاقتصادية تتمثَّل تحديدًا في انتزاع الأموال من هؤلاء الأشخاص، والاستيلاء على مدخراتهم لسداد الاحتياجات الضرورية، وعادة ما تكون لآخرين. وليس ثمة وسيلة قانونية أخرى للحصول على شيء مقابل لا شيء. فَلْتفكِّرْ في مدى أخلاقية ذلك إن كنتَ ستُقدِم عليه).
ومع ذلك، ففي ضوء الاحتمالات الطويلة الأمد، فإن البنك بالقطع يتفوق على نادي القمار الذي سيجعلك مُفلِسًا لا محالة. لكن كم من الوقت سيستغرق الأمر كي تفلس في نادٍ للقمار بافتراض أنك ستراهن حتى النهاية؟ حسنًا، من خلال القواعد التي أرسيناها من قبلُ، فإن ذلك بالضبط ما يطلِق عليه علماء الرياضيات مشكلة المسار العشوائي. فَلْنتخيَّلْ شخصًا ثَمِلًا يسير مقترِبًا من حافَة منحدَر صخري؛ مع ملاحظة أن كل خطوة يخطوها لها احتمالية ٠٫٤٧٣٧ تدفعه بعيدًا عن حافة المنحدر، واحتمالية أكبر قليلًا تبلغ ٠٫٥٢٦٣ تجعله يتقدَّم نحو حافة المنحدر؛ لذا فكل خطوة، على المدى الطويل، تجعله يقترب ٠٫٠٥٢٦ خطوة من الحافة (وذلك هو الفرق بين الرقمين السابقين). قد يستغرق الأمر فترة، لكنه سيصل للحافة في النهاية، وَلْتعتبِرْ أن حافة المنحدر هي الإفلاس؛ فإذا ما كان يخطو خطوات صغيرة (أي راهَن بمبالغ صغيرة)، فالأمر سيستغرق وقتًا أطول حتى يفلس، لكن ليس هناك شك في النتيجة؛ فمع دوران العجلة عشرين مرة في حالة نادي القمار سيكون متوسط الخسارة هو حجم الرهان، وإن استغرق دوران العجلة دقيقة فبمقدورك المقامرة لمدة ست عشرة ساعة قبل أن تخسر ألف دولار، في المتوسط، وذلك من خلال الرهان بمبلغ عشرين دولارًا مع كل دورة من دورات العجلة. وعند نقطةٍ ما على طول الطريق (وسنتعرَّض لذلك خلال لحظات)، هناك فرصة جيدة لكي تحقِّقَ تقدُّمًا مؤقَّتًا.
وهذا تحديدًا هو السبب في ضرورة أن تكون لك أهداف محدَّدة، وقرارات مسبقة، وأن تنسحب عندما تحقِّق تلك الأهداف، هذا إنْ حقَّقْتَها. هناك فرصة لكي تنسحب عندما تحرز تقدُّمًا، لكن ليست هناك فرصة للفوز إذا ما صمَّمْتَ على الاستمرار حتى الإفلاس؛ وهذا ما يجعل تلك المعضلة مشوِّقة.
لنفترِضْ أنك ذهبتَ إلى نادي القمار وبحوزتك ألف دولار، وعزمتَ على ألَّا تنسحب إلا عند تضاعُف نقودك (إذا حدث هذا من الأساس). كان القول المعتاد قبل اللعب قديمًا في لعبة كرابس هو: «إن طفلي بحاجة إلى زوج جديد من الأحذية»؛ وهو ما يعني في تلك الحالة أنك في حاجة ماسة إلى ألف دولار أخرى لكي تشتري شيئًا مهمًّا، والألف دولار التي بدأتَ بها اللعب لن تفي باحتياجاتك، ولكن الألفَيْ دولار ستفي بها. إنك تدرك أنك ربما تخسر كلَّ شيء، وأن من المرجح أن يحدث هذا بالفعل، لكن احتياجك أكبر. يُعَدُّ البنك خاسرًا في حالة احتياجات المدى القصير؛ فالأمر سيستغرق نحو أربعة عشر عامًا لمضاعفة نقودك عند فائدة مقدارها خمسة بالمائة، وهكذا ستفوق احتياجاتُ الرضيع زوجَ الأحذية المجازي قبل ذلك بفترة؛ إذن كيف تضاعف من فرصتك بأن تحصل على ألف دولار في نادي القمار عند نقطةٍ ما قبل أن تصبح على شفا الإفلاس؛ ومن ثَمَّ يمكنك أن تحصل على النقود السائلة مقابل رقاقات الروليت وتنسحب؟ ليس هناك بالقطع وسيلة مؤكدة للفوز، لكن «بمقدورك» تعظيم فرصتك.
