رقصةُ السيوف في السُّور الأخضر
رقصة السيوف في السور الأخضر
في عهد زيزنغ (١٣٤١–١٣٦٧م)، كان هناك طاويان (ينتميان إلى الطريقة الطاوية) يُدعَيَان: زن بنويو (العدم-الأصلي)، ووين غوكسو (الفراغ-الطبيعي). وُلدا في أماكن مجهولة، ويُقيمان مؤقَّتًا في ضيافة الأمير ويشن (وهو قوسون بوقا من العائلة المالكة المغولية). وكانا يُتقنان جيدًا فنَّ المُسايَفَة، ومتضلِّعان في فهْمِ الاستراتيجية. وكانا يلقَّبان: ونو وكايي «عباقرة الآداب والسلاح». أما الأمير، فعلى الرغم من استضافته لهما، فإنه لم يسبق له أن وقَفَ على مواهبهما. ولكنَّ وي جونمي من فانكو وحده كان مطَّلِعًا على اقتدارهما.
ذات يوم، خرج الأمير إلى إحدى نزهاته في الضواحي. وطلَبَ من الطاويَين مرافقته؛ فانتهزا فرصةَ انفرادهما به لإطلاعه على بعض الأمور: «في الوقت الراهن، يسود الإمبراطورية سلامٌ تام، وهذا وضعٍ ممتدٌّ منذ وقتٍ طويل، والوفر والرَّفاه بلغا حدًّا أقصى. وفي نظَرِ سموِّكم فإنه وقتٌ ملائم لأنْ تنام قريرَ العين، ولاتِّباع الأهواء. وأفضل انشغالٍ هو التعاطي للموسيقى والنساء والخيل، ولا داعيَ بعدَ هذا للاهتمام بأيِّ شيءٍ آخَر! لكنْ، وفي نظَرِ الخادمَين البسيطَين الواقفَين في حضرتك؛ فإنِّ هذا كلَّه مبعَثٌ لأشدِّ القلق! إنَّ الإمبراطور «شندي، توهان، تيمور» آخِرُ إمبراطور مغوليٍّ (۱۳۳۳–١٣٦٧م) عجوزٍ وعنيد. والإمبراطورة «كي» هي أثيرته، صاحبة اليد المُطلَقة في كلِّ شيء. أمَّا «قاما»، «سوسوج»، «كومنسور» فإنهنَّ يُثرن بألاعيبهنَّ من السِّحر الجنسي؛ الرِّيبة والقساوة في قلب جلالته. بينما الرِّشوة تُمارس في واضحة النهار، ومفاهيم الخير والشرِّ انقلبتْ ظَهرًا على عَقِب! والسماء من فوقنا على أشدِّ ما تكون من الغضب، دون أن يستشعر القادة شيئًا. وفي الأسفل ثمَّة الشعب مسحوقٌ بالفاقة، وهم لا يعرفون ذلك مُطلقًا. أمَّا الحكومة، فتخبط خبطَ عشواء. وفيما يتكاثر الأنذال، يتوارى خيارُ الرجال عن الأنظار. إنَّ الهلاك وشيكٌ، مثل أحمالٍ ثقيلة من الكتب مرفوعة على رأس شَعرة، والكارثة يمكن أن تنزل في أيَّة لحظة. ونحن على حافة خطرٍ مهول. ولقد قال الحكيم سوكسوان مرةً: «حين توجد بذور الفوضى دون أن تَظهَر أعراضُها؛ فإنَّ هذا هو ما يُدعى بالفوضى الوشيكة.»
إنَّ سموَّكم عضوٌ مقرَّب من العائلة المالكة، وعماد الدفاع عن منطقة يانزجي ولاهان. ومن واجبكم استدعاء الرجال الفُضلاء الأكفاء، واختيار أقوم الضُّباط لتدريب الفِرَق، واتخاذ المخزون المالي والترشيد في النفقات. وباختصارٍ، أنْ تتَّخذوا سِريًّا كلَّ ما ينبغي من الاحتياطات. وبهذه الكيفية، فإنه إذا أُخذ العشب تحت هبوب ريح الاضطرابات، وإذا ما بدأتْ أركان العالم تهتزُّ؛ يكون سموُّكم قادرًا على إعلاء راية العدالة، ومُستنفِرًا لمواجهة المُلِمَّات. وهكذا يستطيع سموُّكم من عليائه، أن يخفِّف ممَّا يحسُّ به جلالته وأبوه من أخطار المُحدِقات. ومن الأسفل، تستطيعون الوفاء بواجب الابن وعضو الرعية؛ فتذهبون إلى استرجاع أراضي الصين واستعادة التراب المفقود.
