القارب التائه!
هبط الظلام على شاطئ المحيط الهادي في تلك الأمسية، والقارب يتجول بعيدًا عن الشاطئ … وقد قارب وقوده على النفاد … وكذلك كمية الأطعمة الجافة التي كانت به … وكان قرار الشياطين، دخول الميناء عندما يشتد الظلام …
ولكن … عندما بدءوا يستديرون للاتجاه إلى الشاطئ، لمعت أضواء قارب قادم في اتجاههم … وأحس «أحمد» بالخطر … فسواء أكان قارب خفر السواحل، أو قارب أعوان «مانسيني»، فمن المؤكد أنهم سيقعون في متاعب ضخمة … وفي نفس الوقت لم يكن في قدرة قاربهم الصغير نسبيًّا الهرب … ولم يكن حتى به من الوقود ما يكفي …
كان على الشياطين اتخاذ موقف سريع … وصاح «أحمد»: انزلوا سريعًا إلى المياه … وأطفئوا جميع الأنوار … سنكون بجوار القارب في الجهة المظلمة!
عثمان: وماذا عن «مانسيني»؟
أحمد: سنأخذه معنا!
واتجه «عثمان» و«رشيد» إلى كابينة «مانسيني» وعادوا به … وكان القارب قد توقف تمامًا، وأُطفئت أنواره، فأصبح جزءًا من ظلام المحيط … ثم نزلوا جميعًا إلى المياه … واختفوا بجوار القارب في الجزء المظلم منه كما قال «أحمد».
اقترب القارب الكبير مسرعًا … وقد أطلق ضوءًا قويًّا من مقدمته، أُغرق القارب الصغير في بحر من الضوء … وعندما اقترب تمامًا، انطلق منه صوت في مكبر الصوت يقول: استسلموا وإلا سننسف القارب!
لم يكن هناك رد، فعاد الصوت يقول: لا فائدة من المقاومة … من الممكن نسفكم فورًا.
همس «أحمد» في أُذن «عثمان»: ليست الشرطة … إنهم أعوان «مانسيني»!
وتحرك «أحمد» قليلًا في اتجاه مقدمة القارب … وشاهد بضعة أشخاص يستعدون للقفز على القارب الصغير، حاملين مدافعهم الرشاشة … وقرر «أحمد» أن يُنفِّذ خطة جريئة بسرعة … أشار إلى بعض الشياطين أن يتبعوه … ثم دار بهم في الظلام حول القارب الكبير … كان تقديره أن الباقين في القارب الكبير، سيكونون قلة يمكن التغلب عليهم بسرعة …
وفعلًا … تسلق الشياطين القارب من الخلف … وعندما نظر «أحمد» إلى سطح القارب، شاهد رجُلين فقط يقفان عند جانب القارب، يتفرجان على زملائهما، وهم يقفزون إلى القارب الصغير … استعمل «عثمان» كرته الجهنمية، فوجه بها ضربة إلى رأس أحد الرجُلين، فسقط في الماء، بينما تسلل «أحمد» مسرعًا إلى الآخر … وقبل أن يعرف ماذا يحدث، كان «أحمد» قد قذَف به هو الآخر في المياه …
ساعد الظلامُ على تنفيذ خطة «أحمد»، وقفز بقية الشياطين إلى القارب الكبير.
قالت «إلهام»: لقد هرب «مانسيني»!
كان هروب «مانسيني» كارثة … ولكن الأهم من «مانسيني» في هذه اللحظات، هو إنقاذ الشياطين … وهكذا أدار «أحمد» مُحرك القارب وانطلق به … بينما ارتفعت الصيحات من أعوان «مانسيني»، ووجهوا مدافعهم الرشاشة إلى القارب … ولكن الطلقات لم تُصِب أحدًا من الشياطين، الذين انبطحوا على الأرض.
انطلق القارب مسرعًا في اتجاه الشاطئ … كانت مهمة «أحمد» أن يصل بأقصى سرعة، قبل أن يتمكن أعوان «مانسيني» من مطاردتهم، وهم متعبون … وليس معهم إلا بعض الأسلحة الخفيفة.
شق القارب طريقه في الظلام … ولم تمضِ نصف ساعة، حتى كانوا قد أشرفوا على ميناء «سان دييجو». وقال «رشيد»: من الأفضل ألا ندخل الميناء الآن!
أحمد: معك حق!
