إنجلترا: ١٩٨٠–١٩٩٠
اتصل ريتشارد بشركة «بيتشام»، وهي شركة أدوية تقع بالقرب من جيلفورد، وأقنعهم بتخصيص بعض المال لأحد طلاب الدراسات العليا لكي يبحث مشكلة متعلقة بالمعادن الفلزية ذات أهمية للشركة. اختارت الشركة مشكلة أنواع الشامبو وآثارها على الشعر. فقد بدا أن الجمهور يريد نوعًا من الشامبو يترك الشعر نظيفًا تمامًا. أضيفت مادة خافضة للتوتر السطحي لإذابة الزيت الطبيعي الذي تفرزه فروة الرأس ليغطي الشعر. وترك الشامبو الشعرَ جافًّا باهتًا يتعذر تمشيطه. حينئذٍ باعت بيتشام للمستهلكين بلسمًا منعِّمًا للشعر لتعويض الزيت المفقود واستعادة البريق. وكان السؤال: كيف بدا الشعر تحت المجهر بعد غسله بالشامبو واستعمال البلسم المنعِّم؟ وفي أي مكان بين فرجات كل شعرة تذهب هذه المنتجات في الحقيقة؟
مهدت هذه الأسئلة الطريق لبرنامج بحثي أكثر طموحًا، وكانت النتائج المحتملة له بعد بدء العمل تعتمد على التوفيق والعمل الجاد. وقد ذهل ريتشارد عندما نظر من خلال المجهر فرأى مظهر الشعر المتشابك الذي تملؤه القشرة مثل حيوان المدرَّع. وبالفعل اختيرت إحدى طالبات الدراسات العليا التي وافقت على العمل في المشروع، لكن للأسف عدلت الطالبة عن رأيها بعد وقت قصير. تعذر إيجاد أي شخص آخر للاضطلاع بالعمل ولم يرَ المشروع النور قط. وعلى الرغم من ذلك قفزت إلى مخيلة ريتشارد إحدى المشكلات المثيرة المستعصية، وهي الآلية الذرية والجينية المسئولة عن لون الشعر الطبيعي، ولا سيما الشعر الأحمر. ومع المليارات التي أُنفقت على المنتجات التي تهدف إلى تغيير مظهر الشعر، ربما ظن المرء أن بعض الأبحاث قد أُجريت في هذا المجال. لكن ريتشارد لم يحظَ قط بفرصة لمواصلة هذه المسألة وسقطت من اهتمامه مع سقوط الكثير من شعره.
كان ريتشارد يعمل في آفون من منزله. وقد تلقى ذات يوم مكالمة هاتفية من روبرت كلارك، رئيس تحرير مجلة «ليرز آند أوبترونكس». وفيها سأله هل يوافق على كتابة مقالة رئيسية بعنوان «من المختبرات». وافق ريتشارد وأصبح يزور الجامعات أو أحد فرق الأبحاث الصناعية مرة كل شهر ليتعرف على الخطوط العريضة لنشاطاتهم في الإلكترونيات البصرية. وبعد ذلك، كان يكتب ألف كلمة بطريقة مبسطة لا تبث الملل في نفوس القراء أصحاب المعرفة المحدودة بالموضوع. وكان ذلك أمرًا ممتعًا لأنه مثَّل تحديًا لقدرة ريتشارد العلمية والأدبية. ومن أمثلة تلك المقالات:
من المختبرات: اكتب اسمك على جبل
في منزل يعود طرازه إلى الحقبة الاستعمارية، عام ١٧٠٠ تقريبًا، جنوب بوسطن تقع شركة تنتج نظام عرض «سهل الاستخدام» يسمح للمستخدم بكتابة، وتوجيه، وإنتاج عرض ليزر كامل بالرسوم المتحركة للبرامج التعليمية، والعروض التقديمية، وبرامج العرض. ففي أقل من بضع ساعات، يمكن للمستخدم تعلم وسائل التحكم الأساسية الجديدة لليزرجراف، ومن ثَم البدء في ابتكار عرض مرئي يتحرك ويتجاوب مع الإشارات الصوتية وغيرها من الإشارات وينشط عمليات عرض الصور الملونة، وغير ذلك من المهارات الفنية التي تخلب العقول، بل ينتج أيضًا رسائل مترابطة. ففي مقابل ٢٠ ألف دولار (أي ٢٥٠٠ دولار لإيجار حدث واحد)، يمكن لأي شخص أن يدخل «عالم الفن»، وكل ذلك باسم الترويج للمنتجات المتميزة لشركتك.
صاحب فكرة شركة «روكترونيكس لايتينج، ليزر جرافيكس، آند سبيشال إفيكتس» المتحدة، ومؤسسها هو ريتشارد أياكوبوكي، الرجل الذي أصبح خبيرًا في عروض الإضاءة التقليدية والليزرية بعد أن قضى جزءًا من وقته خلف الكواليس. ويبدو أن ذلك الرجل مؤهل لقبول جميع التحديات؛ فهو حاصل على بكالوريوس في علوم الهندسة الكهربية، وماجستير في الكمبيوتر، ودكتوراه في القانون. وتعتمد الشركة في إيراداتها وأرباحها على بيع عروض الإضاءة الساطعة والمؤثرات الخاصة، بالإضافة إلى تصميم دكتور أياكوبوكي لبعض تقنيات الألعاب النارية للوفاء بالاحتياجات الخاصة للمسارح، أو العروض الإعلانية، أو المطاعم، أو مراكز المؤتمرات، أو العروض التجارية … إلخ، فقد كانت مخاطرة إنشاء شركة تتعامل بأشعة الليزر نموًّا طبيعيًّا لموهبته.
