في غرفة «موانجا»!
عندما وصلوا إلى منزل «موانجا» كانت الساعة تُشير إلى التاسعة مساءً … والشارع شديد الازدحام … ولا مكان لوقوف السيارة … لذا قال «أحمد»: عليكما الطواف بالسيارة نصف ساعةٍ … ثم عودَا لمقابلتي أمام دار السينما المجاورة للمسكن!
نزل «أحمد» من السيارة واتَّجه إلى المسكن … كان يقع في بنايةٍ قديمة مكوَّنةٍ من ثلاثة طوابقَ … يشمل بعضُها على عيادات أطباء ومكاتب محامين … وكان مسكن «موانجا» يقع في الطابق الثالث.
صَعِد السلَّمَ متمهلًا وسطَ عددٍ كبير من الناس يصعدون وينزلون، وعندما وصل إلى الطابق الثالث وجده مكوَّنًا من شقَّتَين إحداهما مكتب للاستيراد والتصدير … كان بابُه مغلقًا، ولكن النور مُضاء في المكتب ويدل على وجود الموظفين في الداخل.
وكانت الشقة المقابلة هي شقة «موانجا» … لم يُضِع «أحمد» وقتًا … أخرج أدواته الدقيقة، ووضعها في ثُقب المفتاح … ولدهشته الشديدة فُتح الباب فورًا … فالباب لم يكن مغلقًا بالمفتاح … دخل كالشبح، وأغلق الباب خلفه … ووقف لحظات ساكنًا يستردُّ أنفاسه المتسارعة ثم أضاء كشافًا صغيرًا وأدار ضوءَه الرفيع في أنحاء المكان…
كانت صالةُ المنزل مفروشةً بأثاث قديم … ولكنه جيد … وبها مكتبة توضح أن سكان البيت من هواة القراءة … وتحرَّك «أحمد» إلى بقية الغرف، وأخذ يفتحها واحدةً … واحدة … كان هناك ثلاثُ غُرَفٍ؛ اثنتان للنوم … والثالثة غرفةُ طعام …
اختار «أحمد» أن يدخل غرفة نوم «موانجا»؛ حيث كانت ملابسه ما زالت مُعلَّقةً في جانب منها. فتأكَّد أولًا من إغلاق النوافذ جيدًا ثم أسدل الستائر وأضاء النور …
كانت الغرفة نظيفةً ومرتَّبة … وتكشف عن شخصية رجل شديد النظام … فكل شيء في مكانة بالضبط … وهناك بضعةُ كُتُبٍ بجوار الفراش … وعددٌ من العِصيِّ من أنواعٍ مختلفة … وكان الفراش متسعًا ومريحًا … وكان هناك أيضًا دولابًا صغيرًا مما يُستخدَم لحفظ الملفات.
وأخذ «أحمد» يتأمَّل كلَّ شيءٍ بدقة، فرغم النظام الذي يسود الغرفة؛ فقد كان من الواضح أن يدًا عبثَت بها … وأن شخصًا ما دخل هذه الغرفة وفتَّشها تفتيشًا دقيقًا، وأعاد كلَّ شيء إلى مكانه …
مَن هو هذا الشخص؟!
وعن أيِّ شيءٍ كان يبحث؟!
وهل وجد ما كان يبحث عنه؟
وأخذ «أحمد» يُدقِّق النظر في الأتربة الخفيفة التي غطَّت الغرفة بعد أن غاب صاحبها … فوجد في بعض الأماكن أتربةً خفيفة … وفي بعضها ثقيلة … الأتربة الثقيلة قديمة … الأتربة الخفيفة في أماكن مختلفة أحدث … وكان أكثرها على الدولاب الذي تُحفظ فيه الملفات … وهذا النوع من الدواليب لا يمكن فتْحه إلا لخبير … فهو من النوع الموجود في المقر السري للشياطين اﻟ «١٣» …
وكان «أحمد» مُدرَّبًا على فتح هذا النوع من الدواليب … ولكي يفتح هذا الدولاب لا بد أولًا من تحريكه من مكانه … ثم دفعه إلى الخلف حتى يستند على الجدار … حيث يوجد في القاع مسمارٌ صغير جدًّا لا يُرى، ولا يمكن العثور عليه إلا بالتحسُّس … ولا بد أن يكون مكانه معروفًا لمَن سيفتح هذا النوع من الدواليب …
حرَّك «أحمد» الدولاب حتى أصبح قربَ الحائط تمامًا … ثم أمالَه إلى الخلف … ومدَّ أصابعه يتحسَّس قاع الدولاب من أسفل حتى اكتشف مكان المسمار … وأخرج من جيبه أداةً دقيقة … أخرج بها المسمار إلى نهايته … وسمع تكَّةً خفيفة … فقد خرج العامود الذي يخرج عند إغلاق الأدراج … ودفعه «أحمد» في الاتجاه المعاكس، وأخذ يفتح الأدراج واحدًا وراء الآخر.
