الشبيه!
كان وجود هذا الحارس الذي يشبه «عثمان» تمامًا مثار تفكير عميق من الشياطين، فمن الممكن استخدام هذا التشابه العجيب في محاولة للهرب.
هكذا فكَّر «أحمد» كما فكَّر «عثمان» و«رشيد» و«خالد» … وقد كانت وجبة الطعام التالية ليلًا … وهو موعد مناسب لعمل شيءٍ ما … وتحدَّث الشياطين الأربعة همسًا، فمن المؤكد أن هناك ميكرفونات خفيَّة في الزنزانة … وقد اتفقوا على خطة بسيطة … قد تؤدي إلى شيء، وقد لا تؤدي إلى أي شيء.
دخل الحارس الأسمر إلى الزنزانة، فأطفأ «رشيد» النور، وهجم الثلاثة الباقون عليه … أول ما فعلوه أن كمَّموا فمه، حتى لا يطلب النجدة … وبسرعة جرَّدوه من ملابسه، الذي سارع «عثمان» بلبسها، ثم ضربه «أحمد» ضربة شديدة ففقد الوعي. وبسرعة لبس «عثمان» ثيابه، ثم أضاءوا النور حتى لا يلفتوا الأنظار، وألبسوا الحارس ثياب «عثمان»، ثم وضعوه على الفراش ووجهه إلى الحائط …
قال «أحمد» همسًا «لعثمان»: إنك الأمل الوحيد لإخراجنا من هذا المأزق الخطير … خذ حذرك!
لم يكن «عثمان» في حاجة إلى أية نصيحة … فقد كان يعلم أنه إذا فشل في مهمته، ستنتهي المسألة، إما بالقضاء عليهم جميعًا بعد تعرُّضهم لتعذيب رهيب … وإما تسليمهم إلى الجهات القضائية في أمريكا …
انطلق «عثمان» إلى الممر الصغير يحمل مسدس الحارس، وأطباق الطعام الفارغة ومفتاح الزنزانة … لم يكن يعرف له اتجاهًا معينًا، ولكنه استخدم حاسة الشم للاتجاه ناحية المطبخ. فمن المؤكد أنهم في انتظار الأطباق الفارغة … وعندما خطا خطواته الأولى، وجد نفسه أمام الزنزانة الثانية … وكان بها عدد من الشياطين أيضًا … توقف «عثمان» لحظات، وأخذ ينظر إلى «بو عمير» واتسعت عينا «بو عمير» … دهشة … فهو لا يمكن أن يُخطئ … إن هذا الحارس الذي يرتدي ملابس الحرس، ويحمل السلاح، والأواني الفارغة، هو «عثمان» بلحمه وشحمه … كاد أن يتحدث، لولا أن «عثمان» أشار إليه بالصمت …
والتفت حوله، ثم أخرج مفتاح الزنزانة، لتجربته في زنزانة «بو عمير» ولكن المفتاح لم يعمل، وهذا يعني أن كل زنزانة لها مفتاحها الخاص.
استمر «عثمان» في سيره … محاولًا معرفة طريقة … كان الدهليز خاليًا … وعندما اقترب من ممر يتقاطع معه، ظهر حارس آخر يقوم بنفس المهمة، وصاح ﺑ «عثمان»: «هالو» «موز»!
قال «عثمان» بصوت خافت: «هالو»!
الحارس: لقد وضعوك الليلة في قائمة الراحة … وتستطيع أن تنام!
عثمان (بصوت خافت): إنني متعب حقًّا!
وسار «عثمان» يتبع الحارس، الذي اتجه مباشرة إلى نهاية الممر، ودفع الباب ودخل «عثمان» خلفه حيث كان المطبخ، ورائحة الطعام … وضجيج الأطباق، وأصوات العاملين … ألقى الحارس بالصينية على رف من الحديد، وفعل «عثمان» مثله ثم خرجا …
استفاد «عثمان» من أضواء الممرات الخافتة، وتظاهر طول الوقت بالإعياء والتعب … وعندما وصلا إلى غرفة الحراس، وجد «عثمان» عنبرًا مستطيلًا، صُفَّت فيه أسِرَّة، كل سرير منها فوق الآخر، كان عدد من الحراس جالسين يلعبون الورق … وعدد آخر ممددًا فوق الأسِرَّة.
لم يستطع «عثمان» أن يعرف سريره … فسار إلى مائدة اللعب، ووقف يتفرج.
وقال واحد منهم: موز … ألا تشاركنا اللعب؟ إنك محظوظ!
رد «عثمان» بصوت خافت: إنني متعب وأُفضِّل أن أرتاح!
قال الرجل: هذه آخر ليلة لنا في البحر … سنعود إلى البر فجر اليوم وسنفترق.
