في مزارع القصب!
قال عميل رقم «صفر»: عندما اتصلت بكم، ولم أجد أحدًا منكم في «سان دييجو»، ركبت الطائرة إلى هناك … وقمت بتفتيش الفيلات الثلاث، وأخذت جميع الأوراق الهامة … ومن بينها بالطبع جوازات السفر!
قال «أحمد»: لقد كنت سريع التصرف، يا سيدي!
الرجل: ولم أكد أخرج، وأدير سيارتي، حتى شاهدت ثلاث سيارات مُحمَّلة بالرجال، تقتحم مقركم في «سان دييجو» … ومن المؤكد أنهم كانوا يحاولون الحصول على أوراقكم، وما بها من معلومات …
أحمد: لقد أبهجتني حقًّا … ولكن المشكلة الآن أن «مانسيني» قد أفلت من أيدينا … ونحن لا نستطيع العودة قبلُ أن نوقع به مرة أخرى!
الرجل: إنني أرى المسألة من جانب آخر … إن «مانسيني» يعرفكم الآن جميعًا، وهذه أول مرة فيما أعلم، يستطيع شخص التعرف عليكم جميعًا … لهذا فإن المهم الآن هو سلامتكم … أين أنتم الآن؟
أحمد: إنني أُحدثك من جزيرة «جواد يلوب»، من مقهى القرصان، وقد تفرق الزملاء في مختلف أنحاء الجزيرة، واتفقنا على أن نلتقي في حديقة سنترال بارك بعد ثلاثة أيام!
الرجل: سنتراك بارك في نيويورك؟
أحمد: نعم … إنها مكان مفتوح … ولن نلفت انتباه أحد!
الرجل: سأتصل برقم «صفر»، للإدلاء إليه بهذه المعلومات، رجاء أن تعاود الاتصال بي مساءً!
أحمد: اتفقنا!
وضع «أحمد» السماعة، وعاد إلى الزملاء …
وكان «عثمان» يمسك بإحدى الجرائد المحلية، ويتحدث إلى «زبيدة» و«إلهام» … فلما وصل «أحمد»، قطع حديثه … وطوى الصحيفة، فروى لهم «أحمد» سريعًا، المكالمة التي تمت بينه وبين عميل رقم «صفر» … وقد ابتهجوا لأن أوراقهم قد أُنقذَت.
ثم تحدث «عثمان» فقال: إن وجودنا في «جواد يلوب» بلا عمل، قد يثير الانتباه … وهي جزيرة صغيرة … وقد شاهدت إعلانًا في الصحيفة عن طلب عمَّال لمزارع القصب … ونحن سنقضي هنا ثلاثة أيام … ولعل أفضل وسيلة للاختفاء، هي العمل في هذه المزارع الشاسعة.
ووافق بقية الشياطين على رأي «عثمان»، وخرجوا إلى الطريق، وركبوا سيارة الأتوبيس إلى العنوان … وكانت مفاجأة للشياطين الأربعة، أن وجدوا بعض زملائهم في طابور العمال … ولكن الجميع تظاهروا بأنهم لا يعرفون بعضهم بعضًا …
حصل الشياطين الذين تقدموا للعمل بمزارع القصب على العمل المناسب. وكانت التعليمات تقضي … بتواجدهم في نقط تجمع، على أن تمر السيارات لأخذهم إلى المزارع البعيدة …
وعاد الشياطين إلى مقهى وفندق القرصان، حيث حجزوا غرفتين لهم … «أحمد» و«عثمان» في غرفة، و«زبيدة» و«إلهام» في غرفة … وبعد عشاء خفيف استغرقوا جميعًا في النوم … فقد كان عليهم في اليوم التالي، أن يستيقظوا في السادسة صباحًا … لأن السيارة ستمر بهم في السابعة …
وفي الموعد، وقفوا عند نقطة التجمع … وجاءت سيارة كبيرة مكشوفة، بها عدد آخر من العمال، وحملتهم عبر الطرقات المُتربة، إلى المزارع البعيدة … وكانوا خليطًا من الشبان والفتيات.
تسلم كل واحد من العمال، سكينًا ضخمًا، يشبه السيف لتقطيع القصب، من أقرب نقطة عند جذوره … ثم أوقفوا كل عشرة، في شكل صف واحد، يسير في اتجاه واحد … وبدأت السيوف الحادة تعمل في أعواد القصب … وارتفعت الشمس … وأخذ العمال يتقدمون تدريجيًّا، وأكوام القصب ترتفع … وجاءت مجموعة من الشاحنات، تحمل أكوام القصب إلى مصانع العصير.