وبعد استكمال هذه المهام، يكون مطلوبًا من شخصكم؛ الانسحاب بلا ضجيج، ودون مرح في الأرض. وبالْتماسٍ لا يزيد عن العودة إلى الأراضي لحراسة جنوب الصين لأجيال وأجيال. وما أكثر الحواديث العظيمة التي ستجعل المعلِّقين والمؤرِّخين يُعمِّدون سموَّكم بالعبقرية عبقرية العائلة المالكة لسلالة يوان العظيمة، ويحفظون اسمها في السِّجلات داخل صناديق من ذهبٍ محفوفة بعزٍّ يدوم لمَا لا يقلُّ عن عشرة آلاف عام! أوَليس هذا شأنًا عظيمًا؟ أوَليس فيه كلُّ الامتياز والفخامة؟»
غير أنَّ وقْعَ هذا الكلام كان غريبًا على مسمع الأمير، الذي عقَّب فورًا: «خبِّراني ألستُما مريضَين أوَبِتُّما أحمقَين؟ ماذا يعنيه هذا القول المبالَغ فيه؟ أُقسم لكما أنني سأحجزكما وأحيلكما إلى المحكمة!»
عند هذا التهديد، بقي الطاويان أخرسَين وتراجعا منسحِبَين، ثم تشاورا واستخلصا الآتي: «أيُّ نصحٍ يمكن أن يؤثِّر بعدُ في شخصٍ مدلَّل ومتعفِّن حتى النخاع، ومَن روحه ضائعةٌ وفِكرُه متبدِّد؟ فما المانع إذن من البحث في مكانٍ آخر عن بطلٍ نقترح عليه خدماتنا؟ وإنَّه لجهدٌ ضائع أن يُمحَّض النُّصح لمَن هو غبي! … وعلى كلٍّ، فإننا إذا لم نغادر من هنا، فإنَّ البلاء لنا بالمرصاد!»
وعند هذا القرار، وقبل أن يلوذا بالفرار، نقَشَا على سُور أصفر أمامهما بعض الأشعار … كتب «العدم-الأصيل» الرباعية التالية:
في حين ثنَّى «الفراغ-الطبيعي» برباعيتَين تقولان:
وأنْ نعامل هذا الأمير بطلًا لهو احتقارٌ مُر. وما إن أُحيط الأمير «ويشن» بالأمر، حتى أرسل مَن يتعقَّبهما، لكنْ دون جدوى. وبعد زمن وجيز، قامت الاضطرابات وعمَّت الفتنة، بالضبط كما توقَّع ذلك الطاويان.
في سنة ١٣٥٥م من عهد زيزنغ سيطر «ني ونجن» على ميانيانغ، فواجهه «باونو» ابن الأمير ويشن، وكذا قائد قوات إقليم هونان «أصلان»، في البر والبحر للقضاء عليه. وما إن بلغا المياه العميقة حتى غرقتْ سفُنُهما؛ فأحرقها ني ونجن مستعمِلًا قذائفَ مشتعلة، وقضى باونو نَحْبه هناك.
وحين تأمَّل الأمير ويشن هذه الكوارث كلَّها، وضَعَ كلَّ إمكانياته رهنَ العثور على الطاويين، ولكنْ عبثًا.
وإذ علِمَ شن يوليانغ أن الرجلَين يوجدان في منطقة واقعة بين غواجزو وهواتغزو؛ أرسَلَ إليهما كتابًا يستضيفهما فيه بكلِّ مجامَلة، غير أنهما استنكفا عن تلبية الدعوة، واختفيا متوجِّهَين إلى سشوان.
وبين حين وآخر، أصبح «منغ يوزن» سيِّدَ سشوان. وبما أنَّه كان على علمٍ، ومنذ وقتٍ طويل، بشُهرةِ الرَّجلَين، فإنَّه انصرف جاهدًا للبحث عنهما، ولكنْ دون أن يُدرك لهما أثرًا.