رشيد: نرسو في مكان مهجور … فليس من المستبعد أن يتصل «مانسيني» بالشرطة، للقبض علينا بتهمة احتجازه أو بتهمة سرقة القارب!
أحمد: أو يتصل ببقية أعوانه على الشاطئ!
واقترب القارب من نقطة موحشة على الشاطئ … وبدأ يهدئ من سرعته، ثم يتوقف … وفجأة تحول الظلام إلى شعلة من الأضواء المتقاطعة كأنها ليلة مهرجان … فقد انطلقت من الشاطئ آلاف الطلقات في اتجاه القارب … وكان واضحًا أن «مانسيني» قد اتصل برجاله … وأنهم رصدوا حركة القارب في المياه.
استدار «أحمد» الذي كان يتولى القيادة، وأطلق للقارب العنان مبتعدًا عن الشاطئ … وقد أطفأ أنواره، واكتفى بأضواء النجوم البعيدة.
طلب «أحمد» من «زبيدة»، البحث عن جزيرة قريبة في مجموعة الخرائط المعلقة على جدران غرفة القيادة … وأن تحدد له الاتجاه … وانهمكت «زبيدة» في الفحص ثم قالت: أقرب جزيرة إلينا هي جزيرة «جواد يلوب» في الاتجاه الغربي … ويمكن بسرعة معقولة أن نصل إليها قُرب الفجر.
فكر «أحمد» لحظات ثم قال: «جواد يلوب»، إنها جزيرة مشهورة في تاريخ القراصنة، حيث كانوا يهربون إليها، بعد السطو على السفن في البحر الكاريبي!
زبيدة: وما هي خطتك؟
أحمد: لا بد أن نتصرف … إن التعرف علينا مسألة مهمة … ونحن نتحرك معًا … سوف نغير ملابسنا … سنرتدي ملابس «الهيبيز» … الذين ينتشرون في كل مكان … وسننقسم إلى ثلاثة مجموعات … إننا تحت رحمة منظمة «سادة العالم» … ومن المؤكد أنهم هاجموا الآن مقرنا في «سان دييجو» … واستولوا على كل الأوراق التي تخصنا … ومنها جوازات السفر … إن موقفنا أصبح عسيرًا.
تناوب الشياطين الحراسة طوال الرحلة إلى «جواد يلوب» التي وصلوها فجرًا …
واختاروا الشاطئ الشمالي، حيث تنتشر الغابات للنزول … واستطاعوا أن يجدوا مكانًا خفيًّا عن العيون، بين أعشاب الشاطئ العالية لإخفاء القارب …
ثم استسلموا جميعًا للنوم، بعد المغامرات الشاقة التي مروا بها.
وعندما انتصف النهار استيقظوا جميعًا، وعقدوا اجتماعًا مطوَّلًا …
قال «أحمد»: سيكون هدفنا العودة إلى «نيويورك» … فهي مدينة كبيرة يمكن الاختفاء فيها … وهناك نستطيع أن نتصل بعميل رقم «صفر»؛ ليقوم بتدبير جوازات سفر أخرى …
إنني أنصح الزملاء الشبان بإطلاق لحاهم على طريقة «الهيبيز» … أما الفتيات فيجب أن يتغير شكلهن تمامًا … إن هدفنا أن نصل إلى «نيويورك» متفرقين، في خلال ثلاثة أيام من الآن … أي نكون هناك يوم الاثنين الساعة الثانية عشر تمامًا … سوف تتقابل في «سنترال بارك» … وسوف أحاول خلال هذه الفترة، الاتصال برقم «صفر» وشرح التطورات له …
ثم تصافحوا جميعًا …
وسارت كل مجموعة في اتجاه مختلف …
وكان من نصيب «أحمد» و«عثمان» و«زبيدة» و«إلهام» أن يكونوا معًا …
واتجهوا إلى اليمين في اتجاه الميناء … وسرعان ما كانوا يقبلون على مقهى صغير دخلوه … وطلبوا بعض الطعام وأكواب العصير.
واتجه «أحمد» إلى التليفون … وتأكد أن لا أحد يتبعه أو يتسمع …
ثم طلب رقم عميل رقم «صفر» في نيويورك … ورد الرجل على الفور … وكان متلهِّفًا على سماع الأخبار … فإن «رقم» «صفر» كان قلقًا …
كان عميل رقم «صفر» رجلًا ذكيًّا … وكانت الأخبار التي نقلها إلى «أحمد» تدل على أنه سريع التصرف مدرك لما يفعل!