الليزرجراف نفسه هو علامة تجارية مسجلة، وهو لوحة تحكم محمولة خفيفة الوزن، أبعادها ١٨ × ٣٦ × ٤ بوصات تقريبًا، وبها ١٠٠ مفتاح تحكم يدوي، وأذرع تحكم ومفاتيح كهربية تستخدم لغة رئيسية تضم أكثر من ٤٠٠٠ من الكلمات والأرقام المخزنة على ذاكرة صلبة يمكن تصميمها بحيث تتلاءم مع احتياجات العميل الخاصة. فصور النجوم، والأزهار، والفراشات، وكرتون الرسوم المتحركة، والشعارات، والأوجه، والحروف … إلخ تنتمي جميعًا إلى «لغة» الصور الأساسية. وتسمح مفاتيح التحكم مثل الحجم، والصوت، وحدة الصوت، والتكبير، والاستجابة الصوتية للمرء؛ بجعل صور اللغة الأساسية تطير، وتتحرك، وتعكس اتجاهاتها، وتنمو، وتخفت، وترتب نفسها بأي طريقة مرغوبة يمكن تصورها. ويمكن للإشارات التلميحية أن تنشط العروض المساعدة بأنواعها كافة مثل المؤثرات الدخانية، والفقاقيع، والأضواء الوامضة، والأضواء الملونة … إلخ. وأخيرًا، يقبل بنك للذاكرة تعليمات المستخدم حتى يمكنك — حال إخراج العرض والتدريب عليه — أن تسترخي وتستمتع بمشاهدة جمهورك وهم يتعجبون من فرط موهبتك، في الوقت الذي يبين فيه شعاع الليزر سحرك كفنان وقصَّاص. وعندما تعرض قائمة المشاركين الأخيرة الخاصة بالكتابة، والإخراج والإنتاج، يمكنك في تواضع جمٍّ أن تومئ وتبتسم وتقول: «أريد أن أشكر شركة ليزرأوبتوترونيكس المتحدة، لدعمها لي في الوقت الذي نعتني فيه الجميع بالمبالِغ … إلخ.»
يبدو أن أياكوبوكي ابتكر تقنية للتحكم في أشعة الليزر تمكَّنت من تذليل ثلاث عقبات رئيسية هي: صعوبة التشغيل، وارتفاع التكلفة، وصعوبة النقل. فعروض الأضواء الليزرية السابقة، مثل ليزريوم، تحتاج تكلفة هائلة، وموهبة في التشغيل.
ومن خلال استجابة صوتية مدمجة تتأثر بسعة الموجات الصوتية، يمكن للمرء أن يحرك أشكالًا مع إيقاع الموسيقى. ويمكن إنشاء صورة بسيطة على شكل قلب تزينها تموجات الإشارات الموسيقية من خلال خاصية تعديل حجم الصوت. أما تكرار الصور وتدويرها، فتُستخدَم فيه منشورات تدار بمحركات مثبتة في الرأس البصرية لنظام الليزرجراف. ويمكن أيضًا إنتاج دائرة من النسخ المكررة التي تظل فيها صورة فراشة ما ثابتة في المركز وتدور حولها نسخ منها. وبعرض صورة الفراشة وجناحاها مغلقان تليها صورتها وجناحاها منفرجان جزئيًّا ثم صورتها وجناحاها منبسطان تمامًا … إلخ — تظهر الأجنحة وكأنها ترفرف، وتظهر الفراشة وكأنها تحلق في دوائر. ومن الإضافات الواضحة إلى ذلك استخدام الروكترونيكس في تحميل شعار شركتك على ذاكرة الصور بعد أن تضيف إليه أجنحة أو صواريخ حتى يحلق في جنبات العرض ويقف على شيء تريد التأكيد عليه، بدلًا من استخدام مؤشر للقيام بذلك.
تسمح خاصية أخرى للمستخدم بكتابة الرسائل في الحال عن طريق إصدار تعليمات للذاكرة بتجميع حروف الأبجدية. ويمكن استخدام الروكترونيكس في نسخ وتكرار تصميمات فنية خاصة وتخزينها في ذاكرة الصور التي تسع ٤٠٩٦ صورة.
وعلى الرغم من إمكانية إنشاء صورة صغيرة بشعاع هيليوم-نيون أحمر قوته ٥ ميجاوات، يمكن أن تتعامل بصريات الليزرجراف بالقدر نفسه من السهولة مع ١٠ وات من ليزر الأرجون الأخضر المزرق لعروض سفح الجبل الكبرى. أما العروض الرباعية الألوان التي يُستخدم فيها ليزر الكريبتون-أرجون بواسطة الليزريوم، فليست جزءًا من الليزرجراف الرئيسي، ولكن يمكن صنعها باستخدام مجموعة من الليزرجراف تعمل بالتوازي.
يتمثل تطبيق آخر في استخدام شريط صوتي ذي مسارين، حيث يحمل أحد المسارين الموسيقى والكلمات ويحمل الثاني الإشارات لمزامنة عرض الليزرجراف المرئي. ولكن كما يحدث في أغلب الأوقات في مثل هذه الأدوات المتعددة الاستعمالات، يتوقع د. أياكوبوكي أن يبتكر المستخدمون برامج وأساليب إضافية فريدة بخلاف تلك التي جالت بذهن المخترع.