وعندما أكملَت السلالة العريقة «مينغ» قمع كلِّ العُصاة والمتمرِّدين، وأصبح كلُّ ما هو واقع بين البحار الأربعة كلًّا واحدًا؛ عيِّنَ «وي جونيان»، وهو الأخ الأكبر ﻟ «وي جونمي»، نائبًا مساعِدًا لمحافظ كسشونغ (في إقليم سشوان)؛ فتوجَّه جونمي إذن إلى هذه المُقاطَعة للقاء أخيه. غير أنَّه، وهو في طريق العودة، كاد يَنفُق؛ إذ غرق مركبه، وانتهى كلُّ مَن معه من بحَّارة إلى بُطون الحيتان! ووجَدَه جنمي متعلِّقًا بقطعةٍ خشبية. تقاذفتْه الأمواج إلى أن ألقتْ به إلى الضِّفاف بلا متاعٍ ولا مال. وبما أنَّه كان قد احتاط لأمره بأنْ خبَّأ في حِزامه الجلديِّ بعضَ القِطَع النقديَّة؛ فإنه انصرف يبحث له عن ملجأٍ عند فلَّاحٍ مُجاوِر. طلَبَ منه نارًا لتجفيف ثيابه، واشترى منه طعامًا سدَّ به جوعه، وهو لا يدري على أيِّ شيءٍ سيَلوِي.
ولقد تفطَّن الفلَّاح العجوز أمام منطق الرَّجُل وسيماه، أنه ليس إزاءَ شخصٍ غُفْل؛ فعامله بكلِّ ما يعرف ويملك من لياقة. ثم إنه بقي عنده لبضعة أيامٍ أُخرى. وذات مرَّة، ذهَبَ للنُّزهة وإذا بالطاوِيَين يظهران قُبالته على حين غِرة، ويحيِّيانِه قائلَين: «أيها السيد «وي»، إنَّ بلواك إذن لعظيمة!» فرفع إليهما بصره، ليتعرَّف على صديقَيه القديمَين: العدم-الأصيل، والفراغ-الطبيعي … وسرد عليهما مشاقَّه وما لحقه من بُؤس، غير أنَّهما بادرا إلى إسكاته: «لا عليك، ولا تشغل بالك بشيء.»
وعندها قاداه نحوَ مقرِّ إقامتهما المُنتصِب على جبل السُّور الأخضر؛ كانت الجدران عاليةً والمباني بديعةً، بممرَّات عميقة وغُرَفِ إقامة متباعدة، والعديد من الخادمات مصطفَّاتٌ بجانبها للخدمة. ثم ما أكثر الغناء والرقص حول هذا الجوِّ كلِّه!
وانصرف الطاويان للتَّذاكُر في شئُون الماضي مع الصديق الوافد. وكالعهد بهما، بدَت السعادةُ طافحةً من وجهَيهما. وهذا ما حدا وي إلى أن يسألهما كيف استطاعا النجاة من الفتن والاضطرابات؛ فأجابا قائلَين: «بعد أن غادرنا ضيافة الأمير، توجَّهنا إلى أحد المضايف. ومن هناك، قضينا وقتًا طويلًا مختبئَين بالسُّور الأخضر، ثم قابلنا فجأةً «روان-جي» ذي العيون الخُضر؛ فاحتفى بنا أيَّما احتفاء، بما نعجز حقًّا عن وصفه. بَيدَ أنَّ ما أجفلنا هو أن نكون، نحن أصحاب القلب الوثَّاب، قد فقدنا كلَّ حيويتنا، وألَّا يتحقَّق لنا أيُّ مشروع؛ ففي هذا العالم يمضي الوقت سريعًا، ونحن ننسرب فيه تائهين! وهكذا فأنت ترى أننا نعيش معتزلَين في هذا المكان دون أن نفعل شيئًا؛ ممَّا يُشعِرنا بالخجل أمام صديقٍ مثلك!»
