الجلسة السِّريَّة
أول ما شعرت به ذلك الضوء الباهر القوي، لم تَرَ شيئًا، كان الضوء مؤلمًا رغم أن لا تزالانِ مغمضتين، الهواء البارد ضرب وجهها وعنقها العارية، وتسرَّب من فتحة العنق إلى صدرها وبطنها، وهبط إلى أسفل حيث الجرح النازف، وأصبح كصفعة حادة فوق نسيج هش حساس. وضعتْ يديها فوق عينيها لتحميهما من الضوء، وبيديها الأخرى أغلقت فتحة العنق وهي تضم ساقيها على الألم المفاجئ، شفتاها أيضًا مضمومتان مطبقتان على ألم لم يعرفه جسدها من قبل، أشبه بوخز الإبر في عينيها وثدييها وتحت الإبط وأسفل البطن. وقدماها وساقاها من طول ما نامت وهي واقفة، ومن طول ما وقفت وهي نائمة، لم تعد تعرف في أي وضع يكون جسدها، أفقيًّا أو رأسيًّا، معلقة من قدميها في الهواء، أو واقفة على رأسها في ماء.
ما إن أجلسوها وتحسستْ ببطن كفيها المكان الذي جلست عليه حتى استرخت عضلات وجهها، واستعادت شكلها الآدمي. رجفة من اللذة العارمة المفاجئة هزت أحشاءها حين اتخذ جسدها وضع الجلوس فوق ذلك المقعد الخشبي، وربما تقلصت عضلات شفتيها عن ابتسامة واهنة. قالت لنفسها: كم أدرك الآن أن الجلوس راحة كبرى.
الضوء لا زال قويًّا، وعيناها لا تزالان غير قادرتين على الرؤية، لكن أذنيها بدأتا تسمعان بعض الأصوات والهمهمات. رفعت يديها من فوق عينيها، وبدأت تفتحهما بالتدريج، أشباح آدمية تتحرك أمامها من فوق شيء مرتفع، شعرت بخوف مفاجئ؛ فالأشباح الآدمية تخيفها أكثر من أي أشباح أخرى. هذه الأجسام الطويلة التي تتحرك بسرعة وخفة فوق ساقين داخلَ سروال وقدمين داخل حذاء. وكل شيء يتم في الظلام بمنتهى السرعة والخفة، وهي لا تستطيع أن تبكيَ أو تصرخ. لسانها، عيناها، فمها، أنفها، كل ملامحها تحجرت، وجسدها لم يعد جسدها، وإنما جسد عجل صغير يضرب بكعوب الأحذية، وتدخل العصا الغليظة بين فخذيها لتمزق أحشاءها، ثم تركل بالقدمين في ركن مظلم، وتظل متكورة حول نفسها حتى اليوم الثاني، وفي اليوم الثالث لا تعود كما كانت، وإنما تظل حيوانًا صغيرًا عاجزًا عن النطق بتلك الكلمة العادية التي ينطقها البشر: يا رب. وتقول لنفسها: هل الحيوانات مثل الإنسان تعرف شيئًا اسمه الرب؟
بدت عيناها تريان الأجسام الجالسة على ذلك المكان المرتفع، فوق كل رأس جسم، الرءوس ملساء بغير شعر، حمراء في الضوء كمؤخرات القرود، ذكور كلهم لا شك؛ لأن المرأة مهما شاخت فلا يمكن لرأسها أن يصبح كمؤخرة القرد. بحثت بعينيها لترى بوضوح أكبر. في الوسط رجلٌ سمين يرتدي شيئًا كالقفطان الأسود، فمه مفتوح، وفي يده شيء كالمطرقة، يذكرها بحاوي القرية، وعيناها وعيون الأطفال كلها مبهورة مفتوحة على يده التي تحول العصا إلى ثعبان أو نار. المطرقة تتلوى في يده كالأفعى، ودوَّى في أذنيها صوت حاد يقول: محكمة! قالت لنفسها: لا بد أنه القاضي. وهي لأول مرة في حياتها ترى قاضيًا، ولأول مرة تدخل محكمة، كلمة محكمة سمعتها لأول مرة وهي طفلة، سمعت خالتها تقول لأمها: لم يصدقني القاضي وطلب مني أن أعري جسمي ليرى علامات الضرب، وقلت له لا أعري جسمي أمام رجل غريب؛ فرفض الدعوى وأمرني بالعودة إلى زوجي. كانت خالتها تبكي ولم تعرف ذلك الحين لماذا يطلب القاضي منها أن تعري جسمها؟! وسألت نفسها: يا ترى هل يطلب القاضي مني أن أعري جسمي؟ وماذا يقول حين يرى ذلك الجرح؟
تعودت عيناها على الضوء تدريجيًّا، وبدأت ترى وجه القاضي بوضوح أكثر، وجهه أحمر أيضًا كرأسه، وعيناه مستديرتان جاحظتان كعيني الضفدع، تتحركان ببطء هنا وهناك، وأنفه كبير مقوس كمنقار الحدأة، من تحته شارب أصفر كثيف كحزمة من العشب الجاف تهتز فوق فتحة فمه المشدود كالسلك، والمفتوح دائمًا كمصيدة الفئران.
