موانزا!
اقترب «أحمد» من باب الغرفة على أطراف أصابعه … ونظر إلى الصالة … لم يكن هناك أحدٌ، وقرر أن يجتاز الصالة سريعًا إلى باب الخروج. وعندما خطَا إلى الصالة سَمِع صوتًا رقيقًا يقول له: ارفع يدَيك … ولا تتصرَّفْ بحماقة!
أحسَّ «أحمد» في نغمة الصوت الناعم الهادئ شيئًا إنسانيًّا، والتفَت إلى صاحبة الصوت، كانت فتاةً رائعةَ الحُسن … سمراء … ترتدي «البلوجينز» وتَحمِل في يدها مسدسًا صغيرًا.
قال «أحمد»: «موانزا»!
ردَّت الفتاة: مَن أنت؟
أحمد: إنَّني صديقٌ قادمٌ من بعيدٍ!
موانزا: من القاهرة!
أحمد: كيف عرفتِ؟
موانزا: كان لأبي أصدقاء في القاهرة!
أحمد: أين كنت؟
موانزا: أبحث عن قتلةِ أبي!
أحمد: هل مات حقًّا؟
موانزا: لا أحدَ يعرف الحقيقة … ولكنْ ثمة شيءٌ حدَث في النهر … ربما نَصِل عن طريقه إلى الحقيقة!
أحمد: كيف؟
موانزا: أولًا: هل أنت وحدك؟
أحمد: معي صديقان في انتظاري بالسيارة!
موانزا: أمام الباب؟
أحمد: لا … أمام دار السينما المجاورة.
موانزا: من أيِّ نوع من السيارات؟
أحمد: «أوستن صفراء».
موانزا: إنَّني أريد أن أتحدَّث إليك طويلًا … هناك معلوماتٌ هامة!
أحمد: وأنا أيضًا!
موانزا: سأنزل لأصرف صديقَيك وأعود فورًا!
نزلَت «موانزا» مُسرعةً إلى الشارع … ثم عادَت بعد دقائق … وقالت: إنَّهما سينتظرانك في الفندق!
أحمد: والآن ما هي معلوماتك؟
موانزا: كنت على وَشْكِ أن أتعشَّى … هل تأكل معي؟
أحمد: لا بأس!
موانزا: بعض الساندويتشات!
أحمد: هذا يكفي!
قالت «موانزا»: إذن هيَّا بنا إلى المطبخ!
سار خلفها إلى مطبخٍ أنيق … واسع … مكيَّف الهواء، وقَدَّمت مجموعةً رائعة من الساندويتشات وأخذَا يتحدثان في أمورٍ كثيرة بينما قالت «موانزا»: هل تعلم أنهم عثروا على جمجمة أبي؟
كادت اللقمة تقف في زور «أحمد» عندما سَمِع كلمة «جمجمة»، ثم قال: كيف؟
موانزا: لقد استطاع أحدُ الصيادين أن يصطاد التمساح الذي التهمَ أبي!
أحمد: معنى ذلك أنه مات فعلًا!
موانزا: انتظر … سوف نعرف إذا استطعنا العثور على الجمجمة!
أحمد: كيف؟
موانزا: كان أبي يتردَّد على طبيب أسنان، وعند هذا الطبيب نموذجٌ من الجبس للفكَّين … فإذا استطعنا العثور على الجمجمة يمكن أن نقارن بين النموذج وبين الفكَّين … فلعلنا نَصِل إلى الحقيقة!
أحمد: وأين الجمجمة الآن؟!
موانزا: ما زلتُ أبحث عن الصياد … وكالعادة فإنَّ هؤلاء الصيَّادين إذا عثروا على جمجمةٍ سارعوا ببيعها إلى أحد السحرة في الغابة!
أحمد: هل كنتِ الآن تبحثين عن الصياد؟
موانزا: نعم … وقد قالوا لي إنَّه صَعِد في النهر، أي ابتعد إلى فوق … ومعنى ذلك أنَّه ذاهب … وأنَّه سيغيب طويلًا!
أحمد: هل نستطيع أن نلحق به؟ وهل عرفتَ اسمه؟
موانزا: نعم … اسمُه «كالي جالي»، وهو من أصلٍ هندي كما تعرف، فإن عددًا كبيرًا من الهنود يعيشون هنا!
أحمد: بالطبع فهو يستخدم قاربًا عاديًّا!
موانزا: نعم … وإذا استأجرنا قاربًا بخاريًّا يمكن أن نلحق به!
أحمد: وماذا ننتظر؟
موانزا: إن ثمة شخصًا أو أشخاصًا يتبعونني طول الوقت، وأعتقد أنَّهم يبحثون عن شيء تركه أبي … وقد اتصلوا بي مرارًا وعرضوا مبلغًا كبيرًا من المال إذا سمحتُ لهم بتفتيش أوراق أبي … ولكني رفضت!
لم يردَّ «أحمد»، واستغرق في التفكير لدقيقة كاملة، ثم قال: هل تعرفين الأشخاص الذين يتصلون بكِ؟
موانزا: إن الصوت مألوفٌ لديَّ … وأعتقد أنَّه شخصٌ كان يعرف أبي، وكان يتصل به دائمًا … وقد رددتُ على بعض مكالماته التليفونية أيامَ كان أبي حيًّا!
أحمد: هل عندك أية استنتاجات حول هذا الرجل؟
موانزا: أنت تعرف أن أبي كان رجلًا وطنيًّا، وكان يُساعد حركاتِ التحرُّر في القارة الأفريقية. وأنَّ له أعداءً كثيرين لهذا السبب، وإذا كان قد مات … فلا بد أن لموته علاقةً بهذه الحركات التحررية!
أحمد: هل من المعقول أن أشخاصًا يساعدهم السيد «موانجا» هم الذين يقتلونه!
موانزا: لا أقصد هذا طبعًا، أقصد أنهم من الاستعماريين الذين يحاربون حركاتِ التحرر!
أحمد: إن هذا مُهمٌّ جدًّا بالنسبة للبحث عن أبيك سواء أكان حيًّا أم ميتًا!
موانزا: إن المشاجرة التي تمَّت مع أبي مشاجرةٌ مفتعلة … لقد كان رجلًا هادئَ الأعصاب ولا يمكن أن يشترك في مشاجرة من هذا القبيل!
أحمد: ولكن لماذا وَثِقتِ بي؟
موانزا: من الواضح أنَّكَ موضعٌ للثقة، وما دمتَ من القاهرة فلا بد أنك جئت تبحث عن أبي … أو عن حقيقة موت أبي!
أحمد: هذا صحيح … والآن … متى يمكننا الإبحار خلف الصياد؟
موانزا: ليس الآن طبعًا … أفضل وقت هو الفجر … هل أنتم جاهزون؟
أحمد: طبعًا!
موانزا: سأمرُّ عليكم الساعة الخامسة صباحًا، وسوف أكون قد جهَّزتُ كلَّ شيء!