ثم إنهما طفقا يَنخُبان برفقته، ويكرعان الكأس تلوَ الكأس، وقد أخذَت الخمرة جِماع عقلهما. وإذ طفحا، فإنَّ الكلام راح يسترسل؛ استلم العدم-الأصيل القولَ أولًا: «في شئُون هذا العالم، فإنَّ كلَّ شيءٍ مصدره «زيجي»؛ أن تتعرَّف على العلامات السبَّاقة. هذه العلامات، هي البداية الأولية المحدودة للأحداث، والتي نستطيع بواسطتها توقُّع الحسن من الضَّرر. يقول كتاب التحوُّلات: «هل التعرُّف على الأعراض يعدُّ أمرًا فوق الطبيعة؟» ويقول أيضًا: «الإنسان المتميِّز هو مَن يرى الأعراض ويتصرَّف؛ إنَّه لا ينتظر حتى ينتهي النَّهار!» ويقول المعلم «زيسي»: «في كلِّ هذه الأمثلة، بهذا يتعلَّق الأمر. منذ القِدَم وإلى يومنا هذا، لم نعدمْ وجود الشخصيات البطولية، لكن هل زاد عددهم عن أصابع اليد أو أكثر بقليل، ممَّن يتعرَّف على العلامات السبَّاقة؟»
وبالنسبة إليَّ، هناك في عهد «هان»، شخصية «زنج زيفانج». إنَّ سيرته مدوَّنة في تاريخ الحوليات، ولكنْ لماذا لا نتحدَّث جميعًا عن هذه العلامات السبَّاقة؟ ذلك أنَّه من بين وزراء مؤسِّسي عَهْد هان، لا نجِدُ أكفأ من ثلاثة أبطال على رأسهم زيفانج، بطل الأبطال! لقد هلك رفيقاه فيما عاش هو طويلًا، وعرَفَ كيف ينسحب في الوقت المناسب، إلى ربعٍ صغير مفضِّلًا بعد ذلك ألَّا يكون أبدًا البادئَ بالكلام. أوه، لشدَّ ما كان فنَّانًا في استباق الأحداث! والحقيقة إنَّ هذا ما يسمَّى بالذهن الوقَّاد!» … واستلم الفراغ-الطبيعي الكلام: «بالنسبة إليَّ، فقد وجدتُ بطَلِي الذي يُدعى «شن تونان» في عهد «سونج»؛ فخلال العهود والسلالات الخمسة حدثَت اضطرابات غير مسبوقة، ولو لم يتصدَّ لها أبطالٌ أشاوِس؛ لمَا عُرفتْ لها نهاية. أمَّا تونان، فقد كان يترقَّب ويرى العلامات السبَّاقة والمُنذِرة للأحداث، وكان له تخطيطٌ لمشروعٍ كبير. كان في جيئةٍ وذهابٍ بين منطقة الممرَّات ويويانغ، ولم يكُن فعله هذا لغايةِ التِّيه والمغامرة. وما إن سمِعَ بأن الوريث «زاوو كيانجين» صعد على العرش؛ حتى راح يُقَهقِه طويلًا إلى أن سقَطَ من على ظَهْر حماره! ولهذا السبب قال: «إنَّ مَن هو من علامة الخنزير؛ يرتدي، من الآن، الكسوةَ الصفراء الإمبراطورية!» وإذا ما اختبرنا العبارة البسيطة «من الآن»؛ سنرى أنَّه توقَّع كلَّ شيء.
وبعد هذا، وقد غادر العالم مشمِّرًا عن ساعدَيه، عاد إلى جباله ليعيش في شكل عُثَّة بين الغيوم البِيض والزهور البريَّة وزقزقة العصافير، تمامًا كما في مشهدٍ ربيعي. وإذا انسحَبَ في هذه الأجواء؛ لم يُعثر له بعدُ على أثرٍ. وهذا هو ما يُسمَّى بإسكان المهارة الفائقة في البلاهة المطلقة، وإخفاء الذكاء الكامل في قمة الغباء. وفي كل بلاد الصين، عرفه العهدُ الجديد من الخالدين. ولكنْ لا شيء غير ذلك! وكل ما عُرف عنه، هو أنَّه كان عُثَّة، ولا شيء غير ذلك. فمَن الذي كان قادرًا على سَبْر غَورِه؟ وبالقياس إلى زيفانج، فإنَّ تونان ليس أدنى مرتبةً، بل إنه يفوقه. وعدا هذا يقال بأنَّ البطل الذي يُدير رأسه «ويغير من سِيرته»؛ ينال الخلودَ في الحين. أليس هذا مدعاة للإيمان؟»
وقال جنمي: «سادتي، إنكم تنسون وتنمون طبعكم الجوهري في جبلٍ شهير وتزدرون الثروة والمَنصِب مثل أيِّ نافل. بَيدَ أنني لاحظتُ من الأطروحات العالية التي سمعتُ منكم؛ أنَّكم لستُم بعدُ قادرين على التخلِّي عن كلِّ جاذبية؛ فهل من الممكن ألَّا يُفسد هذا ممارسة التعبُّد؟»
فانفجر الطاويان ضحكًا وعقَّبا: «أيها السيد وي، اعتدنا أن تكون تقييماتُك من طرازٍ عالٍ. وها نحن نرى اليوم، من عجبٍ، أنها هشَّة؛ فكيف ذلك؟ ألَا فاعلمْ أنَّ التقنيات الخاصَّة بتغذية الأنفاس وحركات الدِّبَبة والطيور لتوجيه التنفُّس؛ في نُفايات ومرفوضة من الطاويين الخالدين! إنَّ ما نسمِّيه نحن بممارسة التعبُّد بعيدٌ بعيد عن كلِّ هذا.» وعندئذٍ فإنَّهما أخذاه لجولةٍ في إقامتهما التي كانت تعجُّ بالأَجْواخِ والحرير، والمذهبات واليواقيت. ووصلوا أخيرًا إلى نفقٍ في الجبل، حيث تبعثرتْ مئاتُ الجماجم. أشار إليها الطاويان قائلَين: «إنَّها كانت لأُناسٍ بلا شرف في هذا العالم، حجزناهم ونفَّذنا فيهم الموت!»