لم تعرف لماذا ظل فمه مفتوحًا، وهل كان يتكلم طول الوقت أم كان يتنفس من فمه، ورأسه الأصلع اللامع يتحرك دائمًا بتلك الحركة التي تشبه الإيماءة؛ فيرتفع قليلًا ويتحرك إلى الوراء ليدخل في شيء مدبب، ثم ينخفض قليلًا متحركًا إلى الأمام حتى تدخل ذقنه في فتحة عنقه. ولم تكن ترى بعد ماذا وراءه، لكنها رأت أن رأسه حين يرتفع ويتحرك إلى الوراء يدخل في شيء مدبب أشبه ببوز حذاء. ودققت النظر وتأكدت أنه حذاء فعلًا مرسوم على الجدار فوق رأس القاضي، ومن فوق الحذاء رأت الساقين المشدودتين داخل السروال المشدود كأنما من الجلد الثمين، جلد نمر أو جلد ثعبان، والسترة أيضًا مشدودة فوق الكتفين، ومن فوق الكتفين يطل الوجه الذي رأته آلاف المرات في الصحف، عينان شاخصتان إلى فراغ، فيهما من الغباء أكثر مما فيهما من السذاجة، وأنف مسطح كأنما ضُرِبَ بالمطرقة حتى استكان، وفم مزموم ينم عن جدية مصطنعة يتقنها كل الحكام والملوك حين يقفون أمام آلة التصوير. رغم عضلات فمه المزمومة في كبرياء وجدية فإن عضلات خدَّيْه مرتخية، من تحتها ابتسامة هزلية ساخرة، فيها مجون مزمن أو فساد منذ الطُّفولة.
كانت طفلة في المدرسة الابتدائية حين رأت لأول مرة صورة ملك، كان الوجه مليئًا باللحم والعينان ضيقتان والشفتان رفيعتان مزمومتان في كبرياء أشبه بالوقاحة. وتذكرت صوت أبيها وهو يقول كان فاسقًا وعاهرًا، ولكنهم كلهم بهذا الشكل، وحين يقفون أمام آلة التصوير يظنون أنفسهم آلهة.
إنها لا تزال تحس بجسدها جالسًا فوق الكرسيِّ الخشبي، وهي أصبحت تشك في الأمر، فكيف تركوها تجلس كل هذا الوقت. والجلوس بهذا الشكل راحة وأي راحة؛ فهي تستطيع أن تجلسَ وتترك جسدها في وضع الجلوس، وتستمتع بتلك المقدرة الخارقة لجسم الإنسان. لأول مرة تدرك أن جسم الإنسان يتميز عن جسم الحيوان بشيء هام وهو الجلوس، لا يوجد حيوان يستطيع أن يجلس مثلها هكذا، وإذا جلس فكيف يتصرف في قوائمه الأربع؟ تذكرت المنظر الذي أضحكها في طفولتها، ذلك العِجل الذي أراد أن يجلس على مؤخرته فانقلب على ظهره، وتقلصت شفتاها في محاولة يائسة لأن تفتح فمها لتقول شيئًا أو تبتسم، لكن فمها ظل مطبقًا كخط أفقي يشق نصف وجهها الأسفل نصفين. أيمكن أن تفتح فمها قليلًا لتبصق؟ لكن حلقها جاف، ولعابها جاف، وعنقها جافة، وصدرها جاف، وكل شيء فيها جاف إلا ذلك الجرح المفتوح بين فخذيها.
ضمت ساقيها أكثر لتضم الجرح وتضم الألم وتستشعر لذة الجلوس فوق مقعد، وكان يمكن أن تظل في هذا الوضع إلى الأبد أو حتى تموت، إلا أنها سمعت فجأة صوتًا يهتف باسمها: ليلى الفرجاني!
تنبهت حواسها الميتة، وارتجفت عضلات أذنيها لوقع الاسم الغريب؛ ليلى الفرجاني! كأنما هو ليس اسمها. لم يطرق أذنيها منذ زمن سحيق، وهو لفتاة اسمها ليلى، فتاة ترتدي ملابس الفتيات، وترى الشمس، وتمشي على ساقين ككل البشر. وقد رأت هذه الفتاة منذ زمن سحيق؛ لأنها منذ ذلك الزمن لم ترتدِ ملابس الفتيات، ولم ترَ الشمس ولم تمشِ على ساقين. منذ زمن سحيق وهو حيوان صغير داخل كهف سحيق مظلم، وحين ينادونها فهم لا ينادونها إلا بأسماء الحيوانات.
