كل شيء على ما يرام … ولكن!
تمت السيطرة على غرفة الماكينات في الغوَّاصة أيضًا … وظل كل شيء هادئًا، فقد كان بقية العاملين في الغوَّاصة نائمِين … وكان «أحمد» وبقية الشياطين، يدركون أن أمامهم بضع ساعات لتوجيه الغوَّاصة إلى مكان أمين، يمكنهم التصرف فيه … ولكن كانت هذه مشكلة كبرى … إن للغوَّاصات نظامًا خاصًّا في دخول المواني … وليست كل المواني جاهزة لاستقبال غواصة …
وكان «أحمد» يجلس وبيده المسدس، بعد أن استطاع الشياطين جمع كل الأسلحة في الغواصة، ووضعها في زنزانة وإغلاق الباب عليها … كما تم وضع حراسة مُشددة على الغرفة التي ينام فيها «مانسيني»، بعد أن تم تجريده من أسلحته، وهو يغُطُّ في نوم عميق …
وفجأة خطر ببال «أحمد» خاطر مفاجئ، ومثير في نفس الوقت … إن في إمكانه ضرب جميع العصافير بحجر واحد، لو أنه وجه الغواصة إلى مكانها الأصلي في ميناء «عش النسر» … إن في إمكانه نسف المقر، والغواصة وكل شيء، ما دام «مانسيني» في قبضة يده … وتناقش «أحمد» وبقية الشياطين في هذه الخطة … ووافقوا جميعًا عليها … وقرر «أحمد» أن تزيد الغواصة من سرعتها لدخول الميناء قبل الفجر … وهكذا أصدر أوامره إلى الكابتن بالتوجه فورًا إلى القاعدة بأكبر سرعة ممكنة.
مرت ساعتان … وكان المنظار بين يدي «أحمد» يرقب منه الاتجاه، حتى تأكَّد تمامًا أنه يقترب من القاعدة … أخذ معه «عثمان»، واتجها إلى غرفة «مانسيني»، وفتح الباب، ودخل.
كان «مانسيني» ما زال مستغرقًا في النوم، مطمئنًّا أن كل شيء يمضي على ما يرام … وأيقظه «أحمد»، ففتح عينيه متضايقًا … ولكنه لم يكد يرى «أحمد»، حتى قفز من فراشه، وهو يمد يده تحت المخدة، باحثًا عن مسدسه.
قال «أحمد»: لا تحاول أن تتصرف بحماقة … إننا نسيطر على الغواصة تمامًا!
فقد «مانسيني» أعصابه، وأخذ يسُب ويلعن رجاله الذين استسلموا لبعض الأولاد السُّذج.
قال «أحمد»: لا تضيع وقتًا … تعالَ معنا!
أسرع «مانسيني» يرتدي ثيابه، وهو لا يكف عن الصراخ … كان قد فقَدَ عقله تحت تأثير المفاجأة … واقتاده «أحمد» إلى غرفة القيادة، وقال له: لا تحاول الحديث إلى القاعدة، إلا بما أقوله لك … إنني لن أتردد لحظة واحدة في إطلاق النار عليك!
وصمت «أحمد» لحظات، ثم قال: أريدك أن تقول لهم، أن يجمعوا كل الأسلحة التي في القاعدة، ويضعونها في كومة واحدة على الشاطئ، وسيذهب أحد زملائي للتفتيش قبل أن نصعد للقاعدة … وإذا حدث أي تصرف خاطئ، فسوف تتلقى طلقة في رأسك … وسأنسف الغواصة بمن فيها!
ونظر «أحمد» إلى «بو عمير» قائلًا: ستصعد للتفتيش … أي خطأ تراه أطلق رصاصة واحدة!
ثم التفت إلى «مانسيني» قائلًا: بعد هذا سوف نصعد إلى السطح، ونغادر الغواصة … وستبقى معنا رهينة، حتى نُغادر القاعدة إلى حيث نريد …
مانسيني: وماذا بعد ذلك؟ ما هو مصيري؟ …
أحمد: انتظر وسوف ترى!
لم يكن في ذهن «أحمد» خطَّة معينة … ولكن الحل المناسب في رأيه، كان أَخْذَ «مانسيني» إلى نيويورك في سيارة، وتسليمه إلى عميل رقم «صفر»، إذا كان ملف «مانسيني» جاهزًا … ولكن هذا كله كان يخضع لظروف كثيرة …
أخذ «أحمد» «مانسيني» من ذراعه، ووضعه أمام جهاز الاتصال بالقاعدة، ووقفت «إلهام» التي تجيد هندسة الاتصالات اللاسلكية، ترقب ما يفعل …
تم الاتصال، وأخذ «مانسيني» يُلقي بتعليماته إلى رجال القاعدة، في صوت منفعل: اجمعوا الأسلحة، ضعوها جميعًا على الشاطئ في كومة واحدة … إنني مُعرض للموت إذا حدث أي خطأ … افتحوا أبواب القاعدة … وأعدوا مجموعة من السيارات.
