اغتيال في الليل!
ظهر «ماجاويلي» في الفندق في تمام العاشرة … وكان «أحمد» في انتظاره … وطلب «أحمد» من «موانزا» أن تصحبَ «رشيد» و«عثمان» في جولة بالمدينة لحين انتهاء حديثه مع «ماجاويلي» … وجلسَا معًا في ركن منعزل يتحدثان …
قال «ماجاويلي»: لقد فهمت من «موانجا» أنَّ له صديقًا قويًّا يعمل في منظمةٍ سرية … وفهمت من «موانزا» أنكم تتبعون هذه المنظمة!
أحمد: هذا صحيح!
ماجاويلي: أنتم تعلمون إذن أن «موانجا» هو زعيمٌ أفريقيٌّ هامٌّ جدًّا، ولكنه يعمل سرًّا … إنه مناهض للتفرقة العنصرية التي تُفرِّق بين الناس بسبب اللون أو الجنس، وقد كان ﻟ «موانجا» أعداء بالطبع كلهم من البيض وخاصةً الذين يعيشون في جنوب أفريقيا … وقد حاولوا مرارًا القضاء عليه!
أحمد: هل تظن أن لهم ضلعًا في اختفائه؟
ماجاويلي: لا أظن … ولكني واثق … فقد كنت وما زلت زميلًا ﻟ «موانجا» في المنظمة السرية للسود والتي نُطلق عليها اختصارًا «بي آر» وقد خُضْنا معاركَ ضارية ضد الداعين إلى التفرقة العنصرية، وأحيانًا كنَّا ننتصر، وأحيانًا كنا ننهزم.
أحمد: وهل تعرف أعضاء منظمة «بي آر» أننا نستطيع الاستعانة بهم؟
ماجاويلي: الوحيد الذي يعرف كلَّ أعضاء «بي آر» هو «موانجا»، وعنده ملفات سرِّيَّة بالأسماء كلها!
أحمد: فهمت الآن، لقد حاول أعداؤكم العثورَ على الملفات الخاصة بكم وبأسمائكم ولكنهم لم يعثروا عليها!
ماجاويلي: حمدًا لله … وإلا اغتالونا واحدًا واحدًا!
أحمد: ومَن هم بالتحديد أعضاء المنظمة المعادية؟
ماجاويلي: لا أعرف بالضبط … فهم يتغيَّرون بين فترة وأخرى، ولكن في الفترة الأخيرة ظهرَت وجوهٌ جديدة في المدينة … وقد استطعتُ متابعةَ واحد منهم ذات يوم، ووجدتُه يختفي في طرف الغابة عند منطقة معروفة باسم التمساح …
وقد سُمِّيَت كذلك لكثرة التماسيح فيها … وهي منطقة خطرة لا يقترب منها أحد!
أحمد: هكذا تتكرر كلمة التمساح مرةً أخرى!
ماجاويلي: نعم … مرةً في قصة موت «موانجا» ومرةً أخرى في هذه المنطقة!
أحمد: وكيف يمكن اكتشاف منطقة التمساح هذه … إنني أتوقَّع مجموعة من المفاجآت هناك!
ماجاويلي: لا بد من الاستعانة بأحد الأدلَّاء … فالمنطقة كلها مستنقعات حيث تعيش أكبر التماسيح … والسير هناك خطر!
أحمد: استأجِرْ دليلًا تثقُ به … ودَعْنا نحاول معرفة ماذا يحدث هناك!
ماجاويلي: ومتى تحب أن نذهب … ليلًا أم نهارًا.
أحمد: ليلًا طبعًا!
ماجاويلي: إن هذا يضاعف من خطورة المكان!
أحمد: لقد اعتدنا على المخاطر … فلا تَخْشَ شيئًا!
انصرف «ماجاويلي» بعد الاتفاق على أن يلتقيَا مساءَ اليوم التالي … وقام «أحمد» ليخرج لكنه شاهد وجهَ رجلٍ يتوارَى خلف زجاج النافذة حيث كان يجلس مع «مجاويلي» …
تظاهرَ «أحمد» بأنه لم يرَ شيئًا، وخرج من الفندق ليتجوَّل … وقد خفَّ زحام المدينة … وأخذ يتسلَّى ويتفرج على واجهات المحلات … ولكنه كان يتابع من جانب عينه رجلًا كان يتبعه من بعيد.
