أكلَتْه التماسيح!
كانت كلمات رقم «صفر» تخرج من فمه في بطء وتثاقُل، ولكنها كانت حاسمةً … وحافلةً بالألم … وكان يُوجِّه حديثَه إلى «أحمد» و«عثمان» و«رشيد» فقط.
فقال لهم: لقد اختفَى رجلٌ من أبرز أعواننا … وقد كنتُ أحبُّ هذا الرجل حبًّا كبيرًا … فقد عَمِلنا معًا في مختلف أنحاء أفريقيا … وقد كنَّا نُطلق عليه اسمَ «قلب الأسد»؛ فقد كان شجاعًا وكريمًا … وعندما أُنشئَت منظمة الشياطين اﻟ «١٣» طلبتُ منه الانضمامَ إلينا … وقد قَبِل على أن يبقى في قلب أفريقيا يحارب الظلم والفساد ويدافع عن المظلومين والمضطهدين هناك …
وسكَت رقم «صفر» لحظاتٍ، ثم قال: لقد كان «موانجا» صديقًا عزيزًا … أوقع بعدد من العصابات الشرسة التي تتعامل في الماس … وقد كانت معلوماتُه دائمًا دقيقة، ونشاطه لا يتوقَّف … وكان ماهرًا للغاية في استخدام مختلف الأسلحة … خاصةً الخناجر والسهام، وكان يعرف أفريقيا كما يعرف الإنسانُ راحةَ يده …
وساد الصمتُ لحظاتٍ، ثم قال رقم «صفر»: وقد نشرَت الصحفُ الصادرة صباح السبت الماضي أن «موانجا» قد مات … سقط في النهر ومزَّقَتْه التماسيح … وقد شَهِد على ذلك ثلاثةٌ من المواطنين … شاهدوه وهو يسقط في النهر … وسَمِعوا صرخاتِه عندما مزَّقَته التماسيح ولم يُسفِر التحقيق الذي قامَت به السلطات هناك عن شيء … ولكني غيرُ مقتنعٍ بذلك.
إن «موانجا» ليس هو الرجل الذي يمكن أن يقع في مثل هذا الخطأ … لهذا أطلب إليكم أن تسافروا فورًا إلى «نيروبي» … اذهبوا إلى منزله … إن له ابنةً وحيدة … اسألوها عن تصرُّفات أبيها قبل الحادث … وأترك لكم حرية التصرف هناك … المهم أن تَصِلوا إلى الحقيقة … وبأسرع ما يمكن ويمكنكم الحصول على ملف «موانجا» من قسم الأبحاث والمعلومات … وأتمنَّى لكم التوفيق.
عقد الشياطين اجتماعًا عاجلًا … وتقرَّر أن يقوم «رشيد» بوضع ترتيبات الرحلة وأن يقوم «عثمان» بإعداد الأسلحة اللازمة … بينما يقوم «أحمد» بدراسة ملف «موانجا».
وبعد ساعة كان «أحمد» مستلقيًا على فراشه، وبين يدَيه ملفٌ «أصفر» عليه نجمة حمراء دليل السرية … وكان يقرأ قصة «موانجا» … فعرف ما يريد معرفته عنه … وأُعجب كثيرًا بمواقِفِه وأخذ صورةً حديثة له … كان عملاقًا في الخامسة والخمسين من عمره … باسمَ الوجه … مفتولَ العضلات … في وجهِه أثرُ جرحٍ واضح … وفي عينَيه بريقُ القوة والتصميم.