ومع الأسف مرت دورية «ليرز آند أوبترونكس» بأوقات عصيبة، فغيَّرت تصميمها بعد عامين. ومرة أخرى واجه ريتشارد صعوبة وأصبح بلا وظيفة. إلا أن جو يافر ظهر للمساعدة، وانشغل ريتشارد أربعة أعوام بكتابة مقالة شهرية مماثلة لصحيفة «سباي» تحت عنوان «مشهد البحث».
كان البروفيسور ذو الكلام المعسول والكفاءة العالية بيل شيرمان في كلية الملك، خبيرًا في البصريات والضغط العالي على حد سواء. وكان قد صمم خلية خاصة سمحت بإجراء الفحص البصري للعينة أثناء ضغطها هيدروليكيًّا بين كباسين رأسيين عن طريق توفير فتحتي وصول صغيرتين أفقيتين مملوءتين بمادة منفذة للضوء. تمكن ريتشارد من الحصول على بعض الأموال لأبحاث الجيش الأمريكي؛ لكي يتمكن شيرمان من فحص إمكانية انضغاط بوريد التيتانيوم وثاني بوريد التيتانيوم، بوصفهما من المواد الخام الصلبة المستخدمة في الدروع. تطلبت هذه التقنية وحدة أشعة سينية مُشتِّتة للطاقة اكتشف ريتشارد وجودها في قسم الفيزياء بجامعة ميونيخ؛ إذ تبرع بها الأستاذ الدكتور بيزل. ومع زيادة الضغط على العينة، دُفِعَت الذرات ليقترب بعضها من بعض، وأمكن تحديد ذلك من التغير في زاوية انحراف الأشعة السينية. فكلما قلت إمكانية الانضغاط، زاد الضغط المطلوب لتقترب الذرات بعضها من بعض، ومن ثَم زادت درجة مرونتها بوصفها دروعًا.
أراد ريتشارد أن يصيب ثلاثة عصافير بحجر واحد أثناء وجوده في ميونيخ. فبالإضافة إلى تنفيذ البرنامج البحثي التابع للجيش الأمريكي، خطط لقياس الخصائص الديناميكية الحرارية لعنصر الفاناديوم، خاصة ترددات الاهتزازات الذرية. ومن ناحية ثالثة ثانوية، كان ريتشارد يكتب قصة عن العلماء الألمان الذين ساهموا في العمل على صنع القنبلة الذرية أثناء الحرب العالمية الثانية. وقد وقعت بعض أحداث القصة في ميونيخ.
يربط معظم الناس ميونيخ بقاعات احتساء الجعة، مثل قاعة هوفبراوهاوز، وسكان بافاريا الذين يرتدون البنطلونات الجلدية، و«انقلاب قاعة البيرة» الذي قاده هتلر، و«مهرجان أكتوبر»، وقلعة ديزني لاند التي بناها الملك لودفيج «المجنون» جنوب المدينة. وقليل من الناس — حتى سكان ميونيخ أنفسهم — من يدركون أن «الحديقة الإنجليزية» الضخمة لديهم التي تمثل واحدًا من أكبر المتنزهات في أوروبا كانت فكرة وتنفيذ بنجامين طومسون، ثاني فيزيائي أمريكي (كان بنجامين فرانكلين هو الأول). ولِد بنجامين عام ١٧٥٣ في وبيرن بولاية ماساتشوستس، ونشأ صبيًّا فقيرًا مع زوج أم قاسٍ، ولكن كان من حسن طالعه أن عُهِدَ به إلى طبيب حرص على أن يتلقى الصبي تعليمًا متواضعًا. ولما كان بنجامين ذو الشعر الأحمر على قدر كبير من الوسامة، فقد تزوج من أرملة ثرية تكبره بعشر سنوات وهو في التاسعة عشرة من عمره، وسرعان ما أصابته أوهام العظمة بسبب الثروة التي جاءته حديثًا. ظل مواليًا لحكومة الإنجليز، وعمل جاسوسًا لهم حتى أطاح واشنطن بهم من بوسطن، مما دفعه إلى الإبحار صوب إنجلترا. وهناك عيَّنه اللورد جيرمين مستشارًا للشئون الأمريكية بعد أن أجاد في الإشادة بإنجازاته أمام اللورد. لكنه رحل إلى بارفاريا بعد أن أخفق في تأدية المهام الموكلة إليه كما يجب. حينئذٍ كان غروره قد بات لا يحتمل، ولشد ما فرح جيرمين برحيله.
في بافاريا أُعجب الملك البافاري بطومسون الذي تفاخر بإنجازاته الأمريكية، فجعله مستشاره العسكري. بدأ طومسون تجاربه على المكافئ الميكانيكي للحرارة، عن طريق ملاحظة ارتفاع درجة الحرارة عند فتحات مواسير المدافع. عُين لواءً مسئولًا عن الجيش البافاري وتمكن من إنقاذ المدينة من غزو الفرنسيين والنمساويين. ومن ثَم، كافأه الملك ورفع هذا الرجل المنتمي إلى طبقة العوام إلى منصب كونت الإمبراطورية الرومانية المقدسة (الكونت رومفورد). بعد ذلك واتت طومسون فكرة تحويل محمية الصيد الملكية إلى متنزه لتوفير فرص العمل بأعمال الحدائق لكل الشحاذين الذين التقطهم من شوارع المدينة. غير أنه استعدى بذلك الكثيرين من مستشاري الملك، فأُجبر على الرحيل عن بافاريا.
