تصدير
هذا كتابٌ فريد، وهو يسُد فراغًا هائلًا في المكتبة العربية؛ إذ يعرض لجميع طيور مصر المُستوطِنة والزائرة، ويستقي مادته من المصادر الأصلية، وأهمها الرصد والمشاهدة والفحص قبل الرجوع إلى الكتب المتخصصة، ويقدِّم أسماءَ جميع تلك الطيور بالإنجليزية والعربية، إلى جانب أسمائها العلمية باللاتينية، حتى يكون مرجعًا للمتخصص والقارئ العادي على حدٍّ سواء، ويتضمن رسومًا توضيحية وصورًا بالألوان لجميع هذه الطيور من رسم المؤلِّف نفسه وتلوينه.
لقد كانت حياة المؤلِّف — والدي رحمه الله — حياةً فريدة مثل هذا الكتاب؛ إذ توفَّر على الدرس والاطِّلاع طول عمره غير آبهٍ بمنصب أو مال، بل لقد أنفق كل ما ورثَه من مالٍ وفير في هذا الباب دون غيره؛ إذ اقتَنى آلاف الكُتب، وقرأ التراث العربي والإسلامي حتى استوعَبه، واشترى قطعةً من الأرض الرملية في رشيد — البلد التي وُلد فيها ونشأ — فأحالها جنةً غنَّاء حتى تَهويَ إليها أفئدةُ الطير من كل مكانٍ فيأتَنِس بها ويرقُبها عن كثَب، وكان يَرى في الطير المثَلَ الأعلى للحرية والجمال، وهو المثَل الذي اهتدى به في حياته فشَقِي وأشقَى؛ إذ تغيَّر العالَم سريعًا بعد الحرب العالمية الثانية، وفقَد ذلك المثال أنصاره واحدًا بعد الآخر.
واحترامًا لذكراه لم أغيِّر حرفًا واحدًا مما كتَبه في هذا الكتاب، وأبقيتُ على مقدِّماته له كما هي، وظنِّي أن الكتاب يمثِّل، في مجموعه، صورةً للعلم والعالم في فترةٍ خصبة من حياة هذه الأمة الصالحة، كما كان العقاد يقول.
وأخيرًا فإنني لا بُد أن أتقدَّم بالشكر الجزيل إلى زميلي وصديقي الدكتور سمير سرحان، رئيس هيئة الكتاب، الذي أبى إلا أن يخرج هذا الكتاب في هذه الصورة البديعة، حتى يكون مصدَر فخرٍ لكل مصري، ودليلًا على عظمة العقل المصري وقوَّته وثرائه. ولا غرو؛ فسمير سرحان أستاذٌ جامعي مرموق، وفنَّانٌ أصيل، قبل أن يكون راعيًا للعلم والمعرفة على رأس الهيئة التي نعتزُّ بها جميعًا.
ولا يفوتُني أن أشكُر العاملين في هيئة الكتاب، ممن تابعوا طباعتَه وإخراجَه بالصورة اللائقة؛ إذ أولَوه من حماسهم ومن وقتهم ما هو جديرٌ به.
وبعدُ، فإذا كان في الكتاب هَنَاتٌ فأرجو من القارئ أن يغفرها؛ فالخطأ من سمات الإنسان، وأرجو أن نتداركَها في الطبعات التالية، والله وليُّ التوفيق.
الأستاذ في جامعة القاهرة
(القاهرة ١٩٩٠م)