لا زالت عيناها تبحثان في محاولة للرؤية الواضحة، وقد أصبح رأس القاضي أكثر وضوحًا وأكثر حركة، لكنه لا زال يدخل في بوز الحذاء إذا ما ارتفع، أو يدخل في فتحة عنقه إذا ما انخفض، والصورة المعلقة من خلفه أصبحت أكثر وضوحًا. الحذاء لامع مدبب، والبدلة مشدودة كبدل فرسان الخيل، والوجه مشدود من الخارج بعضلات صناعية مليئة بالرصانة والغباء، ومن الداخل نظرة خليعة معربِدة.
قوة بصرها لم تعد كما كانت، لكنها لا زالت ترى التشويه واضحًا، ترى الوجه الممسوخ، وقد تذكرت كلام أبيها: إنهم يا ابنتي لا يصلون إلى مقاعد الحكم إلا لأنهم مشوهون نفسيًّا وفاسدون من الداخل.
وأي فساد من الداخل؟! فهي التي رأت فسادهم الحقيقي. تود في تلك اللحظة أن يعطوها قلمًا وورقة لترسم ذلك الفساد، ولكن أيمكن أن تظل لها أصابع قادرة على الإمساك بقلم وتحريكه فوق الورق؟ أو على الأقل، أيمكن أن يظل لها إصبعان اثنان تضع بينهما القلم؟ وماذا تفعل إذا ما قطعوا إصبعًا من هذين الإصبعين؟ هل يمكن أن تمسك القلم بإصبع واحدة؟ هل يمشي الإنسان فوق الأرض بساق واحدة؟ أحد الأسئلة التي كان يرددها أبوها. وكانت تكره أسئلة العاجزين وتقول لنفسها: سأشق الإصبع الواحد وأدس فيه القلم، كما شقت إيزيس ساق أوزوريس. لا زالت تذكر القصة القديمة، ولا زالت ترى منظر الساق المشقوقة وهي تنزف دمًا، أي كابوس طويل تراه، وكم تريد أن تهزها يد أمها لتفتح عينيها وتدرك أن ذلك الوحش الذي أراد أن ينهش جسدها لم يكن إلا حلمًا أو كابوسًا كما كانت تسميه أمها. في كل مرة تفتح عينها وتفرح حين يختفي الوحش وتكتشف أنه لم يكن إلا حلمًا، لكنها هذه المرة فتحت عينيها ولم يذهب الوحش، فتحت عينيها وظل الوحش فوق جسدها. من هول الفزع أغمضت عينيها مرة أخرى لتنام؛ لتوهم نفسها أنه كابوس، لكنها فتحت عينيها وعرفت أنه ليس حلمًا، وتذكرت كل شيء.
أول ما تذكرته كانت صرخة أمها في سكون الليل، كانت تنام في حضنها كطفلة في السادسة مع أنها كبرت وأصبحت في العشرين، لكن أمها كانت تقول: ستنامين في حضني حتى إذا جاءوا في منتصف الليل شعرتُ بهم وأمسكتك بكل قوتي فإذا ما أخذوك أخذوني معك.
لم يعذبها مثل وجه أمها وهي تراه يبتعد ويبتعد حتى اختفى. كان وجهها شاحبًا وعيناها شاحبتين وشعرها شاحبًا، وأرادت أن تموت ولا ترى وجهها بمثل هذا الشحوب. وقالت لنفسها: أيمكن أن تغفري لي يا أمي لأنني تسببت لك بكل هذا الألم؟ وكانت أمها تقول لها دائمًا: يا ابنتي ما لكِ وللسياسة، أنتِ لستِ رجلًا، والبنات من عمرك لا يفكرن إلا في الزواج. ولم تكن ترد على أمها حين تقول لها: السياسة لعبة قذرة لا يتقنها إلا الرجال العاطلون.
الأصوات الآن أصبحت أكثر وضوحًا في أذنيها، والصور أيضًا بدت واضحة، وإن كان الضباب لا زال كثيفًا، هل كان الجو شتاء والقاعة بغير سقف؟ أم كان الجو صيفًا وهم يدخنون في حجرة بغير نوافذ؟ واستطاعت أن ترى رجلًا آخر جلس غير بعيد عن القاضي، رأسه كرأس القاضي، أملس وأحمر لكنه ليس تحت الحذاء تمامًا كرأس القاضي، إنه يشغل الناحية الأخرى، ومن فوق رأسه علقت صورة أخرى داخلها شيء كالعلم، أو الراية الصغيرة المتعددة الألوان، ولأول مرة تلتقط أذناها بعض الجمل ذات المعنى المفهوم.
«تصوروا يا حضرات السادة المحترمين أن هذه الطالبة التي لم تصل إلى العشرين بعد تقول عنه — حفظه الله وأدامه على رأس هذه الأمة الكريمة مدى الحياة — تقول عنه إنه «غبي».»
