رينفيلد يتحدث
كان جوناثان يقتفي بدأب أثر توابيت التراب المفقودة. سأل العديد من الناس بدءًا من الشركة التي استأجرها الكونت لشحن التوابيت وتسليمها، وعرف وجهات بعض التوابيت في مناطق مختلفة بلندن.
لاحقًا، علم جوناثان أن العديد من التوابيت قد أُخذت إلى منزل في بيكاديللي. وعندما تظاهر بأنه عمدة المدينة، استطاع أن يحصل على العنوان بالتفصيل. وعندما وصل هناك، علم أنه في المكان الصحيح، فقد كان المكان يبدو مهجورًا منذ زمن بعيد. كانت لافتة كُتب عليها «للبيع» ذُكر فيها أسماء الوكلاء — وهم «ميتشيل وأولاده وكاندي» — قد أُنزلت مؤخرًا وتستند إلى جدار المنزل.
ذهب جوناثان إلى مكتب الوكلاء. لكن عندما سألهم عن الذي اشترى المنزل، لم يقولوا سوى «المنزل مباع». ضغط جوناثان على أحدهم حتى قال: «شئون عملائنا سرية للغاية.»
قال: «إن عملاءكم محظوظون لأن لديهم أشخاصًا جادين ومخلصين في خدمتهم، سيشعر مديرو اللورد جودالمينج بخيبة أمل، لكن سيكون عليه ببساطة أن يتقبل هذا الخبر.»
سأله الوكيل: «اللورد جودالمينج؟» كاد جوناثان يرى عقل الوكيل واسم مثل هذا النبيل الثري يدور بداخله. ثم هزَّ الوكيل كتفيه في حرج، وقال: «حسنًا، ربما أمكننا هذه المرة أن نعطيه استثناءً، هذه المرة فقط. لقد اشترى المنزل نبيل أجنبي يُدعى الكونت ديفيلي. ودفع المبلغ نقدًا. ولا نعلم أكثر من هذا.»
عندما عاد جوناثان حاملًا تفاصيل منزل بيكاديللي، تساءل الرجال: «كيف سندخل المنزل؟» كانوا يعتقدون أنهم سيجدون كل ما يبحثون عنه هناك؛ كل أوراق الكونت وحجج ملكياته ومفاتيحه.
قال فان هيلسنج: «يمكننا اقتحامه كما فعلنا في كارفاكس.»
أوضح موريس: «لا أظن ذلك ممكنًا، هناك اختبأنا في ستر الليل ووراء سور يحمينا. أما اقتحام منزل في وضح النهار في موقع مركزي كهذا على الطريق فسيكون أمرًا مختلفًا.»
فكَّر فان هيلسنج دقيقة قبل أن يسأل: «إذا كنا أصحاب ذلك المنزل، ولم نستطع الدخول، فماذا كنا سنفعل؟»
قال جوناثان: «كنا سنستدعي مصلح الأقفال، ونقف هناك معه وهو يفتح القفل. إنها فكرة رائعة حقًّا. إذا مرت الشرطة بجانبنا ورأت شاحنة مصلح الأقفال وزيه الرسمي، فلن يفكروا في التدخل!» واتفق الرجال على أنها خطة بارعة.
في الوقت نفسه، بدت تصرفات رينفيلد أغرب من المعتاد.
سأله الدكتور سيوارد محاولًا تحليل نفسيته: «هل تود بعض الذباب؟ أو العناكب؟»
قال رينفيلد مستهزئًا: «عناكب؟ لا يوجد بها شيء آكله أو أشربه.»
ردد الدكتور سيوارد منزعجًا: «تشربه؟»
شعر رينفيلد بالذنب وكأنه أفشى سرًّا عن غير قصد. ولم يرغب في الكلام بعدها. فقد الدكتور سيوارد الأمل، ولكن أثار اهتمامه مدى توتر المريض لدى ذكر الشرب.
بعدها فهم الدكتور سيوارد الأمر: لقد تجاوز رينفيلد مرحلة الاستمتاع بتناول الحيوانات. كانت الحياة البشرية والدماء هي ما يسعى إليه رينفيلد! استنتج دكتور سيوارد أن الكونت قد وصل إلى رينفيلد، وأن خطة إرهاب جديدة من نوع ما كانت تُحاك.