في صباح اليوم التالي انفتح الباب الصخري الرئيسي في مقر الشياطين اﻟ «١٣»، وانطلقَت سيارة يقودها سائقٌ إلى أقرب مطار من المقر … حيث استقلَّ الشياطين الثلاثة «أحمد» و«عثمان» و«رشيد» الطائرةَ المتجهة إلى القاهرة … وقضَوا ساعتين في المطار في انتظار الطائرة المُسافرة إلى «نيروبي» عاصمة «كينيا» …
وعندما بدأت الطائرة تهبط في مطار «نيروبي» الدولي، أطلَّ «أحمد» و«عثمان» و«رشيد» على المدينة فبدَت وكأنها قد غمرَها فيضٌ من الألوان الزاهية المتداخلة … وبدَت الأشجار وهي تتلألأ في الأضواء المتقاطعة كأنها قِطَع من الزجاج … وكانت الوديان الواسعة تُشكِّل خريطةً طبيعية كأنها مجموعةٌ من الأفاعي تزحف على الأرض، وبينها ظهَرَ الأُخدود الكبير الذي يمتدُّ على بُعد ثلاثين ميلًا شمال غربي «نيروبي» واضحًا شديد الوضوح، وتبدو حوافُّه العمودية على ارتفاع ١٥٠٠ قدمٍ.
لم يكن هناك أحدٌ في انتظارهم … فاستقلُّوا سيارةَ أجرةٍ، وطلبوا من السائق أن يختار فندقًا مناسبًا …
وسارَت السيارة القديمة وسط طرقات المدينة التي تُظلِّلها الأشجار حتى وصلوا إلى قلب المدينة في المساء … واختار لهم السائقُ فندقَ «القرد الضاحك» للنزول فيه … وكان ذلك الاسمُ مثارَ تعليق الشياطين الثلاثة …
كان فندقًا مثاليًّا رغم اسمه الغريب … فقد كان يتكوَّن من مجموعة من الأكواخ «بنجالوز» تفصل بينهما الأشجار والزهور … وكان الجوُّ حارًّا رطبًا … ولكن «البنجالوز» كانت مكيفة الهواء …
استقرَّ الشياطين في كوخَين متلاصقَين … نزل «رشيد» و«عثمان» في واحد … ونزل «أحمد» في الآخر … وسرعان ما كان «أحمد» يُمسك بجهاز التليفون، ويطلب «موانزا» وهي الفتاة الصغيرة ابنة «موانجا».
وأخذ جرس التليفون يدقُّ في الجانب الآخر مرارًا دون أن يردَّ أحدٌ، وأحسَّ «أحمد» ببعض القلق … ولكن من الممكن أن تكون «موانزا» الصغيرة في مكان ما تقضي بعض حاجاتها.
وأخرج صورتها … كانت في السادسة عشرة من عمرها تقريبًا … طويلة القامة مِثْل أبيها … ولكنها نحيفة … وكان وجهها يعكس طِيبةً … ورقَّةً وذكاءً واضحًا …
هبط الظلام مسرعًا على «نيروبي» عاصمة «كينيا» … وكان الشياطين الثلاثة قد قرروا أخْذَ راحةٍ لمدة ساعة بعدها يخرجون للتجوُّل في المدينة الساحرة …
ولكن عندما التقَوا، قال «أحمد»: إنني أُفضِّل العمل فورًا!
عثمان: هل اتَّصلتَ ﺑ «موانزا»؟
أحمد: اتَّصلتُ بها … ولكن لا أحدَ في المنزل يردُّ … لهذا أرى أن نذهب إلى هناك!
رشيد: فكرةٌ طيبة … هل معك العنوان؟
أحمد: نعم … لقد أخذتُ كلَّ المعلومات التي تلزمنا عن «موانجا» من الملف!
واشترى الشياطين الثلاثة خريطةً للمدينة من استعلامات الفندق، وخرجوا … كانت الشوارع مزدحمةً في هذا المساء المبكِّر … فمشَوا إلى أقرب محلٍّ لتأجير السيارات … واختاروا سيارةً من طراز «أوستن» الإنجليزية الصُّنع، وبعد أن فحصوا الخريطة بضعَ مراتٍ استطاعوا تحديدَ مكان منزل «موانجا»، وكان يسكن في شارع فيكتوريا، وهو شارعٌ رئيسي في قلب المدينة …
قاد «عثمان» السيارة الأوستن بينما كان «رشيد» يحدِّد الشوارع … واستغرق «أحمد» في تفكيرٍ عميق وهو يتفرَّج على الشوارع المزدحمة.