بينما استولَت الدهشة على جنمي إلى حدِّ أنَّه دلَّى لسانه، وبقي مُتدلِّيًا وقتًا قبل أنْ يسحبه!
وفي الغداة مدَّ الطاويان سماطًا بأشهى الأطباق على شرَفِ ضيفهما. قدَّمتْ خلاله فتاتان آيةٌ في الجَمال، عشرة أطباقٍ من العاج مليئة بالمجوهرات. ثم إنَّ جنمي، وقد عجز عن رفض الهدية، طفق يُهَمهِم: «نعم! نعم!» ويُجزل الشكر بلُطف. وبعدها تُبُودلَت الأنخاب حتى السُّكْر، وانطلقَت المعارضات الشِّعرية.
وفي اليوم التالي، استأذنهما جنمي بالذهاب؛ فقال الطاويان: «في أيام تانغ، كانت هناك «الخيط-الأحمر» … والآن توجد «الخيط-الأخضر» هي مَن سيرافقك.»
وها هي ذي فتاةٌ مليحة تتقدَّم، حاملةً على ظَهرها عُلبة البامبو، وفي أعقاب الطاويين، قادتْ جنمي على طريق السُّور الأخضر.
ثم إن الرجلَين تبادلا النظراتِ وقالا لجنمي: «لا أحد يعلم متى سنلتقي من جديد. ولذا، ولهذه المناسبة، سوف نؤدِّي رقصة!»
فتحَت الخيط-الأخضر العلبة التي أخرجتْ منها أربع كُراتٍ في حجم بيضةِ الدجاجة. والحال أنها كانت سيوفًا مذكَّرة ومُؤنَّثة، فأخذها الطاويان وشرعاها، وراحا يلوِّحان بها ويرقصان. وفي لحظةٍ واحدة، ادلهمَّت الأرضُ مع السماء. اختلطَت الرياح بالغيوم. ووسط زوابع الغُبار، لم تكُن تظهر سوى خيوطٍ متقطِّعة من نُور.
بقي جنمي، الذي يرتعش من الخوف، مسمَّرًا في مكانه. ثم الْتفت جهةَ الدار، فلم يرَ إلا الفراغ والوِهاد، ولا أيَّ طريق. أحسَّ جنمي كأنَّ موسى حادَّة تحزُّ عُنقه، وأنَّه يكاد يهوي إلى الأبد.
وحين انتهَت الرقصة، كان الطاويان قد اختفيا. ووحدها الخيط-الأخضر باقيةً إلى جانب جنمي. ثم إنَّها فتحتْ كيسًا جِلديًّا، وسكبت منه خمرًا شرباها معًا. وحين حلَّ الظلام، أخذتْ جنمي وقادتْه نحو الجنوب الشرقي. وفي الليلة الثالثة، بلغا بيتًا. كلُّ ما استطاع جنمي أن يراه؛ هو الذَّهَب والمجوهرات على السرير، بينما اختفت الخيط-الأخضر. ولم يستطع أن يعرف مُطلقًا بأيِّ سِحرٍ عجيب وقَعَ كلُّ هذا.
وفي سنة ١٣٨٧م من عهد هونغو، رَوَى شان جونجكسيان، وهو صهرٌ لجنمي وموظف بالخزينة، رَوَى ذات مغامرةِ صِهره، التي توافقتْ بالضبط مع هذه الحكاية.