انتصار أشبه بالهزيمة!
انتهت مغامرة «الدرفيل»، التي خاضها الشياطين اﻟ «١٣»، ضد منظمة سادة العالم، بالقبض على زعيم المنظمة «مانسيني»، وأسره في زورق عند شواطئ كاليفورنيا الجنوبية.
كانت لحظة انتصار هائلة للشياطين … ولكن لم يكن القبض على «مانسيني» إلا مجرد بداية … فهذا الزعيم القوي، الذي قهر كل قادة المنظمة، واستطاع الاستيلاء على زعامتها، لم يكن شخصًا عاديًّا … والقبض عليه وأسره كان انتصارًا مؤقتًا … فالمهم هو كيفية الخروج به من أمريكا … وهي مسألة غاية في الصعوبة … فقد استطاع «مانسيني» أن يصنع لنفسه شهرة ضخمة كرجل شريف، يعمل في «وول ستريت» شارع المال، ويملك شركة من أكبر الشركات المساهمة … مثله مثل كثير من قادة العصابات … ولم يكن هناك أية تهمة يمكن أن تُلصق به في الولايات المتحدة …
فماذا يمكن عمله أمام هذا الموقف؟
كان «مانسيني» جالسًا في إحدى كبائن الزورق … تحت رقابة كل من «رشيد» و«عثمان» … هادئًا، يشرب كوبًا من الشاي الممزوج ببعض الليمون … وكان ينظر إلى الشابين الجالسين أمامه في تأمل … ويفكر كيف استطاع هؤلاء الأولاد اقتحام «عش النسر» وأسره ببساطة … وهو الذي عاش حياة حافلة بالمغامرات الوحشيَّة في وسط عصابات نيويورك، واستطاع أن يقفز إلى قيادة أكبر منظَّمة إجرامية في العالم.
بعد لحظات من التفكير قال «مانسيني»: أحب أن أقول لكم: إنكم ترتكبون جريمة من أخطر الجرائم، في أي بلد من بلاد العالم … وهي خطف مواطن واحتجازه، دون أن يكون لكم أية صفة قانونية!
لم يرد «عثمان» ولا «رشيد»، ومضى «مانسيني» يقول: إنكم الآن في البحر … وفي الظلام … وقد لا يراكم أحد … ولكن بعد بضع ساعات فقط ستشرق الشمس … وسينفد وقود الزورق … وستضطرون للوصول إلى ميناء قريب … وسوف يكون موقفكم صعبًا جدًّا، إذا شاهدكم رجال الشرطة … أكثر من هذا، إن هذا الزورق من ممتلكاتي … وأكثر الناس في هذه الأنحاء يعرفون ذلك … وأظن أنهم سيشتبهون فيكم …
دخل «أحمد» في هذه اللحظة، فعاد «مانسيني» يقول: كنت أشرح لزملائك الآن، أنكم تحتجزونني وأنتم لا تمثلون أية سلطة قضائية في الولايات المتحدة … وأنكم تُعَرِّضُون أنفسكم لموقف خطير، باحتجازكم مواطنًا أمريكيًّا شريفًا!
قال «أحمد»: دعنا نتحدث عن شيء آخر غير الشرف!
مانسيني: ماذا تقصد أيها الشاب؟
أحمد: إننا نعرف من أنت … ومهما استطاع الجراح الماهر أن يُخفي ملامحك، فأنت ستبقى «مانسيني» الرجل الخطر … وأبرز وجه في عالم الجريمة المنظَّمة!
صمت «مانسيني» لحظات ثم قال: هذا كلام لا أساس له من الصحة. إنني مواطن شريف، أعمل عملًا شريفًا … ولو أن هناك شيئًا يُدِينُني، لما تركني حماة القانون في هذه البلاد!
أحمد: لقد أخفيت نشاطك الحقيقي بمهارة … تمامًا كما فعل «واتكر» الذي قتلته بيديك!
شحب وجه «مانسيني»، ثم قال: إنك لن تستطيع إثبات كلمة واحدة مما تقول!
أحمد: سوف نُسلمك إلى الجهات المختصة هنا … وسوف نُرسل معك ملفًّا بجميع المعلومات التي نعرفها!
صمت «مانسيني» لحظات، بينما كان «أحمد» يفكر فيما ينبغي عمله … وكان الحل الوحيد، هو الاتصال برقم «صفر» وتلقي تعليماته … ولم يكن في الزورق جهاز لاسلكي قوي، يمكن أن يوصله برقم «صفر». والحل الوحيد هو الاتصال بعميل رقم «صفر» في «نيويورك»، الذي يمكنه الاتصال برقم «صفر» وتلقي التعليمات.