سار «أحمد» مسرعًا حتى أول طريق متقاطع مع الشارع الذي يسير فيه … ولاحظَ أن الرجل يُسرع خلفه، ووجد مدخل عمارة ضخمة مظلمة فاختفى بجوار الباب، ومرَّ به الرجل مسرعًا.
ومدَّ «أحمد» قدمَه أمام الرجل الذي تعثَّر فيها وكاد أن يسقط، لولا أن «أحمد» تلقَّفه بين ذراعَيه، ثم أداره سريعًا ووجَّه إليه ضربةً قاضية ثم سحبه مسرعًا داخل العمارة المظلمة، وأخذ يفتش جيوبه.
عثر على مسدسٍ ضخم … وخريطة وجواز سفرٍ، وأشياء أخرى أقل أهمية … فأخذ كلَّ شيء وترك الرجل مكانَه وعاد إلى الفندق حيث وجد «رشيد» و«عثمان» و«موانزا» … فروى لهم ما حدث.
ثم فردوا الخريطة التي وجدها «أحمد» مع الرجل … كانت تُشبه الخريطة التي شاهدها «أحمد» في أدراج «موانجا» السرية … مع عدد من علامات الاستفهام على أماكن متفرقة على الخريطة …
وأخذَت «موانزا» تتأمل الخريطة لحظات ثم قالت: إن علامات الاستفهام موضوعة على أماكن كان أبي يتردَّد عليها!
أحمد: لماذا؟
موانزا: لا أعرف بالضبط … فقد كان أبي يُخفي عنِّي بعضَ النشاط السري الذي يقوم به خوفًا عليَّ، ولكني كنت أعرف أنه يجتمع مع كثير من الثوَّار الأفارقة الذين يحاربون التفرقة العنصرية!
عثمان: ولكن هذا الرجل الذي كان يرافقك يعني أننا مراقبون من جهةٍ ما!
أحمد: بالطبع!
رشيد: إذن يجب علينا أن نتصرف بسرعة … فهم إمَّا أن يقضوا علينا أو نقضيَ عليهم!
موانزا: من الأفضل أن تُغادروا هذا الفندق فورًا!
أحمد: إلى أين؟
موانزا: نستطيع أن نذهب إلى منزل جدَّتي … عندها منزلٌ كبير على أطراف المدينة!
طلبوا إحضار تاكسي، وجمعوا حاجيَّاتهم بسرعة … وعندما نزلوا إلى صالة الفندق لدفع الحساب قال لهم موظف الاستقبال: إن التاكسي سيصل خلال دقائق …
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل، عندما وصلَت سيارة التاكسي من طراز «بيجو ستيشن» التي تتَّسع لسبعة ركاب … قفزوا إليها وأعطَت «موانزا» للسائق العنوان.
وانطلقت السيارة في شوارع نيروبي الهادئة … ولكن ما إن تجاوزَت المنازلَ إلى الطرق الدائرية حتى بدأت السيارة تُهدِّئ من سرعتها، وقال السائق: هناك خللٌ بسيط … سأري ما يحدث.
أوقف السائق السيارة، ونزل، وفتح غطاءَ المحرِّك، وظلَّ بعضَ دقائق، فقال «أحمد» بسرعةٍ: انزلوا سريعًا!
نزل الأربعة، ولم يكَد يغادروا السيارة حتى شاهدوا السائقَ يجري مبتعدًا، في نفس الوقت الذي اقتربَت فيه سيارة سوداء، وانطلق من نافذتها المفتوحة مدفعٌ رشاش، وانهالَت سيول الرصاص على السيارة «البيجو» بينما انبطح الأصدقاء، وتدحرجوا فوق الحشائش ليختفوا في الغابة.
اشتعلت النيران في السيارة «البيجو»، وبعد لحظاتٍ انفجرَت وقد تصاعدت منها ألسنة اللهب.
قال «أحمد»: لا بدَّ من الاتصال ﺑ «ماجاويلي» فورًا … إن المسألة أخذَت طابعَ التصفية، ولا بدَّ من مهاجمةِ وكْرِ العصابة غدًا ليلًا!
رشيد: أليس عندك موعدٌ معه؟
أحمد: نعم … ولكننا في حاجة إلى أسلحة!