ورنَّت كلمة «غبي» كقطعة حجر تُلْقَى في بحر من الصمت الرهيب أحدث وقعها صوتًا كارتطام قطعة حجر بالماء، أو ارتطام يد بشيء صلب أشبه ما تكون بالصفعة، أو صفقة يد فوق يد.
هل صفَّق أحد؟ وأرهفت أذنيها تتسمع الصوت، أكان صفقة؟ أم ضحكة سريعة على شكل قهقهة؟ ثم دب الصمت الرهيب مرة أخرى في قاعة المحكمة، صوت طويل سمعت فيه دقات قلبها، وظلت أذناها تحتفظان بصوت الضحكة أو الصفقة، وتساءلت بينها وبين نفسها مَنْ ذا الذي يمكن أن يصفق في تلك اللحظة الخطيرة حين توصف الذات العليا بالغباء، وبصوت عالٍ؟
جسدها لا زال ملتصقًا بالمقعد الخشبي تشبثًا به، يخشى أن يُسحب من تحته فجأة، والجرح لا زال أسفل بطنها ينزف، إلا أنها استطاعت أن تحرِّك رأسها وعيناها نصف المفتوحتين تبحثان عن مصدر الصفقة. اكتشفت فجأة أن القاعة مليئة برءوس متلاصقة على شكل صفوف رءوس آدمية كلها لا شك. بعض الرءوس تبدو كثيفة الشعر كأنما لنساء أو بنات بعض رءوس صغيرة كأنما رءوس أطفال. وهذا رأس يشبه رأس أختها الصغيرة، وانتفض جسدها لحظة فوق المقعد وعيناها تفتشان: هل أتت وحدَها أم معها أبي وأمي؟ وهل يرونني الآن؟ وكيف أبدو؟ هل يمكن أن يتعرفوا على وجهي؟ على جسمي؟
حركت رأسها وعيناها تبحثان، بصرها أصبح ضعيفًا لكنها تستطيع أن ترى أمها مهما ضعف بصرها، تستطيع أن تلتقط وجهها من بين الآلاف وهي مغمضة العينين. أيمكن أن تكون أمها موجودة في هذه القاعة؟ دقات قلبها أصبحت مسموعة، والهواجس تهز جسدها من الداخل. كثيرًا ما انتابتها الهواجس، وأحست أن شيئًا فظيعًا حدث لأمها. ذات ليلة هاجمها الخوف وهي متكورة كحيوان صغير حول نفسها، وقالت لنفسها: لا بد أنها ماتت ولن أراها حين أخرج. لكنها في اليوم التالي رأتها، جاءت إليها في الزيارة، جاءت بكامل جسمها وكامل صحتها وفرحت، وقالت لها: لا تموتي يا أمي حتى أخرج وأعوضك عن الألم الذي سببته لك.
الصوت أصبح الآن واضحًا في أذنيها، إنه ليس صفقة واحدة بل صفقات متتالية، والرءوس في القاعة تتحرك بغير نظام. القاضي لا زال جالسًا برأسه الأملس تحت الحذاء، والمطرقة في يده أصبحت تهتز بعصبية وتدق على المائدة الخشبية دقات سريعة، لكن الصفقات لم تنقطع، وهبَّ القاضي واقفًا فأصبح رأسه عند منتصف بطن الصورة، وارتعشت شفته السفلى وهو يزمجر بكلمات لم تستطع أن تسمعها من شدة الضوضاء.
ثم دب الصمت فترة من الزمن، وهي لا تزال تحاول الرؤية، يداها تمتدان على جانبيها وتمسكان بالمقعد، تتشبثان به، تمسكان وتضغطان عليه، كأنما تريد أن تتأكد من حقيقة وجوده تحتها أو وجودها فوقه، وأنها لا تزال جالسة. رأتها يقظة وليست نائمة ومغمضة العينين. كانت حين تفتح عينيها ويختفي الوحش تفرح؛ لأنه لم يكن إلا حلمًا، لكنها لم تعُد قادرة على الفرح، وأصبحت تخشى أن تفتح عينيها.