كانت جامعة ميونيخ تقع في منطقة شفابينج من المدينة، وهي مقاطعة لها مناخ قرية جرينيتش. شرع كل من ريتشارد وبيل شيرمان في العمل، وأكملا النتائج المبدئية على المواد المستخدمة في الدروع. ومن بين المواد الصلبة في الطبيعة يحتل الماس المرتبة الأولى في قائمة أصعب العناصر من حيث الضغط، ويأتي ثاني أكسيد التيتانيوم في المرتبة الثانية بفارق ضئيل. كان بوريد التيتانيوم أعلى في إمكانية الانضغاط بنسبة ٣٠٪، وبذلك يظل مرشحًا جيدًا لصنع الدروع.
ألقى ريتشارد خطبة في قسم الفيزياء عن الكونت رومفورد. كان أساتذة الكلية بالكامل يعرفون شارع رومفورد، وقد سمعوا عن حساء رومفورد، لكنهم لم يعرفوا دلالة الاسم الخاص لهذا الحساء. اتبع رومفورد المنهج الفيزيائي التجريبي في التفكير عندما خلَّص شوارع ميونيخ من آلاف الشحاذين، كان رومفورد قد جرب عددًا من الوجبات لكي يقف على أقلها تكلفة وأكثرها إشباعًا لإطعام هؤلاء الأشخاص أثناء الاستعانة بهم في صنع الزي الرسمي للجنود. تكوَّن حساء رومفورد من الفول وحبوب أخرى مضافًا إليها الخل، وكان يُقدَّم مع قطع الخبز المحمص من أجل مضغ أفضل.
ولو أن رومفورد لم يستعدِ على نفسه عددًا كبيرًا من الناس أثناء حياته المهنية المشينة، لعرفه الناس معرفة أفضل في الوقت الحالي. ففي حياته، تبرع بكرسي في قسم الفيزياء بجامعة هارفارد، وأعد العدة للمنح السنوية لميدالية رومفورد، وشيد المعهد الملكي في لندن، وحرص فضلًا على ذلك على أن ترعى هارفارد قبره الموجود بالقرب من باريس على الدوام. دعا ريتشارد الشخص الذي شغل كرسي رومفورد في هارفارد، واكتشف أن الرجل لا يكاد يعرف أي شيء عمَّن تبرع بالكرسي.
بعد رحيل شيرمان عن ميونيخ، استمر ريتشارد في العمل على الفاناديوم. وتضمن ذلك قياس كثافات خطوط الحيود كدالة لدرجة الحرارة من أقل درجات حرارة متوفرة له إلى درجة حرارة الغرفة. وبعد ذلك، جمع بين هذا العمل وقياسات الانحراف النيوتروني على الفاناديوم التي أجراها كليف ويلكينسون بقسم الفيزياء في كلية الملك ثم نشر ذلك كله. وجدت اختلافات بين طيف ترددات الذبذبات المقيسة بالنيوترونات والترددات المقيسة بالأشعة السينية. وللأسف لم يبدِ أي شخص أي اهتمام بهذه النتيجة السلبية ولم تُعَد القياسات. واستنتج ريتشارد أنه إما كان سيئ الحظ أو أنه صار شخصًا غير اجتماعي.
عند سرد تسلسل الأحداث الخاصة باهتمامات ريتشارد بفيزياء الحالة الصلبة، بدأ ريتشارد بمحاولة قياس توزيع الإلكترونات في المواد الصلبة مثل الحديد. أدى نجاحه المحدود إلى قياس توزيعات كمية تحرك الإلكترونات من خلال تشتت كومبتون. وهنا كانت الاكتشافات معقولة. فلم يمضِ وقت كبير على تحديد هذه التوزيعات لإحدى المواد الصلبة التي كانت ذراتها في حالة «سكون» حتى أثير تساؤل مهم يتعلق بكيفية تحديد خصائص الديناميكا الحرارية عن طريق توزيع الإلكترونات. فلم تكن هذه الإلكترونات تربط الذرات معًا فحسب، لكنها تتحكم أيضًا في الاهتزازات الحرارية مع تغير درجة الحرارة. وتحدد ترددات هذه الاهتزازات المجمعة (الفوتونات) الحرارة النوعية والمراحل الثابتة في أي درجة حرارة، إلى جانب خصائص أخرى كثيرة في معالجة المعادن. وللأسف، صادف ريتشارد مأزقًا آخر في محاولته العثور على طرق لقياس هذه الترددات.