إنها مسألة رياضية معروفة، خارج نطاق هذا الكتاب؛ لذا فسوف نقدِّم الإجابةَ فقط. (لا يزال تشبيه الرجل الثَّمِل الذي يقترب من حافة المنحدر ساريًا: لقد بدأ سيره وكان في منتصف المسافة بين مقعد وحافة المنحدر، ويبحث عن أفضل فرصة ليصل إلى المقعد قبل أن يسقط، والمقعد بمنزلة زوجِ الأحذية الجديدة أو أيِّ شيء كان يريده، وحافة المنحدر، كما قلنا من قبلُ، هي الإفلاس.) وبناء على قواعدنا التي تقضي بأنك ستراهن بعشرين دولارًا في كل دورة، فالإجابة هي أن لديك فرصة في المائتين لمضاعفة أموالك قبل أن تفلس، وتلك فرصة ضئيلة للغاية للفوز، وفرصة تكاد تكون مؤكدة للخسارة؛ مما يجعل من قرار الذهاب إلى نادي القمار للحصول على الأموال التي تحتاج لها قرارًا سيئًا، «شريطة» أن تراهن بعشرين دولارًا في كل مرة.
يمكن أن يكون أداؤك أفضل من ذلك حتى في نادي القمار؛ فإذا ما راهنتَ بخمسين دولارًا في كل دورة روليت، فسوف يسير كلُّ شيء على نحو أسرع، ولن تحظى بمتعة كبيرة، لكن فرصتك في أن تخرج من اللعبة ومعك ضعف ما كان لديك من نقود ستكون أفضل من مجرد فرصة من كل عشر فرص، أفضل بعشرين ضعفًا! لِمَ ذلك؟ لأن الأمر ببساطة لا يتطلَّب العددَ نفسه من ضربات الحظ لكي تصل إلى ما تريد، وكلُّ ضربةِ حظٍّ هي تحدٍّ لقوانين الاحتمالية. في بعض الأحيان قد تجعل قوانينُ الاحتمالية الأمورَ تصبُّ في صالحك تمامًا، وهذا ما يُسمَّى الحظ. ضاعِفْ رهانك إلى ١٠٠ دولار في كل دورة وستصل فرصتُك إلى فرصةٍ من كل أربعٍ، وهو الأمر الذي يبدأ في أن يكون مقبولًا إن كنتَ حقًّا في حاجة مُلِحَّة للنقود بدرجة تجعلك على استعدادٍ لتحمُّل خسارة المبلغ كله (وهو أمر لا يزال محتملًا). إلى الآن تتضح كيفية سير الأمور؛ إن كنتَ بحاجة مُلِحَّة إلى النقود ولا تقامِر من أجل المتعة فقط، فإن أفضل استراتيجية إذن هي المقامرة بمبلغ الألف دولار بأكمله في دورة واحدة من دورات عجلة الروليت، وسينتهي الأمر خلال دقائق، وستربح أو تخسر، وستقلُّ فرصةُ الفوز عن الخسارة بقدر ضئيل. قارِنْ ذلك بفرصة في المائتين إذا ما راهنْتَ بعشرين دولارًا! إن الشخص الثَّمِل عليه أن يغلق عينَيْه، ويشير نحو وجهةٍ ما، ويقفز قفزة عملاقة. هنا تكون احتمالية اجتياز ذلك المنحدر أكبر، وذلك إذا ما قارنَّاها بحتمية سقوطه إذا ما راح فقط يتجوَّل في المكان حتى يسقط بالفعل، لكن «يمكن» أن ينتهي به الأمر بالنوم في سلام في المقعد الموجود.
