أرض الأقزام!
في الخامسة تمامًا كان الشياطين الثلاثة يقفون أمام الفندق، ولم يكن ثمة إنسانٌ في الطريق في هذه الساعة المبكِّرة … عندما سَمِعوا صوتَ سيارةٍ قادمة نحوهم ثم توقَّفَت أمامهم.
كانت سيارة من طراز «إنش روفر» حمراء اللون … وانطلقت بهم في اتجاه النهر … وقد أحسَّ الشياطين أن هذه الفتاة الصغيرة فيها صلابة الرجال، وأنها شديدة الذكاء … فقد أحضرت معها بنادقَ خاصَّةً بصيد التماسيح استعدادًا لرحلة النهر.
ووجدوا أنَّها أعدَّت زورقًا بخاريًّا قويًّا للإبحار … وأنَّها أعدَّت الطعام وكلَّ شيء … حتى الأدوية الخاصة بأمراض المناطق الحارة.
قال «أحمد»: إنَّكِ رائعة حقًّا يا «موانزا» … فقد أعددتِ كلَّ شيء!
موانزا: لقد علَّمني أبي أن النظام هو نصف النجاح … وقد كنت على وشكِ أن أقوم بهذه الرحلة وحدي … وأعددتُ كلَّ شيء … وهذا سبب غيابي أمس!
قفزوا إلى الزورق … بعد أن أخفَوا السيارة في الأعشاب الكثيفة التي تُحيط بالنهر … وأدار «عثمان» المحرِّكَ، وانطلق القارب في غسق الفجر، مضاء الأنوار؛ فقد كان الضباب يُخفي كلَّ شيء!
دار الحوار بين الأربعة عن «موانجا» وكانت «موانزا» ثابتةَ الأعصاب وهي تتحدَّث عن أبيها وقالت: إن في قلبها إحساسًا كبيرًا بأن أباها لم يَمُت … وأنَّه لسببٍ أو لآخر مختفٍ في مكانٍ ما!
وبعد ساعةٍ كانت الشمس تحاول النفاذ من بين طبقات الضباب الكثيف … وقالت «موانزا»: سندخل الآن إلى أراضِ «الكيكويو»، وهي القبيلة التي تسيطر على الحياة في الغابة!
رشيد: أسمع أن هذه منطقة الأقزام أيضًا!
موانزا: لم نَصِل بعدُ إلى أرضِ الأقزام … لقد أحضرتُ لهم مجموعةً من الحُليِّ والأقمشة حتى لا يهاجمونا!
ومضى القارب سريعًا، ووجهتُه ميناء «كيومو» على شاطئ بحيرة «فيكتوريا» … وكان النهر رفيعًا، سريع الجريان … وكان الزورق يسير مع التيار فاشتدَّت سرعتُه …
ولكن عندما توغَّلوا في النهر … بدأ مجراه يضيق تدريجيًّا … وتزايدَت الأعشاب البحرية حتى كادت تعوق سَير الزورق.
وعندما وصلوا إلى منحنًى في النهر ضيقٍ جدًّا … بدأت التماسيح الضخمة تتحرك نازلةً من على الشواطئ بأعدادٍ ضخمة تكاد تسدُّ مجرى النهر …
وقالت «موانزا»: لا بد من طردهم وإلَّا … وأمسك كلٌّ من «أحمد» و«رشيد» بندقيةً وكذلك فعلَت «موانزا» وبدأ إطلاق النار على حشد التماسيح التي أخذت تضرب المياه بذيولها القوية …
لم يكن هدفهم قتْل التماسيح … فقط إبعادها عن القارب … وفي هذه اللحظات لاحظت «موانزا» انعكاسَ أضواءٍ كأضواء المرايا قادمة من الشاطئ … وأشارت بالكفِّ عن إطلاق الرصاص …
وساد الصمتُ إلَّا من صوت رزاز المياه الصاعد من ذيول التماسيح التي سارعَت بالفرار إلى الشاطئ هربًا من الرصاص …
وفجأةً صاحت «موانزا»: انبطحوا!
وانبطح الثلاثة مسرعين، وأوقف «عثمان» محركَ القارب وانهالَت السهام على القارب من اتجاه الضوء …
وقالت «موانزا»: إنهم الأقزام!
أحمد: لنذهب إلى الشاطئ الآخر!
وأدار «عثمان» المحرك مرةً أخرى، وأخذ ينظر في ساعته حتى استطاع أن يَصِل بالقارب إلى الشاطئ الآخر للنهر … وأصبحوا بعيدين عن مرمى السهام …
سحبوا القارب إلى الشاطئ، وقفزوا منه، وقالت «موانزا»: عجيب ما يحدث الآن؛ فعادةً لا يقوم الأقزام بالهجوم إلا بعد أن يتأكدوا من القادم.
أحمد: لعلَّ عندهم معلوماتٍ عنَّا!
موانزا: ليس هذا مستبعدًا!
أحمد: لقد قطعنا مسافةً طويلة … ولعلَّ الصياد …
وقبل أن يُكملَ جملته، كانت «موانزا» تقول وهي تنظر من خلال النظارة المكبرة: إن قارب الصياد على الشاطئ الآخر … فالأقزام يعيشون داخل الغابة … ولهم نوعٌ خاص من القوارب …
وأمسك «أحمد» بالنظارة المكبرة ونظر إلى الشاطئ الآخر، فشاهد القارب الأبيض … وشاهد مجموعةً من الأقزام تختفي وراء الأشجار … تنعكس عليهم أشعةُ الشمس نتيجة قِطَع الزجاج الملونة التي يلبسونها …
وقفت «موانزا»، وأخرجَت قطعةً من القماش حمراء اللون وأخذَت تلوِّح بها … ومن الجانب الآخر ظهرَت قطعةٌ أخرى حمراء أيضًا … وفَهِم الشياطين أنها إشارةٌ متفق عليها …
قالت «موانزا»: هيَّا بنا!
وقفزوا جميعًا إلى القارب، واجتازوا النهر … وسرعان ما كانوا يقفون أمام مجموعةٍ هائلة من الأقزام، لا يزيد طول الواحد منهم عن ثلاثة أرباع المتر … وقد تسلَّحوا جميعًا بالسهام … وهي سهامٌ مسمومة تقضي على مَن تُصيبه في دقائق …
تقدَّمت «موانزا» من الزعيم، ولدهشة الشياطين حيَّاها بحرارةٍ وأخذَا يتبادلان حديثًا سريعًا، وأشار الزعيم بعدها إلى داخل الغابة …
أشارت «موانزا» للشياطين، ثم قالت: إن الصياد عندهم … فقد أسروه وهو في النهر!
عثمان: وأين هو؟
موانزا: إنَّه يتعرَّض لاستجواب!
رشيد: هل معه الجمجمة؟
موانزا: لا أعرف … ولكن سنعرف حالًا!
أسرعَت «موانزا» إلى القارب البخاري وأحضرَت مجموعةً من الأقمشة والحُليِّ الملونة، ثم وضعَت كلَّ هذا أمام الزعيم الذي بدَا فَرِحًا جدًّا بالهدايا، وأمسك «موانزا» من يدها، ثم أشار إلى الشياطين … وأخذت «موانزا» تتحدَّث معه، وعرف الشياطين أنها كانت تشرح للزعيم مهمة الشُّبَّان الثلاثة … وكان يهزُّ رأسه موافقًا بعد كلِّ كلمةٍ.