الأصوات في القاعة هدأت والرءوس لا زالت تتحرك كما كانت إلا رأس واحد، ليس أملس ولا أحمر، وإنما كثافة من الشعر الأبيض، كثافة ثابتة لا تتحرك، والعينان لا تتحركان، مفتوحتان جافتان وشاخصتان فوق ذلك الجسد الصغير المكوم فوق المقعد الخشبي. يداها مضمومتان فوق صدرها، وقلبها تحت يديها يدق بسرعة، وأنفاسها تلهث كأنما جرت حتى آخر الشوط ولم تعد قادرة على التنفس. صوتها متقطع وهي تقول لنفسها: يا إلهي، إن عينيها تتحركان نحوي لكنها لا تراني، ماذا فعلوا بعينيها؟ أم هي تقاوم النوم؟ يا إله الأرض والسموات السبع كيف تركتهم يفعلون بها كل ذلك؟ وكيف تحملت يا ابنتي كل هذا الألم؟ وكيف تحملت معك؟ لكني كنت أحس دائمًا أنكِ قادرة يا ابنتي على أي شيء، وإن كان تحريك الجبال أو تفتيت الصخر. رغم أن جسمك صغير وضعيف مثل جسمي لكنك حين كنتِ ترفسين بقدمك الصغيرة جدار بطني أقول لنفسي: يا إلهي أي قوة وجبروت داخل جسمي؟ كنت جبارة من حركتك وأنت لا تزالين جنينًا، ترجِّيني من داخل كما يرجُّ البركان الأرض، ومع ذلك كنت أعرف أن حجمك صغير كحجمي، وعظامك رقيقة كعظام أبيك، وقامتك طويلة نحيلة كجدتك، وقدماك كبيرتان كأقدام الأنبياء. وحين ولدتك قالت جدتك وهي تمصص شفتيها حسرة: بنت وقبيحة! يا للمصيبتين! وشددت عضلات بطني لأغلق الرحم على الألم والدم، وقلت لها وأنا أتنفس بصعوبة (كانت ولادتك صعبة وكنت مرهقة كأني ولدت جبلًا): هي أغلى عندي من الدنيا، وضممتك إلى صدري ونمت نومًا عميقًا، أيمكن يا ابنتي أن أحظى مرة أخرى بلحظة نوم عميق وأنتِ داخل صدري، أو على الأقل: وأنت إلى جواري أمد يدي فألمسك؟ أم وأنت في حجرتك المجاورة لي، أنهض على أطراف أصابعي لأطل عليك وأنت نائمة؟ كان الغطاء يسقط دائمًا من فوق جسمك وأنت نائمة فأرفعه وأغطيك، هاجس بالليل كان يوقظني كل ليلة لأنهض على أطراف أصابعي وأذهب إلى حجرتك. أي هاجس وفي أي لحظة؟ أهي اللحظة التي كان الغطاء يسقط فيها عن جسمك؟ ولكني كنت قادرة دائمًا على أن أحس بك، حتى وإن سافرت وإن اختفيت عن عيني، وإن أخفَوْكِ تحت الأرض، تحت سابع أرض، وإن أحكموا حولك الجدران والطوب والحديد، كنت — ولا أزال — قادرة على أن أحس لفحة الهواء على جسدك وكأنما على جسدي. تحيرت أحيانًا هل ولدتك أم لا تزالين داخل بطني، وإلا فكيف أحس الهواء إذا ضربك، والجوع إذا قرصك، وألمك هو ألمي، كالنار اللاسعة في صدري وبطني. يا إله الأرض والسماوات السبع، كيف تحمَّل جسمكِ وجسمي؟ لكني ما كنت أتحمل لولا الفرح بأنك ابنتي وأنني ولدتك، وأنك قادرة على أن ترفعي رأسك عاليًا فوق جبال الوسخ، ثلاث آلاف وخمس وعشرون ساعة (عددتها ساعة ساعة) تركوك مع القيء والصديد والجرح في بطنك ينزف. أذكر عينيك حين قلتِ لي — والأسلاك بيننا: لو كان النزيف دمًا أحمر، لكنه ليس أحمر، إنه أبيض، وله رائحة مثل الموت، ماذا قلت لك يومها؟ لا أعرف، لكني قلت أي شيء، قلت إن الرائحة تصبح عادية حين نألفها ونعيش معها، ولم أستطع أن أرفع عيني إلى وجهك الشاحب لكني سمعت صوتك وأنتِ تقولين: إنها ليست رائحة يا أمي ككل الروائح تدخل الأنف أو الفم، ولكنها شيء كالهواء السائل، أو كالبخار الذي تحوَّل إلى ماء لزج، أو كالحديد الذي انصهر وسال ودخل جميع فتحات الجسم، ولا أعرف يا أمي إن كان ساخنًا ملتهبًا أو باردًا كالثلج. وضغطت بيدي على صدري، وشددت على يدك الناحلة من خلال الأسلاك وأنا أقول لك: حين يصبح الساخن كالبارد يا ابنتي فكل شيء محتمل، لكني ما إن تركتك حتى أحسست قلبي يتمدد ويتمدد حتى ملأ صدري، وضغط على رئتي ولم أعد قادرة على التنفس، كالاختناق أصابني فمددت أنفي نحو السماء لأشد الهواء إلى صدري. لكن السماء ذلك اليوم خلت من الهواء، والشمس مصبوبة فوق رأسي كنار جَهنم، وعيون الحراس تلسعني، وأصواتهم البذيئة لا تزال في جوفي كالبصقات المتراكمة. آهٍ، لو تحوَّلت الأرض إلى وجه رجل منهم لبصقت عليه، وبصقت وبصقت حتى يجفَّ حلقي وصدري، نعم يا ابنتي، شدِّي عضلات ظهرك وارفعي رأسك وحركيه نحوي فأنا جالسة بالقرب منك، وقد سمعتهم وهم يصفقون لك، فهل سمعتهم؟ ورأيتك تحركين رأسك نحونا فهل رأيتنا أنا وأباك وأختك الصغيرة وكلنا صفقنا معهم؟ هل رأيتنا؟