لعل أحد إسهامات أينشتاين المهمة في الفيزياء تمثلت في توضيح وجوب النظر إلى طاقات الفوتونات على أنها كمية، مثلها في ذلك مثل طاقة الإلكترونات في الذرات تمامًا. وبهذا النموذج حسب أينشتاين الحرارة النوعية لدرجة الحرارة المنخفضة لإحدى المواد الصلبة، الأمر الذي كان آنذاك معضلة نظرية. لكن الموقف لم يكن قط بهذا القدر من البساطة حيث اتسمت طبيعة القوى الموجودة بين الذرات بالتعقيد. فقد كان من المعروف أن دفع الذرات معًا مسافة ما يتطلب طاقة أكبر مما يتطلبه تشتيت بعضها عن بعض مسافة مساوية. وأشير إلى ذلك باسم عدم التناسق. ونتج عن ذلك أن مستويات الطاقة الكمية لم تعد منفصلة ببساطة كما قال أينشتاين، لكنها أجبرت الفوتونات على أن يتفاعل بعضها مع بعض. وفي بحث نشره ريتشارد عام ١٩٦٣، فحص ريتشارد نموذجًا بسيطًا من ذرة ذات حركة اهتزازية ليبين مدى «إفساد» ظاهرة عدم التناسق للصورة البسيطة التي استخدمها أينشتاين. تجاهل الباحثون النظريون عدم التناسق؛ لأنه يعقد حساباتهم أيضًا إلى حد اليأس. هذا هو السبب الذي دفع ريتشارد إلى ابتكار طريقة تجريبية لفحص المواد والبحث عن تبسيطات سهلة من الناحية النظرية. وقد ظهر في بحثه عن الفاناديوم أن عدم التناسق كان سببًا محتملًا لتفسير التفاوت في نتائج النيوترونات والأشعة السينية.
أدرك ريتشارد أن الباحثين النظريين لا يحبون التعقيدات، وكان عدم التناسق هو التعقيد في أبهى صوره. وقد وقعت مسئولية إيجاد الحلول التي قد تساعد الباحثين النظريين في إجراء حساباتهم على كاهل العلماء التجريبيين. فمن المعروف أن الباحثين النظريين لا بد لهم من إنتاج أبحاث؛ فتلك هي المحصلة النهائية لهم. ومن ثَم، كان لا بد أن يبعدهم العلماء التجريبيون عن النماذج البسيطة التي لا يمكن أن تفسر قوانين الطبيعة.
وجد ريتشارد على حائط أحد الأفنية بجامعة ميونيخ لوحة معدنية تكرم ماكس فون لاوي، الحاصل على جائزة نوبل عام ١٩١٣ لاكتشافه انحراف الأشعة السينية بواسطة البلورات. كان ذلك الرجل ناقدًا صريحًا لسياسات الحزب النازي، بل قدَّم المساعدة للطلاب اليهود عن طريق إعطائهم بطاقته التموينية، ومع ذلك فقد نجا من عمليات التطهير النازي. وليس معروفًا إن كان لذلك أو لصداقاته مع أناس في مناصب مرموقة أي علاقة بحصوله على جائزة نوبل، لكن عندما وقع اختيار سام جودسميت على العلماء الذريين الألمان عام ١٩٤٥ ليجري احتجازهم في كامبريدج بإنجلترا، ضُم إليهم فون لاوي، على الرغم من أنه لم تكن له أي صلة بأبحاث اليورانيوم. ولعل تلك الأيام التي قضاها ريتشارد في بروكهيفين في بداية الخمسينيات وتحدث فيها مع جودسميت عن مهمة «ألسوس» كانت هي الدافع لاكتشاف الحقيقة. وإن لم يكن ريتشارد الشخص الوحيد الذي سعى إلى معرفة تفاصيل هذه القصة، فقد كان فيزيائي الأبحاث الوحيد الذي كتب مسرحية عنها.
كانت مشكلة المسرحية كقالب أدبي هي حاجة الكاتب إلى شخصية. ومن بين العلماء العشر الذين اعتقلوا في «فارم هول»، انتقى ريتشارد خمسة: هان، وفون لاوي، وهايزنبيرج، وجيرلاخ، وديبنر الذي اعتبره المؤلف الشخصية الأقرب لدفع أحداث القصة إلى الأمام. ولأن ريتشارد لم يلتقِ بهايزنبيرج إلا مرة واحدة، فقد اضطر إلى نسج حوار وقد أعطى ذلك لكل شخصية «صوتًا» واضحًا ومميزًا. بالإضافة إلى ذلك، لزم أن تستمر الحكاية بدرجة مناسبة من تطور الأحداث وعرض الشخصيات. وكان ريتشارد يأمل في تكوين رؤية أعمق للشخصيات الخمسة عن طريق عرض المسودة الأولى للمسرحية على أناس على معرفة بالشخصيات الحقيقية لكي يقرءُوها. رتب بيزل لقاءً في شقة زوجة جيرلاخ في ميونيخ ودعا حفيد هان الذي يكتب السير بالإضافة إلى أحد طلاب هايزنبيرج للحضور.
كانت زوجة جيرلاخ من الكرم بحيث قدمت العشاء للمجموعة الذين احتسوا الجعة بهدوء أثناء انتظارهم لحوار ما بعد العشاء كي يطلق كل منهم العنان لتعليقاته. تلقى ريتشارد هجومًا من جميع الجهات؛ لأنه لم يصور أحدًا في صورة البطل سوى فان لاوي. فقد عُرف عن فالتر جيرلاخ حدة المزاج وربما كان الشخص المناسب لمنصب رئيس مشروع اليورانيوم. وكان الناس من حوله يبذلون قصارى جهدهم لتحاشي نوبات غضبه. ولم تدخر زوجته جهدًا في التأكيد على نبل شخصية زوجها عن طريق إمداد ريتشارد ببعض نسخ المقالات التي توضح ولع جيرلاخ بأينشتاين. لكن عندما أخبر اثنان من مساعدي جيرلاخ بالجامعة ريتشارد عن المرة التي غضب فيها الرجل غضبًا شديدًا بعد استقباله مكالمة هاتفية حتى إنه انتزع الهاتف من وصلاته وقذف به من الشباك المغلق. عندما علم أيضًا أن جيرلاخ تعوزه الكفاءة في الجانب التجريبي وأنه كان من الأفضل أن يكون إداريًّا، وعندما عرف ريتشارد بحبه الشديد للبيانو والورود، وعندما علم أن جيرلاخ فكَّر في الانتحار لشعوره بأنه خذل وطن أسلافه حين وصله خبر كارثة هيروشيما، شعر ريتشارد أنه وقف على بعض الصفات الرئيسية التي تصلح للتوظيف في المسرحية.