إن كنتَ تراهن من أجل المتعة، فلا تجازف إلا بمبالغ صغيرة بأي حال من الأحوال. بالقَطْع ستخسر في نهاية الأمر، لكن ذلك سيستغرق فترة، وقد تحظى بقدرٍ من المتعة (لا يبدو مطلقًا على المقامرين في نادي القمار أنهم يستمتعون بهذا الأمر، لكن تلك مسألة أخرى). أما إنْ كنتَ تقامِر من أجل ربح مبلغ كبير من الأموال، وكنتَ على استعداد لتحمُّل الخسارة في نفس الوقت، فَلْتُقامِر بما معك من أموال. كتب روديارد كيبلنج في إحدى قصائده يقول: «إن كنتَ قادرًا على تكديس انتصاراتك في كومة واحدة، وتخاطِر بها في لعبة حظٍّ …»
لكن كيف لنا أن نصل لاستنتاجٍ يبدو أنه يفضِّل اتخاذ قرار بالمقامرة بدلًا من توفير النقود، في الوقت الذي تبدو فيه المقامرة قرارًا سيئًا بالقطع على المدى الطويل في مواجهة نسبة الدخل الثابتة؟ ما فعلناه هو اللعب بفكرة المنفعة.
استرجعْ ما تناولناه في الفصل السابق عندما أكَّدنا أن «منفعة» النقود لا تساوي بالضرورة «حجم» النقود. كنَّا في ذلك نحاول أن نوضِّح فكرةَ أن خسارة مبلغٍ من المال تكون أكثر إيلامًا لمعظم الناس أغلب الوقت من متعة ربح مبلغ ما. ومثل هؤلاء الأشخاص (أيْ معظم الأشخاص) لا ينبغي لهم المقامرة ولو على فُرَصٍ متكافئة للربح والخسارة، غير أن هناك أوقاتًا يكون فيها الاحتياج إلى قدر معين من النقود احتياجًا شديدًا (وقد رمزنا إلى هذا بالرضيع الذي يحتاج إلى زوج جديد من الأحذية)؛ ممَّا يجعل احتمالية الفوز أكثر أهميةً بكثيرٍ بالنسبة إليهم من الخسارة المحتملة؛ وحينها يكون القرار الصحيح — بعد تنحية مسألة الأخلاقيات جانبًا — هو الإقدام على المقامرة، حتى لو كانت هناك خسارة صافية متوقَّعة. إن التقييم الملائم لمنفعة النقود (أو لأي شيء آخَر) يمكن أن يغيِّر من قراراتنا تمامًا.
وهذا المنطق الذي يدفع الناس لشراء تذاكر اليانصيب، التي أصبحَتْ تحلُّ محلَّ الضرائب البغيضة بتزايد، كمصدر من مصادر الدخل الحكومي. وحقيقة أنها مصدر من مصادر الدخل للدولة تُعَدُّ دليلًا كافيًا على أنها تأخذ قدرًا من النقود يفوق ذلك الذي تمنحه؛ ومن ثَمَّ يخسر المواطنون (المقامرون تحديدًا) بشكلٍ عامٍّ، وسينصحك كل علماء الرياضيات (احذر من كل العبارات التي تحتوي على كلمة «كل»؛ فهي في الغالب تكون خاطئةً) بعدم شراء تذاكر اليانصيب، لكن العامة يشترونها، متغافلين فيما يبدو عن حتمية الخسارة، وليس نتيجةً لجهل منهم.
وقد أوضح أحد المهندسين المرموقين مؤخرًا، وهو صديق موقَّر للمؤلف، سببَ شراء التذاكر في إيجازٍ خلال خطبةٍ ألقاها مؤخرًا؛ فقد اعترَفَ بأنه توقَّفَ ذات مرة عند أحد المتاجر الصغيرة التي توجد على جانب الطريق لشراء بعض الاحتياجات وهو في طريق عودته إلى المنزل، وأخذ تذاكر يانصيب بدلًا من النقود المتبقية له؛ والسبب كما قال: «يا للهول! إن الفوز بمليون دولار سيغيِّر تمامًا من مستوى حياتي، بينما خسارة دولارين لن تُحدِث أيَّ تأثيرٍ فيه.» وهو هنا، في الواقع، يوضِّح منفعةَ النقود، ويعزِّز من منفعة المكاسب مقارَنةً بالخسائر. ومع ذلك، فما يشكك في حديثه هو أنه لم يتحدَّث عن احتمالية الفوز الضئيلة عند حساب المنفعة «المتوقَّعة» للفوز، التي ربما كان من شأنها أن تدفعه إلى تغيير القرار. ويحتمل أن يكون معظم مَن يشترون تذاكر اليانصيب يقدِّرون الأمر بنفس هذه الطريقة اللاشعورية، مبرِّرين الأمر لأنفسهم بفكرة أنه لا بد أن يربح «أحد». ومع هذا، هناك بعض الحالات يمكن أن يؤدِّي فيها هذا التحوُّل في مفهوم المنفعة إلى اتخاذ قرار بالمقامرة يمكن الدفاع عنه، حتى مع إيضاح احتمالات المكسب والخسارة جيدًا. ومع ذلك، فالمؤلف لا يقبل أن يتلقى تذاكر اليانصيب بدلًا عن أي نقود متبقية له.