عيناها كانتا لا تزالان تشقان الضباب الكثيف، والقاضي كان لا يزال واقفًا برأسه الأملس الأحمر، وشفته السفلى ترتعش بكلمات سريعة، وعن يمينه وعن يساره رأت الرءوس الملساء الحمراء التي أصبحت تتحرك مبتعدة عن تلك المائدة المرتفعة، واختفى رأس القاضي واختفت معها الرءوس الملساء. إلا أن الصورة فوق الجدار لا زالت كما كانت، والوجه داخلها لا زال هو الوجه، والعينان هما العينان. لكن عينًا منهما تبدو لها الآن أصغر من العين الأخرى، كأنما هي نصف مغمضة، أو كأنما هي تغمز لها، تلك الحركة المألوفة حين يغمز رجل لامرأة ليغازلها. انتفض جسدها بدهشة كالرعب: أيمكن أن يغمزَ لها؟ وهل يمكن أن تتحركَ عيناه داخلَ الصورة؟ وهل يتحرك الجماد؟ أم أنها مريضة وتَهذي؟ وتحسست المقعد تحتها ببطن كفيها، وارتفعت يداها تتحسس جسمها، سخونة ما شديدة تنبعث من جسمها كنار تلسع، وشيء كالحريق داخل صدري، وهي تريد أن تفتح فمها وتقول: كوب ماء. لكن شفتيها ملتصقتان كشفة واحدة، كخط أفقي مشدود كالسلك، وعيناها أيضًا مشدودتان نحو الصورة، والعين داخل الصورة لا زالت تغمز لها، لماذا يغمز لها؟ هل يغازلها؟ أم يبعث إليها بتحية؟ لم تكن تعرف أن الغمز نوع من التحية إلا حينما رأت — منذ عامين — طابورًا من السياح الأجانب سائرًا في الشارع. كانت في طريقها إلى الجامعة، وكلما كانت تنظر في وجه الرجل منهم أو المرأة إذا بالعين تغمز لها بتلك الحركة الغريبة. ودُهشت إلى حد الخوف ولم تعرف كيف يمكن للنساء أيضًا أن يغازلنها بذلك الغمز الغريب، إلا أنها عرفت فيما بعد أن هذه هي طريقة الأمريكيين في التحية.
المنصة التالية لا تزال خالية من القاضي والرءوس الملساء من حوله، والصمت لا زال ممتدًّا، والرءوس في القاعة لا تزال متلاصقة على شكل صفوف، وعيناها لا تزالان تتحركان تبحثان عن كثافة من الشعر الأبيض، وعن عينين سوداوين تستطيع أن تراهما وهي مغمضة العينين. لكن الرءوس متلاصقة كثيفة وهي لا ترى سوى كتل من السواد أو البياض، دوائر أو مربعات أو مستطيلات. أنفها بدأ يتحرك كأنما يتشمم، فهي تعرف رائحتها وتستطيع أن تميزها من بين الآلاف، فهي رائحة كاللبن وهي طفلة ترضع، وكرائحة الصبح حين تطلع، والليل حين ينام، والمطر فوق الأرض المتربة، والشمس فوق السرير، والحساء الساخن في الصحن. وهي تقول لنفسها: أيمكن أن تتغيبي يا أمي؟ وأبي هل جاء؟
الضباب أمام عينيها لا زال كثيفًا، ورأسها لا زال يتحرك ناحية صفوف الرءوس المتلاصقة، الدوائر البيضاء والسوداء تتداخل بعضها ببعض في حركة دائبة، إلا دائرة واحدة من الشعر الأسود ثابتة فوق جبهة عريضة سمراء، وعينان ثابتتان فوق الوجه النحيل الشاحب والجسد الصغير المكوم فوق المقعد من خلف الأسلاك، يداه الكبيرتان المعروقتان تمسكان ركبتيه، تضغطان عليهما من شدة الألم، لكنه ما إن سمع الصفقة حتى ارتفعت يداه من فوق ركبتيه وتلامستا في صفقة طويلة. يداه لا تريدان العودة مرة أخرى فوق ركبتيه، والألم في عظام ساقيه لم يعد محسوسًا، وقلبه يصفق مع يديه بضربات عالية تهز جسده الضامر فوق المقعد، وعيناه أصبحتا تدوران حوله فوق الوجوه والعيون، وشفتاه انفرجتا قليلًا وكأنما على وشك أن يهتف: أنا أبوها، أنا «الفرجاني» الذي أنجبتها وهي تحمل اسمي. يا إلهي كيف تتلاشى كل آلام جسمي دفعة واحدة أمام تلك الصفقات السريعة؟ ماذا لو وقفت الآن وكشفت لهم عن شخصيتي؟ هذه اللحظة فريدة وعليَّ ألا أضيعها؛ فالرجل منا يعيش ويموت من أجل لحظة كهذه، من أجل أن يعترف بنا الآخرون، أن يصفقوا لنا، أن نصبح أبطالًا تتطلع إلينا العيون وتشير إلينا الأصابع. وقد تحمَّلت الألم والعذاب معها يومًا بيوم وساعة وراء ساعة، ومن حقي الآن أن أحظَى بشيء من المكافأة وأشاركها البطولة.