وكان حفيد هان منزعجًا من ريتشارد بقدر انزعاج زوجة جيرلاخ منه، لكنه أقنع ريتشارد أن جده ليس من أنصار النازية. لقد بذل هان جهدًا كبيرًا لمساعدة اليهودية ليز ميتنر على الهروب من ألمانيا، وطاش عقله عندما علم أن اكتشافه للانشطار النووي قد أدى إلى صنع القنبلة الذرية. ولم يبدِ أي شخص أي تحفظات على طريقة نسج شخصيتي فون لاوي وديبنر، وكان أحدهما صالحًا والآخر في أمره كلام. وكان اللغز الكبير هو هايزنبيرج، العقل المفكر للمشروع. وكان أحد أصدقاء هايزنبيرج المقربين وأحد العلماء العشرة الذين احتُجزوا في فارم هول يعيش بالقرب من بحيرة شتارنبيرج جنوب ميونيخ، إنه كارل فريدريش فون فايتسكر الذي كان باحثًا نظريًّا شابًّا عندما عمل مع هايزنبيرج في مشكلة اليورانيوم. كان والده وزيرًا للدولة في عهد هتلر، واضطر إلى مواجهة الاتهامات في نورمبيرج. وكان أخوه الأصغر رئيسًا لألمانيا في ثمانينيات القرن العشرين. أرسلت المسرحية التي تدور حول عملية الاحتجاز في إنجلترا إلى كارل فريدريش فون فايتسكر ووافق على استقبال ريتشارد في منزله. قضى ريتشارد ساعات عديدة اقتُرِحت عليه خلالها بعض التصحيحات وجرى نقاش عام عن مشروع اليورانيوم. عاد ريتشارد إلى ميونيخ وأرسل المسودة المنقحة المصحَحة إلى فون فايتسكر وحدد معه موعدًا آخر. ولكن في المرة الثانية غضب مضيفه أشد الغضب وقال إنه كان يتمنى لو رحل ريتشارد وتخلى عن المشروع، وإن جودسميت لا يعرف ما يتحدث عنه … إلخ. لكن لماذا كان غاضبًا؟ لم يكتشف ريتشارد ذلك قط، لكن فون فايتسكر أكد له ما كان هايزنبيرج قد ادعاه في معركته مع جودسميت؛ لم توجد قط محاولة ألمانية لتصنيع قنبلة ذرية. انتهى ريتشارد إلى أن تلك المعلومات صحيحة من الناحية الفنية؛ إذ لم تحرز الجهود الألمانية أي تقدم يُذكَر. ولو نجحوا في بناء مفاعل، لاختلف التاريخ تمامًا.
هكذا انتهى بحث ريتشارد عن الحقيقة في ميونيخ. وفي لندن ناقش القصة مع آر في جونز، العالم الذي كان قد رتب أمر «التجسس» على المنزل الذي احتُجز فيه العلماء الألمان، وكذلك مع سير مايكل بيرين أيضًا، المدير السابق لمؤسسة «هارويل» وعضو فريق مهمة ألسوس. وبعد أن أعاد ريتشارد كتابة مسرحيته للمرة الثالثة، استطاع إقناع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بأن تنتج نسخة إذاعية من المسرحية التي كتبها. وبالفعل أُذيعت المسرحية أثناء وجود ريتشارد في آفون، ولم يتلقَ ردود فعل كافية. توصل ريتشارد إلى أنه كان من المستحيل أن يُقبل الألمان بمواردهم المحدودة على محاولة كالتي نفذتها الولايات المتحدة في أوك ريدج وهانفورد ولوس ألاموس، وإلا نُسفت من الوجود في عامي ١٩٤٤ و١٩٤٥. فهل كان هايزنبيرج يبطئ من تقدم العمل عن عمد حتى يمنع هتلر من الحصول على قنبلة ذرية؟ لقد منع النجاح في تخريب مصدر المياه الثقيلة في النرويج مجموعة هايزنبيرج من إنشاء المفاعل (وظنوا أن الجرافيت لن يعمل). ولم تشعر المجموعة الألمانية قط بإحساس العجلة والضرورة القصوى الذي كان يشعر به الأمريكيون؛ فقادتهم لم يضطروا قط إلى اتخاذ قرارات هندسية تخص تصنيع قنبلة ذرية.