وفي وقت لاحق من تلك الليلة، تحققت أكبر مخاوف الطبيب؛ حين جاء أحد الموظفين المقيمين ليخبره بأن شيئًا ما حدث لرينفيلد. هرع الدكتور سيوارد إلى غرفة رينفيلد ليجده مطروحًا أرضًا فاقد الوعي وبجسده جروح بالغة، ينزف على إثر ضربات في جسده ورأسه ووجهه.
قال دكتور سيوارد للموظف المقيم: «اذهب وأحضر الأستاذ فان هيلسنج.»
أتى آرثر وكوينسي موريس واللورد جودالمينج أيضًا. أدخل فان هيلسنج المريض بسرعة غرفة العمليات حيث أجرى له جراحة لتخفيف الضغط عن مخه. وبعد ذلك، فتح المريض عينيه.
سأل رينفيلد: «هل أحتضر أيها الطبيب؟»
أجابه فان هيلسنج: «ربما، لذا حان الوقت لأن تخبرنا كل شيء.»
قال رينفيلد: «لقد قطع لي وعودًا، وجعلني أفعل أشياء.»
قال فان هيلسنج: «الكونت؟ هيا أكمل.»
قال رينفيلد: «لكنه كان كاذبًا. لذا عندما أتى الليلة مرة أخرى من أجل السيدة مينا …»
لدى سماعهم هذا، انتفض كل رجل في الغرفة واثبًا من مكانه واقتربوا.
وتابع رينفيلد: «… قاومته، وقد فعل ذلك بي. كسرني.» بعد ذلك، شق عليه الحديث، فتركه الرجال بمفرده.
قال فان هيلسنج: «غير معقول، ظننا أننا نحميها بإبقائها بعيدًا عن خططنا. لكن عندما ابتعدنا وتركناها دون حماية، جلبنا لها المعاناة.»
هرع الرجال إلى غرفة مينا لكنها كانت موصدة. شعروا بأن ذلك الباب وراءه خطر عظيم، فكسروه واقتحموا الغرفة. وما رأوه بالداخل كاد يجعل الرأس شيبًا.
كان جوناثان راقدًا على الفراش يتنفس بصعوبة ويبدو فاقدًا للوعي. وكانت تميل نحوه زوجته مينا بردائها الأبيض، وبجانب مينا كان يقف رجل طويل نحيف بزي أسود. الكونت. كان الكونت يمسك يدي مينا بيساره. ويدفع رقبتها من الخلف بيمينه دافعًا وجهها نحو صدره! لقد كان يجبرها على شرب دمه!
بمجرد دخولهم الغرفة، اهتاج الكونت، واتسعت فتحتا أنفه كحيوان غاضب ورمقهم بنظرات شيطانية غاضبة. ألقى مينا جانبًا واندفع نحو الرجال يهاجمهم، لكن الأستاذ هيلسينج كان مستعدًّا له ورفع يده وبها خبز القربان. جثم الكونت مرتعدًا وتقدم نحوه الرجال الأربعة ممسكين بالخبز والصلبان أمامهم.
لكن في تلك اللحظة، اختفى القمر برهة خلف سحابة. وفي الظلام، اختفى الكونت كنفثة الدخان، تاركًا وراءه أثرًا ضبابيًّا فقط.
ركض آرثر واللورد جودالمينج خارجين من الباب ليحاولا أن يتبعاه. بدأت مينا تبكي وتصدر عويلًا صاخبًا لا نهاية له. خطا نحوها فان هيلسنج ودثَّرها برفق بغطاء. كانت رقبتها تنزف؛ فقد أعطت دمًا كما أخذت دمًا.
حينها تحرك جوناثان، محاولًا أن يفيق، ناظرًا حوله في ارتباك، وقال: «ماذا تفعلون جميعًا هنا؟ ماذا حدث؟» نظر إلى زوجته، وإلى الدماء التي لطخت رقبتها وفمها، وسأل: «ماذا تعني هذه الدماء؟»
وفجأة أدرك كل شيء، فبكى قائلًا: «غير معقول، لا، لا، لا! ساعدنا يا إلهي، لا تدع هذا يحدث، ليس لحبيبتي مينا!»
عندئذ، اشتد عويل مينا.
حضن جوناثان مينا. لطخت الدماء التي كانت على رقبتها قميصه، فابتعدت عنه وانتحبت وهي تقول: «لا تحضني، فأنا ملوثة. لا أستطيع أن أقبلك أو ألمسك بعد الآن. كم هذا مؤلم! تخيل أن أكثر شخص يحبك يجب أن يكون الآن ألد أعدائك، أن يكون أكثر من تخشى!»