حرك جسده قليلًا في المقعد وكأنما يهمُّ بالوقوف، لكنه ظل جالسًا إلا أن رأسه كان لا يزال يتحرك، وعيناه تنتقلان من وجه إلى وجه، وكأنما يود لو تعرَّف عليه أحد. وتخلَّل التصفيق صوت القاضي الغاضب ودقات مطرقته السريعة الحادة فوق المائدة، ثم ما لبث أن انسحب القاضي ومن معه إلى حجرة المداولة. ودب الصمت من جديد في القاعة، صمت طويل رهيب، التقطت أذناه خلاله بعض الهمسات الخافتة: سيطبخون القضية في حجرة المداولة، هذه هي عادتهم، لا يوجد عندنا قضاء أو عدالة، سيعلنون بعد قليل أن الجلسة العلنية انتهت، إنها بطلة — ولا شك — لتظل حية حتى اليوم. تصور هذه الفتاة الصغيرة الجالسة هناك في قفص الاتهام تسبب كل هذا الهلع للحكومة. هل تعرف كيف عذبوها؟ انتهك جسدها عشرة رجال واحدًا وراء الآخر، داسوا على شرفها وشرف أبيها بالأحذية. مسكين أبوها! هل تعرفه؟ يقولون: إنه مريض في الفراش، ربما لم يعد قادرًا على مواجهة الناس بعد أن انتهكوا شرفه.
في هذه اللحظة ارتفعت يداه لتضغطا على أذنيه حتى لا يسمع، وتضغطا على رأسه حتى يدخل رأسه داخل صدره، وتضغطا أكثر وأكثر ليدخل جسده داخل المقعد أو تحت المقعد أو تحت الأرض. يريد أن يتلاشى، ألا يراه أحد أو يعرفه أحد. إن اسمه ليس الفرجاني ولا الشرقاوي ولا الزفتاوي ولا أي شيء. ليس له اسم وليس له وجود؛ فماذا يبقى للرجل منا بعد أن يُنتهَك شرفه؟ وقد قلت لها مرارًا: يا ابنتي السياسة ليست مجال النساء ولا البنات لكنها لم تسمع كلامي، لو كانت رجلًا ما كنت أتعذب كما أتعذب الآن، وما كان باستطاعة كلب منهم أن يمسَّ شرفي وعِرضي، الموت أفضل لي ولها الآن.
لا زال الصمت يخيم فوق القاعة، ولا زال القاضي وحاشيته لم يظهروا بعد، وعيناها لا تزالان تفتشان في محاولة للرؤية، تبحثان عن وجه بين الوجوه، عن عينين تعرفهما، عن كثافة من الشعر الأبيض بلون لبن الأطفال، لكن كل ما تراه ليس إلا دوائر ومربعات سوداء وبيضاء متداخلة ومتحركة على الدوام. أيمكن أن تتغيبي يا أمي؟ وأبي ألا زال مريضًا؟ أنفها أيضًا يتحرك هنا وهناك باحثًا عن الرائحة المألوفة، عن رائحة الصدر الدافئ المليء باللبن، ورائحة الشمس ورذاذ المطر فوق العشب، لكن أنفها أصبح عاجزًا أيضًا عن التقاط الرائحة. كل ما يستطيع أن يلتقط هو رائحة جسدها المكوم فوق المقعد، وذلك الجرح النازف بين ساقيها، رائحة الصديد والدم، وأنفاس عطنة وعرق عفن لعشرة رجال، لا تزال آثار أظافرهم فوق جسدها، وأصواتهم البذيئة وبصقاتهم وصوت مخاطهم، وأحدهم يقول لها وهو جاثم فوقها: هذه هي طريقتنا لتعذيب النساء؛ أن ننتهك أعز ما يملكن. كان جسدها من تحته باردًا كالجثة، لكنها استطاعت أن تفتح فمها وتقول له: يا غبي، إن أعز ما أملكه ليس بين ساقي! كلكم أغبياء! وأكثركم غباءً هو كبيركم.
مدت عنقها لترفع رأسها وتشق الضباب بعينيها الضعيفتين، الرءوس الكثيرة لا تزال متلاصقة، وعيناها لا تزالان تجاهدان. لو استطاعت أن ترى أمها لحظة أو أباها أو حتى أختها الصغيرة لقالت لهم شيئًا غريبًا، لقالت لهم إنهم كفوا عن استخدام هذه الوسيلة من التعذيب حين اكتشفوا أنها لم تكن لتعذبها، وبدءوا يبحثون عن وسائل أخرى.