عاد «مانسيني» يقول: حتى لو استطعت تسليمي للسلطات في الولايات المتحدة، فإنك لن تخرج بسهولة من هذا البلد!
لم يرد «أحمد»، وطلب من «عثمان» و«رشيد» تشديد المراقبة على «مانسيني»، ثم صعد إلى السطح.
عُقد اجتماع بين الشياطين عما يجب عملُه عند الوصول إلى الشاطئ … وكانت المشكلة فعلًا هي كيفية نقل «مانسيني» إلى الشاطئ … وقد قدم الشياطين اقتراحات كثيرة … منها تخديره، ومنها تهديده بمسدس في الظهر … ومنها نقله داخل صندوق … ولكن الاقتراحات كلها كانت تعني شيئًا واحدًا … هو نقل «مانسيني» دون رغبته، وهذا مخالف للقانون.
وظل الاجتماع منعقدًا حتى جاء موعد النوم … وكانوا جميعًا متعبين … وتقرر ترتيب دوريات للمراقبة والحراسة … والتوقف خارج الميناء عند الوصول إلى «سان دييجو» …
قال «خالد» ﻟ «أحمد»، وهما في الطريق إلى أسفل القارب: هناك فكرة خطرت لي … لماذا لم نسلم «مانسيني» إلى رجال «واتكر»؟ إنهم بالتأكيد سيتولون أمره على طريقتهم!
توقف «أحمد» عند سماع هذه الجملة وقال: إنها فكرة رائعة … وقد تعرفت على «كلانيا» ابنة «واتكر» … ومن الممكن الاتصال بها … ولكن لا بد من استشارة رقم «صفر» أولًا!
وفي الصباح الباكر تم الاتصال بعميل رقم «صفر» في نيويورك … وشرح له «أحمد» الموقف، ووعد عميل رقم «صفر» بالاتصال فورًا بمقر الشياطين، والحصول على رأي رقم «صفر» في هذا الموقف!
كان القارب يسير ببطء على بُعد عشرة كيلومترات من ميناء «سان دييجو»، وطلب «مانسيني» أن يسمحوا له بالصعود إلى ظهر القارب، ولم يجد الشياطين سببًا يمنع ذلك. وكان «أحمد» يجلس بجوار جهاز اللاسلكي في انتظار رسالة عميل رقم «صفر»، الذي اتصل به … وأملاه رد رقم «صفر» على رسالته … وقد كانت ردًّا مدهشًا …
«من «ش. ك. س» … إلى رقم «١»:
إن «مانسيني» رجل خطر جدًّا، ومن الخطأ الاحتفاظ به دقيقة واحدة … ليس لكم الحق قانونًا في احتجازه، ما دامت جهات الأمن في الولايات المتحدة الأمريكية لا تملك دليلًا ضده … إن «مانسيني» يعرفكم جميعًا الآن … وهذا يمثل خطورة لا مثيل لها عليكم … وأعتقد أنه لن يترك الأمور تفلت من يده … لقد أرسلت إلى عميلنا في نيويورك كل المعلومات، والصور الخاصة ﺑ «مانسيني» ليسلمها إلى الشرطة … ولكن المرسل معه لن يصل إلا غدًا في المساء … ومعنى ذلك، أن يبقى «مانسيني» معكم طوال هذه المدة … لهذا فإنني أقترح عليكم البقاء في القارب، حتى ذلك الوقت … ولكن لا تقفوا في مكان واحد، حتى لا تلفتوا إليكم الأنظار … وأرجو أن تواصلوا الاتصال بي، ويمكنكم التصرف حسب الظروف.»
أمسك «أحمد» الرسالة بيده وقال في صوت هامس: لماذا لا نُطلق عليه رصاصة ونرتاح؟ …
ولكنه رد في نفس اللحظة على نفسه: إن الشياطين ليسوا منظمة للقتل … وإلا كانت المهمة يَسيرة.
عاودوا عقد الاجتماع … كانت الجملة الأخيرة في رسالة رقم «صفر» هي موضوع الحديث … «يمكنكم التصرف حسب الظروف.»
فكيف نتصرف؟
قالت «إلهام»: صدقوني، إنه من الأفضل تسليم «مانسيني» إلى أعوان «واتكر»، إن «مانسيني» مجرم عريق … ولولا أن مبادئ الشياطين اﻟ «١٣» تُحرِّم القتل، إلا في حالة الدفاع عن النفس، لَمَا ترددت لحظة واحدة في القضاء عليه.
ساد الصمت لحظات، ثم قال «أحمد»: إننا لسنا قضاة نُصدر أحكامًا بالإعدام … إن مهمتنا تنتهي عند تسليم المجرم للعدالة.