كانت رغبة ريتشارد الشديدة في تبسيط العلوم وحبه لعالم الرياضيات والمؤلف لويس كارول دافعًا له لمحاولة كتابة مجلد صغير عن الفيزياء، مستعينًا فيه بشخصيات من قصة «أليس في بلاد العجائب» ومخفيًا أسماء بعض الفيزيائيين. وافقت دار نشر ماكميلان بالمملكة المتحدة على نشر المجلد. وقد ألف ريتشارد الكتاب كمسرحية للقراءة، لا للتمثيل. وكان كل ما يتمناه ريتشارد أن تثير الاهتمام بالفيزياء. وللأسف، اختارت ماكميلان بالولايات المتحدة ألا توزع الكتاب، ومن ثَم لم يحظَ الكتاب قط بفرصة داخل السوق الأمريكية.
سحر الفيزياء: هل يمكنك أن تستدرج أرنبًا من داخل جحر أسود؟
اتجاه عكسي
هل يمكن أن يتعلم المرء الفيزياء وهو يسقط في جحر أرنب؟ حتى إذا كنت تحكم القبض على مسطرتك وساعة الإيقاف، فسيقضي صراخك على تركيزك، وستضطر إلى الاعتماد على شخص آخر لقياس عجلة سقوطك بفعل الجاذبية وأقصى سرعة ثابتة للسقوط.
آه! لكن السقوط في اتجاه عكسي نحو الأعلى في جحر أرنب ثم الخروج إلى أرض عجائب الرنين المغناطيسي النووي، والاختبارات غير الإتلافية، ووظائف الموجات المتعامدة، وأسلحة الليزر؛ تلك هي الفيزياء الحقيقية!
عندما استأجر هامتي دامتي (المعروف أيضًا بماكس ويلز) أليس وصانع القبعات المجنون واليرقة للعمل في الفيزياء على متن سفينة الأبحاث «النشر أو الهلاك» — وقع حدث غير متوقع؛ قُتل ماكس ويلز في الوقت المناسب بين صفحات هذا الكتاب.
فهل هذه جريمة أخرى فحسب؟ إذا انتقلت إلى الملحق وراجعت قسم «٢٠ طريقة لتوضح أنك فيزيائي»، ربما تتعرَّف على نفسك. وإذا فعلت، فستتعرف على القاتل. وإن لم تفعل، فأمامك الكثير لتتعلمه؛ لقد ضللت طريق الخروج من جحر الأرنب. وعليك أن تعطي هذا الكتاب للأرنب ليخرجك.
الفصل الأول
(أليس والبروفيسور شرودينبرج يسيران في حدائق ليجيندر. تلتقط أليس حجرًا أبيض من الأرض.)
(تلتقط أليس بتلة زهرة ساقطة)
تستمر أحداث القصة إلى المحاكمات والقتل والأبحاث وما شابه ذلك، ثم يضيف الملحق بضع عبارات ذكية:
ملحق
٢٠ طريقة لتوضح أنك فيزيائي
-
(١)
لا ترد على بريدك مطلقًا؛ فتسعة وتسعون بالمائة ممن يرسلون إليك الخطابات هم أفراد أدنى منك منزلة. وإلا فلماذا يكتبون إليك؟ ولكن عليك أن ترد فورًا على طلبات إعادة نسخ مقالاتك لكي تضمن انتشار أخبار ذكائك وألمعيتك بسرعة.
-
(٢)
عند مراجعة أحد الكتب، احرص على أن تعثر على أربعة أخطاء على الأقل في التقدير أو في الحقائق. وتذكَّر أن اختيارك مُراجعًا للكتاب اعتراف من الجميع بفضلك وتفردك؛ ومهمتك هي إثبات جدارتك بتلك الثقة.
-
(٣)
لا تتحدث مطلقًا أمام أي جمهور دون أن تكون بيدك قطعة من الطباشير. ذلك أن أعين المستعمين لن تفارق هذا السلاح في انتظار بدء الهجوم.
-
(٤)
لا تلقِ مطلقًا بأي حديث دون اشتقاق رياضي.
-
(٥)
إذا كان أي من المستمعين إليك لا يدون ما تقوله، فحدق النظر إليه بغضب وبغير رحمة. فاللآلئ التي تنطق بها تستحق التدوين للأجيال القادمة.
إلخ … إلخ … إلخ.
«الغطرسة هي سر السلوك القويم؛ ولعل ذلك هو السبب الذي لأجله لم يُخلق الناس جميعًا فيزيائيين. وهذا ثمن زهيد نتكبده نظير اختراع القنبلة الذرية والتلفزيون.»
اهتم ريتشارد أثناء وجوده في ألمانيا بقصة تريز نيومان، وهي فتاة عاشت في مدينة كونرسريوث التي تقع شرق بافاريا، وكانت تستغرق في نوبات من النشوة الدينية كل جمعة، وظهرت على يديها وقدميها وفي رأسها علامات مشابهة لتلك التي أحدثها الصَّلب في جسد المسيح. وبصفة خاصة، كان ريتشارد مهتمًّا بالسؤال: هل كان الدليل المادي على ذلك واضحًا؟ حوَّل ريتشارد هذه الحكاية إلى قصة بوليسية كان البطل فيها قسًّا طبيبًا عُهد إليه بفحص الأدلة الطبية. ومن خلال تحول عجيب في الظروف والأحداث، اكتشف ريتشارد أن ابن عمه، وهو طبيب أمراض نفسية، كان قد كتب أبحاثًا عديدة إلى إحدى الدوريات الطبية في موضوع تلك العلامات.