في الدرج الأعلى عثر «أحمد» على مجموعةٍ من الخرائط، وضعَها على الفراش وأخذ يتأملها، كانت تشمل منطقة واسعة تضمُّ مجموعة الدول التي تُحيط ببحيرة «فيكتوريا» ثم هناك خطٌّ طويل مرسوم بالقلم الرصاص يمتدُّ من «نيروبي» إلى «جوهانسبرج» في جنوب أفريقيا … ثم بعض الخطوط الخفيفة التي لم يستطع أن يتبيَّنَها على ضوء المصباح الرفيع … ولكنه لاحظ أن هناك علامةَ استفهام عند التقاء الخطوط قربَ صحراء «كلهاري» … وكان «أحمد» في أشد الحاجة إلى أَخْذ هذه الخرائط، ولكنها كانت من الضخامة بحيث يصعب الخروج بها دون أن يلفت الأنظار …
أخذ يفكِّر لحظاتٍ … ثم أعاد الخرائط إلى مكانها … وأخذ يفتح الأدراج واحدًا وراء الآخر … كان بالدرج الثاني مجموعةٌ من الملفات السوداء … تصفَّحها بسرعةٍ … وكانت تحوي معلوماتٍ دقيقة عن شخصيات أفريقية بعضها معروفٌ، وبعضها مجهولٌ … وكان على بعضها علامة «×»، وكان بالدرج الثاني أيضًا مجموعة من الأحجار البرَّاقة … أخذ «أحمد» يفحصها بدقة … وتأكَّد أنها عروقٌ من صخور بها فصوص دقيقة من الماس.
وفي الدرج الثالث وجد مجموعةً أخرى من الملفات … كانت موضوعةً داخل مظروفٍ من الجلد السميك، وقد أُحيطت بسلسلةٍ لها قفلٌ … ولم يكن عند «أحمد» وقتٌ للاطلاع عليها … وفي الدرج الرابع والأخير كانت هناك مجموعةٌ من الأسلحة … خناجر … مسدسات وبعض الأنابيب البوص التي تُستخدم في قذف السهام المسمومة … وكانت هناك آلةُ تصويرٍ صغيرة الحجم وبجوارها مجموعةٌ من الأفلام.
نظر «أحمد» إلى ساعته … كانت التاسعة وخمسًا وعشرين دقيقة، وقد بقيَ له خمس دقائق فقط … وفكَّر لحظاتٍ … ثم أخذ مجموعة الأفلام ووضعها في جيوبه … ثم أغلق أدراج الدولاب واستدار ليخرج … لكنه سَمِع صوتًا خفيفًا يصدر من الباب الخارجي للشقة …
أطفأ نورَ مصباحه مسرعًا … ثم قفز إلى جوار الدولاب ووقف يُنصِت … كان ثمة شخصٌ قد فتَح الباب الخارجي للشقة، ودخل.
ظلَّ «أحمد» واقفًا في مكانه وهو يفكِّر في الشخص القادم مَن يكون؟!
تحرَّك الشخص في المكان بطريقةٍ تؤكِّد أنه ليس غريبًا … كان يمشي بثقةٍ … وأضاء الأنوار … وأدرك «أحمد» أنه شخصٌ من أهل المنزل … فمَن يكون يا تُرى؟! …
وكيف يُبرر وجوده في المنزل؟! ويبرر كيف دخل؟! …
وظلَّ «أحمد» ينتظر وقد أخرج مسدسه، واستعدَّ للأحداث القادمة …