إذن دعونا نُنْهِ الفصل ببيان دقيق للاستراتيجية المثلى لأي قرار فردي. لنُطلِقْ على الإجراءات الممكنة أ، ب، ﺟ، بينما نطلق على نتائجها الممكنة س، ص، ع، وهكذا. لكل زوج من الإجراءات، ستكون هناك احتمالية يمكن أن نطلق عليها صفرًا إذا لم يؤدِّ الإجراء إلى نتيجة معينة؛ فقرار عدم الزواج، على سبيل المثال، لا يمكن أن يؤدِّي إلى الطلاق. ونحن أيضًا نحتاج لمنافع النتائج المختلفة، أيًّا كان تقييمها، ويمكن أن نُدرِجها ضمن النتائج س، ص، ع، وكل ما يهم بالنسبة إلى صنع القرار هو منفعة النتيجة، وليس وصفها؛ حينئذٍ يتكوَّن لدينا جدولٌ بهذا الشكل:
س = ١٧ | ص = ٩ | ع = ١٥ | ||
---|---|---|---|---|
س | ٥ | ٣ | ٧ | ٢١٧ |
ص | ٤ | ٢ | ٩ | ٢٢١ |
ع | ٤ | ٦ | ٥ | ١٩٧ |
لقد ملأنا المصفوفة من داخلها بأرقام عشوائية نوعًا ما؛ لتمثِّل احتمالات النتائج المتنوعة للإجراءات المختلفة (لتَنْسَ أمرَ العمود المتواجِد على الناحية اليسرى والأرقام بأعلى للحظة). لاحِظْ أننا، وعلى عكس الاحتمالات الحقيقية، لم نبذل أي جهد لكي نجعل الأرقام تقع بين الصفر والواحد؛ لأننا سنقارِن فقط الإجراءات المختلفة، وكلُّ ما يهمنا هو ترتيبها «النسبي». ومع هذا، حَرَصْنا على أن نجعل كل الصفوف تؤدِّي إلى نفس الرقم أفقيًّا؛ لذا فلن يكون لأي إجراء على اليمين ميزة غير عادلة على الإجراءات الأخرى (لو كنَّا نتعامل مع احتماليات حقيقية، لَتَمَّ هذا عشوائيًّا، ولأَدَّتِ الصفوف كلها إلى رقم واحد؛ لأن إجمالي احتمالية حدوث «شيء ما» يساوي واحدًا).
لا تزال المعلومة الناقصة هي مجموعة المنافع للنتائج الممكنة س، وص، وع، التي ستمثِّل تقييماتنا لمدى شدة احتياجنا لهذه النتائج أو خوفنا منها (وإنْ كنَّا نخافها، يمكننا أن نضعها في صورة أرقام سلبية)، وبالنسبة إلى هذا المثال، دعونا نجمح ونفترض أن النتيجة س تساوي ١٧، وص تساوي ٩، وع تساوي ١٥، وهذا هو المبيَّن بأعلى، ونحن نفضل س على ع قليلًا، ونفضل كلَيْهما على ص.
حينئذٍ نحصل على المنفعة المتوقَّعة من خلال ضرب الاحتمالات الزائفة في المنافع، وإضافتها لما يقابلها؛ للحصول على الأرقام النهائية الموجودة على الجانب الأيسر. ومن ثَمَّ الإجراء أ نتيجته ٢١٧، والإجراء ب يعطي ٢٢١، والإجراء ﺟ يتخلَّف عنهما بنتيجة مقدارها ١٩٧؛ وهكذا يتضح أن أفضل رهان هو الإجراء ب، لكنه أفضل بمقدار ضئيل. لقد ربح بالرغم من أنه يعطي احتماليةً أعلى لوقوع النتيجة ﺟ من النتيجة أ، بالرغم من أنك تفضِّل النتيجة أ، لكنه يقدِّم فرصةً أقل للنتيجة ب التي توجد في ذيل قائمة تفضيلاتك.
هذا كل ما في الأمر، إلا أنك نادرًا ما ستتبع ذلك الإجراء المسهب لاتخاذ قرارٍ ما، لكنك إنْ تذكَّرْتَ المنطق الأساسي وراءه، فستتخذ قرارات أفضل على المدى الطويل.