وظل العمل مستمرًا بشكل حماسي تحت إشراف أحد الملاحظين، ورغم التعب والعرق، لم يكن هناك لحظة راحة واحدة، حتى الساعة الواحدة … عندها توقَّفوا بعد إطلاق صفارة … ثم تجمعوا لتناول الغداء.
بعد ساعة من الراحة، استؤنف العمل مرة أخرى، حتى غربت الشمس، جاءت السيارات تحمل العمال إلى المدينة …
كان يومًا مُرهقًا … ولم يكد الشياطين يعودون إلى الفندق، حتى أسرعوا بالاغتسال وتناولوا طعام العشاء … وتم الاتصال ببقية الشياطين … كانوا جميعًا قد التحقوا بالعمل في القصب، فهو عمل لا يحتاج إلى خبرة معينة … كما أنه عمل مؤقت، يمكن تركه في أي وقت.
ثم اتصل «أحمد» بعميل رقم «صفر» الذي كان متلهِّفًا لسماع صوته.
قال الرجل: إن «مانسيني» يبحث عنكم في كل مكان … بعض المواني، قالوا لي إنه أرسل خلفكم بعشرات من الرجال، يجب أن تحذروا، وأن تكونوا قريبين من بعضكم البعض، فقد يلجأ لخطف أحدكم أو أكثر؛ لأنه بالطبع يريد أكبر كمية من المعلومات عن منظمة الشياطين اﻟ «١٣»، وسوف يُساوم على حياتكم …
ومضى الرجل يقول: موعدنا بعد يومين في نيويورك كما اتفقنا … وأنصح باستخدام القارب للوصول إلى «سان فرنسسكو»!
أحمد، ولكن ذلك سوف يقتضي وقتًا أطول!
الرجل: نعم … ولكنه أسلم … فليس هناك خط طيران مباشر في الجزيرة إلى نيويورك.
أحمد: في هذه الحالة سنحتاج إلى خمسة أيام … وليس إلا ثلاثة …
الرجل: لا بأس … ولنجعل موعدنا بعد خمسة أيام من اليوم … إنني أريد أن أؤمن وصولكم، وهذا يحتاج إلى بعض الوقت!
انتهت المكالمة … وأسرع «أحمد» يتصل ببقية الشياطين … قال لهم عليكم أن تكونوا متقاربين … هناك احتمال لخطف واحد أو أكثر منكم … سيكون التجمع في موعده، والإقلاع بالقارب إلى «سان فرنسيسكو»، وبالطائرة إلى نيويورك، واتفقوا على إطلاق صيحة البومة نهارًا أو ليلًا في حالة الخطر … فلم يكن معهم أية أجهزة للاتصال.
وفي الصباح التالي جاءت السيارات وحملتهم إلى مزارع القصب …
وأمسك «أحمد» بالسيف القوي، وأخذ يضرب بشدة … كان يعتبر العمل تمرينًا على تقوية عضلاته وقوة احتماله … واستغرق في العمل تمامًا، حتى حان وقت الغداء … وبعد الغداء … استمر «أحمد» في عمله مستغرقًا فيه، حتى إن الملاحظ قال له: إنك تتقدم عن زملائك كثيرًا … إنك شاب هائل … وسوف أطلب تعيينك بصفة دائمة!
أحمد: آسف جدًّا … إن أيامي هنا قليلة!
الملاحظ: إنك تستطيع أن تتقاضى ضعف الأجر … سنوقع معك عقدًا سنويًّا!
أحمد: أشكرك على هذه الثقة يا سيدي … ولكن الحقيقة أنني أعمل بضعة أيام هنا لجمع بعض المال … ولكن لا بد من العودة إلى مدينتي!
هزَّ الملاحظ رأسه أسفًا … وترك «أحمد» يعمل … وعندما غربت الشمس … بدأ العمال يسلمون سيوفهم ويتجهون نحو السيارات …
وكذلك فعل «أحمد» …
ولكن مفاجأة قاسية كانت في انتظاره … لقد تحققت مخاوف عميل رقم «صفر»؛ فقد تخلَّفت «إلهام» … و«زبيدة» عن طابور الركوب.
جرى «أحمد» إلى نهاية صف العمال … ولكنه تأكد أن «زبيدة» و«إلهام» قد اختفيتا بالفعل … وجرى ناحية المزارع وخلفه «عثمان» وهما يطلقان صيحة البومة.