اختار «عثمان» سريرًا في طرف العنبر، وصعد إلى الفراش الأعلى فيه … ولم يُعلِّق أحد بشيء فتمدد في الفراش، وأخذ يتأمل العنبر … ووجد خلف الباب مجموعة من مفاتيح بقية الزنزانات … وأخذت الفكرة تتبلور في ذهنه … وتظاهر بالاستغراق في النوم، وهو يرقُب ما يدور في العنبر.
بعد نحو ساعتين من دخول «عثمان»، قام اللاعبون من أماكنهم … وقد استطاع «عثمان» أن يلتقط أسماءهم من أحاديثهم بعضهم مع بعض. واتجهوا جميعًا إلى الأسِرَّة واستلقوا عليها …
وبعد نحو ربع ساعة بدأ غطيط النوم يرتفع في العنبر … نظر «عثمان» إلى ساعته … كانت قُرب منتصف الليل … تحرك من سريره في حَذر شديد … وأدلى قدميه في هدوء، ثم نزل إلى أرض العنبر … ولِحُسن الحظ، كان مُحرك الغواصة الضخم يُصدر هديرًا عاليًا يخفي تحركاته …
مشى على أطراف أصابعه إلى الباب … حمل جميع الملابس التي خلفها الحراس قبل النوم … ثم أخذ المفاتيح … ووضع المسدسات كلها في قميص أحد الحراس وربطها وحملها …
كانت الحمولة ثقيلة، ومن الصعب السيطرة عليها … ولكن «عثمان» كان يُدرك أن مصير الشياطين مُعلَّق بنجاحه في مهمته … سار في الدهليز بخطوات غير مُتزنة … محاذرًا … ولِحُسن الحظ لم يقابله أحد … فلم يكن مستيقظًا في هذه الساعة المتأخرة من الليل، إلا القائمين على حركة الغواصة …
وصل إلى الدهليز الذي به الزنزانات … واتجه فورًا إلى أول زنزانة … وضع ما يحمل على الأرض، وأخذ في تجربة المفاتيح … واستطاع أن يفتح زنزانة الفتيات أولًا … وهمس: غيروا ملابسكن!
ثم انتقل إلى الزنزانة الثانية والثالثة … والرابعة حيث كان «أحمد» و«رشيد» و«خالد» … وفي دقائق قليلة كان الشياطين اﻟ «١٣» جميعًا في ملابس الحُراس ويحملون الأسلحة …
قال «أحمد»: اذهب فورًا يا «عثمان»، وأغلق عنبر الحراس! إننا نريد السيطرة فورًا على الغوَّاصة!
أسرع «عثمان» لتنفيذ المهمة … وعاد … لقد أُغلق العنبر من الخارج … وهكذا تخلَّصوا من الحراس بعمليَّة واحدة … وأصبح عليهم فقط الاتجاه في الطريق الصحيح لإنجاز المهمة.
همس «أحمد»: سنسيطر على غرفة الآلات … وغرفة القيادة.
وأشار بإصبعه … فانقسم الشياطين إلى ثلاث مجموعات … مجموعة اتجهت نحو هدير المحركات للسيطرة على غرفة الآلات … ومجموعة اتجهت إلى السلم الحلزوني للنزول إلى غرفة القيادة … ومجموعة توزعت في الدهاليز والممرات للحماية …
كانوا ينفِّذون بدقة وبراعة، الخطة المعروفة عندهم باسم «المثلث»، وتقضي دائمًا بوجود فرقتي هجوم، وفرقة حراسة … لقد تدَّربوا عليها مِرارًا … وحفظوا ما يفعلون بمجرد الإشارة.
كانت غرفة القيادة أهم الغرف جميعًا … وعادة ما يكون فيها القبطان ومساعده. واختار «أحمد» أن يتجه هو ومجموعته إلى هذه الغرفة.
نزلوا إلى السلم الحلزوني الصغير في حذَر شديد … كان «أحمد» أول من نزل … وكان يعرف من دراسته للغوَّاصات أن السلم في منتصف غرفة القيادة بالضبط … وهكذا نزل … كان في ملابس الحراس، وقد أحنى وجهه قليلًا؛ حتى يكسب بضعَ ثوانٍ تكفي للتصرف … وعندما وجد نفسه في منتصف الغرفة … ولم يكن هناك سوى رجلين فقط … أحدهما يقف أمام المنظار؛ لكشف سطح المحيط … والثاني أمام مجموعة من الخرائط، وهو مستغرق في التفكير …
قال «أحمد» بهدوء: أرجو ألا تُحدِثا أي ضجة!
التفت إليه الرجلان وقد أُصيبا بدهشة بالغة … كان يقف وخلفه ثلاثة شياطين، وقد أشهروا مسدساتهم.
حاول أحد الرجلين أن يفتح فمه، ولكن «أحمد» هز مسدسه قائلًا: لا أريد أن أسمع صوتك.