في حجرة المداولة المجاورة للقاعة، كان القاضي وأعوانه لا زالوا مجتمعين، يتداولون الأمر، ماذا يفعلون الآن وقد صفق الجمع للمتهمة، وبدأ القاضي يوجه الاتهام بدوره:
– نحن لا نلقي عليك الاتهام يا أستاذ، ولكنك سببت لنا الحرج جميعًا، وعلى رأي المثل حاولت أن تكحلها فعميتها، كيف تقول يا أستاذ عنه — حفظه الله وأدامه على رأس هذه الأمة الكريمة مدى الحياة — إنه غبي!
– حاشا لله يا سيدي، أنا لم أقل ذلك، ولكني قلت إنها هي التي قالت إنه غبي.
– ألا تعرف يا أستاذ المثل الذي يقول ما شتمك إلا من بلغك؟ فأنت قد أعلنت على الملأ أنه غبي.
– أنا لم أعلن ذلك يا سيدي، أنا رددت ما قالته المتهمة لأثبت عليها التهمة، وهذه هي وظيفتي بالتحديد.
– هي وظيفتك يا أستاذ، نحن نعرف ذلك، ولكن كان يجب أن تكون أكثر ذكاءً وأكثر كياسة من ذلك.
– لا أفهم شيئًا.
– ألم تَرَ كيف صفق الناس لها؟
– وما ذنبي أنا؟
– ألا تعرف لماذا صفقوا؟
– لا أدري.
– لأنك قلت في العلانية ما يُقال في الخفاء؛ فأصبح وكأنما يقرر حقيقة بدلًا من أن يثبت تهمة.
– وماذا كنت أفعل غير ذلك يا سيدي؟
– كان يمكن أن تقول إنها سبَّت الذات العليا دون أن تقول ماذا قالت بالضبط.
– وإذا سُئلت عن أنواع هذا السباب؟
– لم يكن أحد ليسألك، لكنك تطوعت بالإجابة دون أن يسألك أحد، وكأنك انتهزت الفرصة لتقول بصوت عالٍ وعلى لسانها ما تريد أن تقوله أنت، أو ربما ما قلته لنفسك في الخفاء.
– أنا يا سيدي؟ أيمكن أن تتهمني بهذا الشكل؟! أنا أديت واجبي كما تمليه عليَّ وظيفتي، ولا يستطيع أحد أن يتهمني بشيء، ربما كنت «غبيًّا» لكني لم أكن بأي حال «سيئ النية».
– لكن «الغباء» أحيانًا قد يكون أسوأ من «سوء النية»، ألا تعرف أن «الغباء» أسوأ صفة يمكن أن يوصف بها رجل، فما بالك إذا كان رجلًا كهذا الرجل؟ إنه يفضل أن يكون ماكرًا كاذبًا لئيمًا داهية بل لصًّا أو خائنًا، أما أن يكون «غبيًّا»؟! الغباء معناه أنه «لا يفكر»، أي إنه بغير عقل؛ أي حيوان، وهذه أسوأ صفة يمكن أن يوصف بها رجل عادي، فما بالك إذا كان حاكمًا؟! وأنت لا تعرف الحكام يا أستاذ، أنا أعرفهم جيدًا، إن الواحد منهم يتصور أن عقله أفضل من عقل أي رجل آخر، إنه ليس تصورًا فحسب لكنه إيمان أعمى كالإيمان بالله، ومن أجل هذا الوهم يمكن أن يقتل الآلاف.
– لم أكن أعرف هذا يا سيدي، وكيف أنقذ نفسي من هذا المأزق؟
– لا أدري لماذا بدأت بصفة الغباء يا أستاذ، مع أنك لو قرأت كل أقوالها لوجدت أنها نسبت إليه صفات أخرى أقل بشاعة.
– وما هي هذه الصفات يا سيدي؟ أرجوا أن تساعدني في انتقاء بعض منها حسب خبرتك، إني لا أريد أن أخرج من هنا متهمًا بعد أن دخلت في الصباح لأوجِّه الاتهام.
– ولكن مثل هذه الصفات يا أستاذ لا يمكن أن تُقال هكذا في العلانية، لا بد أن تكون الجلسة سرية، إن أي صفة مهما كانت أقل بشاعة فسوف يكون لها صدًى داخل النفوس إذا ذُكِرَت في العلن؛ ومن أجل هذا وُجِدَت الجلسات السرية يا أستاذ، إن أمورًا كثيرة تغيب عن ذهنك، ويبدو لي أنك قليل الخبرة بالقانون.
بعد لحظات قليلة، دبَّ صوتٌ حادٌّ في القاعة، وأُخْلِيَت القاعة تمامًا، أما هي فقد ساقوها إلى حيث كانت من قبل.