ولكن بعد أن تجول ريتشارد في عالم الخوارق، أسرته الجهود المتفرقة التي بُذلت لبحث الموضوع في ضوء الدقة العلمية. عثر على أستاذ في الفيزياء بجامعة لندن كان شديد الولع بفكرة «انحناء الملعقة» ليوري جيلر. وتلقَّى ريتشارد دعوة لمشاهدة تجربة هذا الأستاذ.
دخل ريتشارد المختبر في قسم الفيزياء ورأى مقبضًا من الألومنيوم يتدلى من حامل ويتصل بمزدوجة حرارية ومقياس للتمدد. بعد ذلك وصلت حالة بحثية غير عادية، وهو شاب في العشرين من عمره تقريبًا، وأعمل فكره على المقبض دون أن يمسه؛ فلم يكن مسموحًا له بذلك قط. وكان أي ارتفاع في درجة الحرارة أو أي ميل طفيف في المقبض يجري تسجيله في الرسم البياني. راقب ريتشارد التجربة، ولكن شيئًا لم يحدث طوال ساعة كاملة. وبعد ذلك التمس العذر في الرحيل.
بعد أن افتُتحت الحانة بوقت قصير، وفي إحدى المرات التي وجد فيها ريتشارد نفسه وحيدًا في أرجاء المبنى، سمع وقع أقدام في الطابق الثاني. شعر بخوف شديد منعه من أن يتحرى الأمر، ولكن عندما تكرر الصوت، صعد ريتشارد درجات السلم مثقل الخطوات ليتفقد الطابق العلوي. ولم يتمكن من العثور على أي شيء. كان العديد من الأوصياء قد سمعوا تلك الأصوات حال وجود أي منهم بمفرده داخل المبنى، وانتشرت شائعة تقول إن هناك شبحًا في الحانة. وذات مرة سمح لإحدى المترددات الدائمات على الحانة من ذوات الباع الطويل في هذه الأمور بأن تفحص الطابق الثاني، وكان ريتشارد خلفها يسير على مقربة. توقفت السيدة أكثر من مرة للتعليق أن بقعًا عديدة تعكس بوضوح «هالة» شيء ما. وبعد مضي ساعة، يئس ريتشارد وترك المرأة تستمر في بحثها. فلم يرَ أحد أي شبح قط، لكن إشاعة وجود شبح استمرت.
ألقى أحد أساتذة الكيمياء في كلية الملك محاضرة عن بحثه عن الأشباح مدة ثلاثين عامًا. كان هذا البروفيسور قد جمع بعض الأدوات التي تضم كاميرا تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وآلة تسجيل حساسة، ومقياسًا للحرارة … إلخ، وكان يركب هذه المعدات في أي مكان يقال إن به أشباحًا. وقد انتهى بعد ثلاثين عامًا إلى أن الأشباح غير موجودة، أو إن كانت موجودة فإنها لا تكشف عن ذلك أثناء وجوده في المنزل. ولا يمكن رفض الاحتمال الثاني على أنه مزاح.
- (١)
يزيد عدد السكارى المسنين عن الأطباء المسنين.
- (٢)
لا تخشَ الموت؛ فمن أسرع إليه أجله، طال بقاؤه في الأبدية.
- (٣)
إذا ضحكت فتاتك من كل ما تقول، فلعل لها أسنانًا جميلة.
- (٤)
لو استطاع المرء أن يحقق نصف أمنياته، لتضاعفت متاعبه.
- (٥)
أبقِ عينيك مفتوحتين عن آخرهما قبل الزواج، ونصف مغمضتين بعده.
بعد أن أصبح ريتشارد محبًّا مخلصًا لبنجامين فرانكلين، ألف مونولوجًا عن فرانكلين في مرحلة الشيخوخة. وقد أُدي ذلك المونولوج على «بي بي سي راديو ٤»، وحقق بعض التميز باختياره أفضل ما قُدم في ذلك الأسبوع. شجع هذا النجاح ريتشارد على التعمق في السير، وألف أكثر من اثني عشر مونولوجًا. قدَّم العديد منها في الحانة.
خاتمة
كان مختبر ووترتاون قد استمر فترة طويلة من العمل. وقد أصبح مركزًا لجهودٍ نظرية وتجريبية عالمية ترمي إلى التعرف على سلوك الإلكترونات في الذرات. لكن بحلول عام ١٩٨٠ أجبرت المجموعة على التحول إلى مشكلات تطبيقية أخرى تخص الجيش الأمريكي، وبحلول عام ١٩٩٠ اتخذ القرار بإغلاق الترسانة. ويومًا ما سيقدم المقاولون عطاءات لشراء هذه القطعة النفيسة من الأرض. وفي الوقت الذي يحين فيه التخلص من آخر قطعة من المفاعل ومن مختبر الأبحاث، ربما يدعو ريتشارد زملاءه إلى سهرة تأبين في حانة بلانشارد.
على الرغم من ذلك كانت مؤتمرات ساجامور وذكريات تلك الأعوام الثلاثين من ١٩٥٠ إلى ١٩٨٠ لا تزال نابضة بالحياة، وشهدت تلك السنوات تعرض الإلكترونات في مواد معينة إلى سخونة الأشعة السينية والنيوترونات الساعية إلى العثور على هذه الإلكترونات أينما كانت.
بعد أن اكتشف جيه جيه طومسون الإلكترون، أُلِّفت أغنية للجسيم الجديد على لحن أغنية «كليمنتاين» تقول:
الكورس: