فان هيلسنج يطلب الإيمان
عجَّل وجود مينا بجانب جوناثان بشفائه. لكن سعادة الحياة ظل يشوبها الحزن. فقد توفي السيد هوكينز مؤخرًا وترك لهما في وصيته بيتًا قديمًا جميلًا في إكستر. كانا يشعران بالامتنان والسعادة، لكنهما افتقدا صديق جوناثان القديم ومعلمه. ومنذ أيام قليلة فقط علما بحادثي وفاة لوسي ووالدتها الأليمين.
إضافةً إلى أن أحداثًا غريبة أخرى كانت تجري في لندن، حيث كانت نشرات الأخبار الليلية تتحدث عن اختطاف أشخاص وعودتهم وعلى رقابهم ثقوب صغيرة؛ عضات من نوع ما. لقد كانت تلك بلا شك أوقاتًا مرعبة ومربكة.
كان الأستاذ فان هيلسنج قد كتب إلى مينا يسألها أن تسمح له بزيارتها في إكستر. ومع أن جوناثان كان في طريقه إلى الشفاء، رأت مينا أن فان هيلسنج يستطيع مساعدته هو الآخر. كان لا يزال يبدو مضطربًا في بعض الأحيان.
فمثلًا، في جنازة السيد هوكينز في لندن، كانا يجلسان هناك في هدوء عندما تشبث جوناثان فجأة بذراع مينا وتمتم بأنفاس متقطعة: «يا إلهي!» التفتت مينا لترى ما ينظر إليه. كان هناك رجل طويل نحيف ذو شارب أسود ولحية مدببة. كان وجهه قاسيًا وأسنانه ناصعة البياض — لأن شفتيه كانتا شديدتي الاحمرار — وطويلة ومدببة كأسنان الحيوانات.
تمتم جوناثان: «إنه هو، ولكن كيف يُعقل هذا؟ لقد عاد إلى ريعان شبابه!»
قلقت مينا عليه، فأخذته بعيدًا عن حشد الجنازة.
بدأت حديثها قائلةً: «أرجوك لا تغضب، لكن لا بد أن أفهم ما الذي حدث لك عندما كنت مسافرًا، هل تسمح لي بقراءة مذكراتك اليومية؟»
عندما بدأت تقرأ المذكرات في وقت لاحق من ذلك اليوم، لم تكد تصدق ما مَرَّ به جوناثان. وبينما كانت تقرأ، أعادت كتابة لغته المختصرة بلغة مفصلة. وما إن انتهت من الصفحة الأخيرة، حتى وصل فان هيلسنج.
كان عليها تأجيل أسئلتها له حتى يسألها هو، فقد كان لديه الكثير ليسأله بشأن ما حدث للوسي، وخاصةً في ويتبي. كانت مينا شابة دقيقة الملاحظة تدوِّن كل شيء في مذكرات خاصة بها، وسألها فان هيلسنج أن تسمح له بقراءتها.
قالت مينا: «دكتور فان هيلسنج، يسعدني كثيرًا أن أعطيك أي معلومات أعرفها عن لوسي، لكن هلا ساعدت زوجي أيضًا؟»
أجاب فان هيلسنج: «بالطبع سأفعل، كيف تريدين أن أساعده؟»
قالت مينا: «سأريك شيئًا، إنه نص مذكرات زوجي.» كانت تقبض على الأوراق بإحكام. ثم أردفت: «لكن لا بد أن تعدني ألا تضحك أو تصدر حكمًا مسبقًا عليه. فالأشياء التي كتب عنها … ليست عادية.»
طمأنها فان هيلسنج قائلًا: «لا تقلقي، فأنا معتاد على الأمور الغريبة.» وعدها فان هيلسنج بأن يأخذ الأوراق معه إلى المنزل ليقرأها.
وبعد مرور بضعة أيام، تلقت مينا برقية من أربع كلمات: «كل ما قاله صحيح.»
وفي الوقت ذاته، كان آرثر هولموود في لندن يواجه الحقائق المريعة التي اكتشفها. أثناء وقوف آرثر مع جون سيوارد بجانب جثة لوسي بينما كان الطبيب يعدُّها للدفن، سأله آرثر: «جون، هل هي ميتة حقًّا؟»
حتى في موتها، كان جسد لوسي يبدو صحيحًا على نحو غريب. شيء ما كان يجري، وكان الدكتور سيوارد بحاجة إلى معرفته. لاحقًا، عندما اختلى دكتور سيوارد بفان هيلسنج، طالب بأن يعرف الحقيقة كاملة.
سأله فان هيلسنج: «ألا تساورك شكوك؟»
هز دكتور سيوارد رأسه.
قال فان هيلسنج: «لا يدهشني هذا، فأنت رجل علم. أحيانًا، يشقُّ على رجال أمثالك أن يفهموا الأمور التي لا يوجد لها تفسير إلا في كتب السحر. فمثلًا، هل يمكنك أن تخبرني لم تعيش بعض العناكب أيامًا قلائل وتعيش بعض العناكب الضخمة الأخرى قرونًا داخل أبراج الكنائس الإسبانية العتيقة، ويستمر حجمها في الازدياد يومًا بعد يوم إلى أن تشرب الزيت الموجود في مصابيح الكنيسة بأكمله؟»
سأله دكتور سيوارد: «العناكب؟»
أردف فان هيلسنج: «ولم تعمر السلاحف أكثر مما تعمر أجيال من البشر؟ لم تستمر حياة الفيل على مر عهود طويلة؟»
كان رأس الدكتور سيوارد يدور، فصاح: «انظر يا أستاذي، أخبرني فقط! هل هذا نوع غامض من الأمراض، وهل يُحتمل أن تكون اللدغة التي كانت على رقبتها هي السبب فيه؟ وهؤلاء الرجال الذين عُثر عليهم في المدينة وقد أصيبوا بثقوب في رقابهم؛ هل لدغهم نفس المخلوق الذي لدغ لوسي؟ لا أستطيع أن أجد إجابة عن ذلك. لِمَ تتحدث عن العناكب والسلاحف والفيلة في حين ما أحتاجه هو أن تخبرني ما يجب فعله؟»
قال فان هيلسنج في هدوء: «ما يجب عليك فعله هو أن تصدق ما يستعصي تصديقه. يجب أن تتحلى بالإيمان. أتقدر على ذلك؟»
وعده دكتور سيوارد بأن يحاول.