التي أُقيمت لمعاونة مجاهدي طرابلس وقصائد شوقي والمطران والمؤلف.
أما قصيدة المطران فليست تحت يدي لأثبتها في هذا الكتاب، وأما شوقي فقال ما يلي:
جبريل هلِّلْ في السماء وكبِّر
واكتبْ ثواب المُحسنِين وسطِّر
سل للفقير على تكرُّمه الغِنى
واطلبْ مَزِيدًا في الرخاء لمُوسِر
وادْعُ الذي جعل الهلال شِعاره
يفتح على أمُم الهلال وينصر
وتولَّ في الهيجاء جند مُحمَّد
واقْعُد بهم في ذلك المُستمطر
يا مِهْرجانَ البر أنت تحيَّة
لله في ملأ كريم خَيِّر
هم زيَّنوك بكلِّ أزهر في الدجى
والله زانك بالقبول الأنْوَر
حَسُنت وجوهُك في العيون وأشْرَقت
من كلِّ أبْلجَ في الأكارم أزْهَر
كثُرت عليك أكفُّهم في صوبها
فكأنَّها قِطَع الغَمام المُمطِر
لو يعلمون «السوقَ» ما حسناتها
بِيعَ الحصى في السوق بَيْعَ الجوهر
جبريلُ يعرُض والملائكُ باعَة
أين المساوِم في الثواب المُشترِي؟
ومُجاهِدين هناك عند مُعسكَر
ومن المهابة بين ألف مُعسكَر
مُوفِين للأوطان بين حِياضها
لا يسمحون بها وبين الكَوْثَر
عَرَبٌ على دِين الأبُوَّة في الوَغى
لا يَطْعَنون القِرْن ما لم يُنذَر
ألِفوا مصاحبةَ السيوف وعُوِّدوا
أخذَ المعاقِل بالقَنا المُتشَجِّر
يمشون من تحت القذائِف نَحْوها
لا يسألون عن السعير المُمطِر
في أُعيُن الباري وفوق يَمِينه
جَرْحى نُجِلُّهُم كجَرْحى خَيْبر
من كلِّ ميمون الضماد كأنما
دمُ أهل بَدْر فيه أو دمُ حَيْدر
جَذْلان هَيِّنةٌ عليه جِراحه
وجراحه في قَلْب كلِّ غضنفر
ضُمِدت بأهداب الجُفون وطالما
ضُمِدت بأعْراف الجِياد الضُّمَّر
عُوَّاده يتمسَّحون برُدْنه
كالوفد مسَّح بالحطيم الأطْهَر
وتكادُ من نُور الإله حِياله
تبيضُّ أثناء «الهلال الأحمر»
•••
يا بنت «إلهامي» دعاء معظم
لسماء عزِّك في البرية مكبر
توفيق مصر وأنت أصلٌ في الندى
وفتاكما الفرعُ الكريمُ العنصر
أنتم جمال الشرق زين ملوكه
لا زال بيتكم جمال الأعصر
لكم النَّدى آثاره وحديثه
شغل السميع ونور عين المبصر
النِّيل فجَّر مشرعين وعَيْلمًا
وتفجَّرت يُمْناك خَمْسة أَبْحُر
أحييت في فضل الملوك وعزِّهم
ما مات من أمِّ الخليفة جعفر
إن الذي قد ردَّها وأعادها
في بردتيك أعاد فيَّ البحتري
فنظمتُ ما نثرتْ يمينُك شاكرًا
لا يحسُن الإحسان ما لم يُشكَر
إني رأيت على الرجال مظاهرًا
فعلمت أن الفضل كل المظهر
وعلمت أنَّ من النساء ذَخِيرة
غير الثناءِ لنفسها لم تذخر
لما تولَّيت الهلال رفعته
بين السها شَرَفًا وبين المُشْتري
ولكَم دعوت نساء مصر لصالحٍ
فنهضن فيه يقُلْنَ عائشة اؤمري
فكأنهن عقائل من هاشم
وكأنك الزهراء فوق المِنْبر
سَلَا هل لديهم مِن حديث لقادِم
من الغرب يَرْوِي فيه غُلَّة هائم
وهل وَرَدتهم عن كريمِ مقامِه
سمان المعالي في لِطاف النسائم
وهل نظروا من نحْوِ برْقة موهنًا
فلاحت لهم منها بروقُ الصوارم
تألَّق في ليلي ظلامٌ وقَسْطَل
فتُنشِئ سُحبَ الدمع من طرفِ شائم
مواطنُ إخوانٍ تملوا من الرَّدَى
كئوسًا تساقوها بملْء الحلاقم
دفاعًا عن الأوطان إنَّ دِفاعها
لدى كلِّ قومٍ كان أَوْلى المكارِم
تهيَّبهم فيها العدوُّ مهاجمًا
فجاءَ دَبِيبُ اللصِّ في ليلٍ قاتم
وليَّن في إقباله من إهابه
وهل يخدع الإنسانَ لِينُ الأراقم
فثاروا وما كانت أرانب رومة
من الغرب أكْفاء اللُّيوث الضَّراغِم
ونعم سقاة الموت هم كلما بدَت
بروقُ المواضي في رُعود الغماغم
وحسبك منهم كل قوم نِمتهمو
أرومة قحطان ونَبعة هاشم
وكم وقفوا يسْتَنْصِفون عدوَّهم
وهزُّوا من الأملاك جِذْعَ المراحم
فلما رأوا عجْزَ الدَّلِيل تطلَّبوا
لدى الصارم البتَّار صِدْقَ التراجم
فلم يكُ مثل السيف كاليوم قاضيًا
ولا العهد مثل الآن أحلام حالم
وما طال نَوْمُ السيف إلَّا تنبَّهت
عيونُ الدَّواهي منه عن جَفن نائم
أخلاي سوق للمنايا مقامة
تُباع حفافيها غوالي الجماجم
فهل لكمو في سوقِ بِرٍّ ورحمة
تنالون فيها باقيات المغانم
غِياثًا لمظلومٍ ونَصْرًا لصارخٍ
وضَمْدًا لمجروح وقوتًا لصائم
كفى بالهلال الأحمر اليوم هاديًا
لمن حارَ في ليلٍ من الشكِّ داهِم
وأكرِمْ بأمِّ المحسنينَ التي طَمى
جداها كلج العَيْلم المُتلاطِم
سليلة «إلهامي» فمن كلِّ جانب
لها نَسَب نحْو البحور الخَضارِم
وأجْدِر بقومٍ أمطرتهم هِباتها
بأن يأملوا قُرْب انفِراج المآزِم
وحاشا بلادًا أنتمو عن يمينها
يفتُّ بأعضادٍ لها ومعاصم
لقد حُوصروا برًّا وبحرًا وأُمطروا
بحُمر المنايا من سواد الغمائم
وقد طالما أرهفت حدَّ يراعتي
فلما تعالى الخَطْب عُدْت لصارِمي
أَجَل إنَّنا من أمَّة عربيَّة
نكافح عنها عاديات الأعاجم
ولو أنصف الأقوامُ في حقِّهم رأوا
مؤاساتهم فرضًا على كلِّ آدمي
قال شوقي لأحد أصحابه بعد الانصراف إنه كان في أثناء إنشاد المنشد لقصيدته لا يفكِّر
إلا بي. وقلت أنا لأحد أصحابي: إني كنت متمثِّلًا شوقي من أول إنشادي إلى آخره.