نظر «مانسيني» إلى «أحمد» الذي أحنى رأسه موافقًا … فمدت «إلهام» يدها، وأغلقت الاتصال … طلب «أحمد» من «رشيد» و«بو عمير» مراقبة «مانسيني» مراقبة لصيقة ودقيقة … ثم طلب من قائد الغواصة الاتجاه رأسًا إلى القاعدة … ووقف عند المنظار يرقب الشاطئ، وهو يقترب تدريجيًّا … ثم شاهد أضواء قوية تُسلط على الميناء الصغير، وبدأت الغواصة تأخذ مسارها إلى داخل الميناء ثم صعدت إلى السطح … وكانت مفاجأة أن مأوى الغواصة يقع مباشرة تحت مباني «عش النسر» …
كان قرار «أحمد» أن يبقى طاقم الغواصة والحرس كله فيها، ووضعهم جميعًا في الزنزانة وأغلق عليهم الأبواب … بينما كان «بو عمير» قد قفز إلى المرفأ، واتجه إلى داخل «عش النسر»، ومعه «خالد» و«زبيدة»، حيث فتَّشوا كل مكان جيدًا … ووجد «بو عمير» كمية ضخمة من المتفجرات … وفكَّر لحظات، ثم طلب من «خالد» و«زبيدة» مساعدته في وضع المتفجرات في كل مكان من «عش النسر» والقاعدة، ووجد أن هذا النوع من المتفجرات، يمكن تفجيره ﺑ «الريموت كنترول» … فأخذ معه جهاز «الريموت»، ثم عاد إلى المرفأ حيث كان «أحمد» وبقية الشياطين يقفون وهم يحرسون «مانسيني».
اتجه «بو عمير» رأسًا إلى «أحمد» وتحدث معه باللغة العربية، وأوضح له ما فعل …
قال «أحمد» معلِّقًا: لقد أحسنت التصرف تمامًا!
اتجه الجميع إلى السيارات … الشياطين ومعهم «مانسيني»، بينما بقي رجال المنظمة في المرفأة … وعندما ابتعدت السيارات الخمسة … توقفت السيارة التي بها «بو عمير»، وابتعدت بقية السيارات حسب الخطة … وعندما تأكد «بو عمير» من بُعد السيارات مسافة كافية، أخرج جهاز «الريموت كنترول»، وضغط الزر … ثم قفز إلى السيارة الدائرة، التي كان يقودها «باسم»، وسمع أول انفجار يهزُّ المكان … ثم انفجار ثان وثالث … بينما انطلقت السيارة في ضوء الفجر، لتلحق ببقية السيارات.
كان «مانسيني» يجلس في الكرسي الخلفي من السيارة، وقد استغرق في نوم عميق … لم يكن نومًا طبيعيًّا، ولكن تحت تأثير كبسولة من مادة منومة قوية المفعول. كان «أحمد» قد عثر على كمية منها، في مخزن أدوية الغوَّاصة …
ابتعدت السيارات عن «عش النسر» … الذي حولته المواد الناسفة إلى «عش للدجاج» … لقد كان انتصار الشياطين كاملًا، ولكن … في اللحظة التي بدأ الشياطين يتحدثون فيها بمرح، ظهرت طائرة هيلوكوبتر «عمودية» في الأفق الشاحب … جاءت من خلف قمم الجبال العالية، ثم اتجهت رأسًا إلى مجموعة السيارات … وهنا أدرك «أحمد» أن ثمة خطأ قد وقع منهم … فعندما اتصل «مانسيني» برجال القاعدة، وطلب منهم جمع الأسلحة وعدم القتال … لا بد أن رجال القاعدة قد تصرَّفوا … ربما اتصلوا بزملاء لهم في قاعدة أخرى … وربما كانت الطائرة موجودة بالقاعدة … ولكن لم يكن هناك وقت للوم … وربما كانت طائرة بريئة لا تقصد بهم شرًّا.
ولكن اتجاه الطائرة مباشرة إليهم، حمل إليهم نذيرًا لا شك فيه … ثم لم يعد عندهم أدنى شك، عندما دارت الطائرة دورة واسعة، ثم أخذت تهبط تدريجيًّا، وتدور، ثم أطلقت مدافعها الرشاشة …
كان الشياطين مُدرَّبين تمامًا على مثل هذه المعارك، فأخذت السيارات تتلوى على الطريق … ولكن هذه المناورة رغم كل شيء، لم تكن تكفي لإنقاذهم طول الوقت …