عاد آرثر واللورد جودالمينج. لم يجدا أثرًا للكونت. لكن عندما كانا بالخارج، رأيا خفاشًا ضخمًا يطير من نافذة رينفيلد، وعندما صعدا لغرفة المريض، كان ميتًا.
سأل فان هيلسنج: «هل اتجه الخفاش نحو كارفاكس؟»
أجاب موريس: «لا.»
قال فان هيلسنج: «حسنًا، لقد اقترب الفجر، لذا لن يعود الليلة. غدًا نواصل ملاحقتنا له. لكن الليلة …» والتفت إلى مينا قبل أن يكمل: «لا بد أن تخبرينا كل ما تذكرينه، إذا استطعت أن تتحملي ذلك.»
قالت مينا: «لقد أخذت المنوم الذي أعطيتني إياه، فغلبني النعاس. وما أذكره بعد ذلك هو أني رأيت ضبابًا أبيض في الغرفة، وشعرت بالرعب نفسه الذي تملَّكني سابقًا وبحضور قوي. كان جوناثان نائمًا إلى جواري، وحاولت أن أوقظه، لكني لم أستطع. نظرت حولي في رعب. ثم خرج من بين الضباب رجل طويل نحيف مغطًّى برداء أسود بالكامل. عرفته على الفور من الوصف الذي أعطيتموني إياه جميعًا ومن مذكرات جوناثان. الوجه الشاحب، والأنف الطويل، والشفتان الحمراوان المفتوحتان ليكشفا عن أسنان حادة، و…» ثم أضافت وهي ترتجف: «هاتان العينان الحمراوان المخيفتان!»
وتابعت: «هممت بالصراخ، ولكنه أخبرني أنه سيقتل جوناثان إن فعلت. قال إنه سيشرب دمائي وإنها لم تكن المرة الأولى التي يفعل فيها هذا. شعرت بأن قواي تخور. لم يكن هناك ما أستطيع فعله.
ثم تحدث عنكم جميعًا. وسخر من محاولاتكم هزيمته؛ هو الذي عاش مئات السنين حتى قبل أن تولدوا. قال إنه سيعاقبني على مساعدتي لكم، وإن عقابي سيكون أن ألبي نداءه إلى الأبد متى دعاني. عندما يقول عقله «تعالي»، سأعبر رغمًا عني الأرض والبحار لألبي أمره. وليضمن نجاح خطته، فتح وريدًا في صدره وأجبرني على شرب دمائه! لم يكن لدي خيار! لم أستطع أن أتنفس! يا إلهي! ماذا فعلت؟» وبدأت مينا تفرك شفتيها بعنف وكأنها تزيل من عليهما سمًّا.
قرر الرجال أنه منذ تلك اللحظة فصاعدًا، ستكون مينا على علم دائم بتفاصيل خططهم. فان هيلسنج فقط هو من كانت لديه بعض التحفظات. سأل مينا: «ألا تخافين، ليس على نفسك، ولكن على الآخرين بعدما حدث؟»
قالت: «لا، إذا شعرت ولو للحظة بأنني قد أوذي أحدًا، فسأموت.»
سألها فان هيلسنج في عجل: «هل ستقتلين نفسك؟»
أجابت: «سأفعل ذلك إذا لم أجد صديقًا يحبني حبًّا يجعله يفعل ذلك من أجلي.»
قال فان هيلسنج مؤكدًا: «مطلقًا! لا يجب أن تموتي، ليس بيد أي شخص، ولا بيدك أنت. الآن وقد احتسيت شربة دماء من أوردته، إذا متِّ قبل الكونت، فلن تموتي بالفعل. بل ستعيشين إلى الأبد، كما حدث له. والآن لا بد أن يموت هو قبلك، وسيلقى حتفه. أما أنتِ فستعيشين حياة طويلة وسعيدة مع زوجك. يجب أن تكافحي وتناضلي في كل وقت من أجل حياتك. هل تفهمين؟»
قالت مينا: «نعم، أفهم.»
التفت فان هيلسنج للآخرين قائلًا: «جيد. أمامنا نهار طويل نستطيع خلاله أن نمسك به، أن نجد مزيدًا من توابيت التراب، وأن نعقمها. سيظل الكونت في الصورة التي هو عليها الآن أيًّا كانت هذه الصورة حتى تغرب الشمس. إنه مقيد بقيوده الخاصة. فلنباشر العمل!»