الخبز يحرق مينا
قرر الرجال أن يتوجهوا للمنزل الكائن في بيكاديللي، وأن يبقى فان هيلسنج ودكتور سيوارد وجوناثان هناك بينما يغادر اللورد جودالمينج وكوينسي موريس للبحث عن التوابيت في مواقع عديدة أخرى ويدمروها. قال فان هيلسنج إن الكونت ربما يظهر في بيكاديللي نهارًا في صورة بشرية، وفي هذه الحالة سيواجهونه.
كانت مينا ستبقى بأمان في المصحة حتى غروب الشمس؛ حيث لم تكن تقوى على السفر. وسيحرص الرجال على العودة قبل ذلك. ومع ذلك، نشر فان هيلسنج — للاطمئنان فقط — الثوم والصلبان في أنحاء الغرفة. ثم أخرج قطعة من خبز القربان ولمس بها جبهتها.
عندما لمس الخبز بشرتها، صرخت مينا صرخة مدوية خلعت قلوب الجميع. لقد حرق الخبز لحمها، تاركًا عليها ندبة وكأنه قطعة معدن ملتهبة!
أدرك الجميع على الفور دلالة ذلك: لقد سممها الكونت بالفعل، وكانت تسير بخطى ثابتة في الطريق إلى أن تصبح نسخةً منه. نزلت على ركبتيها وهي تبكي: «ملوثة! ملوثة! أصبحت مجبرةً الآن على أن أحمل وصمة العار هذه على جبيني!»
حاول فان هيلسنج أن يهدئ من روعها فقال: «هذه الندبة ستختفي ما إن يختفي ذلك الوحش الذي لا يزال يطبق على أنفاسنا هو الآخر. ستكون جبهتك يومًا من الأيام نقية كنقاء قلبك الذي لا نزال نعرفه.»
قبل التوجه إلى بيكاديللي، عرَّج الرجال على منزل كارفاكس لتطهيره، عن طريق نثر أجزاء الخبز المقدس في كل التوابيت الموجودة به. وما إن وصلوا بيكاديللي حتى بدءوا في اتباع الخطة التي كانوا قد وضعوها. تظاهر اللورد جودالمينج بأنه مالك العقار وأن الباب قد انغلق دونه ولا يسعه الدخول. ووقف الآخرون يراقبون من متنزه في الجانب الآخر من الشارع بينما كان مصلح الأقفال يفتح القفل. مرت الشرطة فعلًا على جانب الطريق ورفعوا قبعاتهم تحيةً للورد جودالمينج ومصلح الأقفال متمنين لهم نهارًا سعيدًا! أدرك الرجال أن الأمر كله يتوقف على طريقة تصرف المرء.
وفور أن دخل الرجال وأغلقوا الأبواب خلفهم، أجروا بحثًا سريعًا. لم يكن الكونت هناك، لكنهم وجدوا بالفعل ثمانية توابيت أخرى وعقموها. كان التابوت التاسع مفقودًا، لكنهم وجدوا العديد من الأوراق المهمة بالإضافة إلى مفاتيح منازل أخرى كانت تُخزن فيها المزيد من توابيت التراب.
خرج اللورد جودالمينج وكوينسي موريس عازمين على تدمير التوابيت المتبقية في المنازل الأخرى، وكان الوقت يمر ببطء أثناء انتظار جوناثان وفان هيلسنج لهما. وفي سبيل تمضية الوقت، قص فان هيلسنج لدكتور سيوارد وجوناثان المزيد عن الكونت. قال لهم إنه منذ زمن بعيد، كان هذا الوحش في الواقع رجلًا عظيمًا؛ كان جنديًّا، ورجل دولة، وعالمًا.
قاطع قصة فان هيلسنج صوت طرق على الباب. لقد كان ولدًا جاء يسلم برقية. فتح فان هيلسنج الباب وسلمه الولد ورقة. كانت من مينا.
كانت الرسالة تقول: احذروا من «د». لقد غادر كارفاكس لتوه. ويبدو أنه متجه نحوكم.
صاح جوناثان: «فليأت! لا أطيق صبرًا حتى أمسح ذلك الوحش من وجه الأرض. أنا على استعداد لأن أبيع روحي لقاء هذا!»
حذره فان هيلسنج قائلًا: «لا تقل مثل هذه الأمور. لن يبيع أحد روحه. سنقاتل هذا الشيء وجهًا لوجه.»
عاد موريس واللورد جودالمينج، وأكدا أن التوابيت التي كانت في بيرموندسي ومايل إند قد دُمِّرت. لكن في تلك اللحظة، سمع الرجال صوت تدوير مفتاح برفق داخل القفل الذي كان قد فُتح مؤخرًا في الباب الأمامي.
ودون أن يتفوهوا بكلمة، اجتمع الرجال كفريق واحد قابضين بأيديهم على صلبانهم وخبزهم المقدس. كانت الثواني تمر ببطء رهيب وكأنه كابوس. ثم سرعان ما أتت خطوات حذرة تسير في الرواق. بدا جليًّا أن الكونت كان مستعدًّا لمفاجأة من نوع ما.
وبقفزة واحدة، كان في الغرفة، يركض نحوهم كالنمر قبل أن يتمكن أيهم من إيقافه. عندما رآهم زمجر بصوت مرعب وكشَّر عن أنيابه. تحرك جوناثان أولًا؛ فأخذ سكينًا وقفز نحو الكونت. لكن الكونت كان سريعًا فقفز للخلف وتجنب الشفرة التي لم تصب سوى جزء من معطفه. الغريب أن قطعًا ذهبية سقطت من الثقب وأخذت تدور على الأرض.
اعتلت وجه الكونت نظرة غريبة جمعت بين الكراهية والغضب. تحولت بشرته الشاحبة إلى لون أصفر مائل للخضرة، وازدادت عيناه احمرارًا وتوهجًا. وفجأة، انحنى تحت ذراع جوناثان، واغترف بكفه بعض العملات الذهبية وألقى نفسه من النافذة محطمًا الزجاج. عندما سقط الكونت على الأرض، نهض ولم يصبه مكروه، فركض عبر الساحة، ودفع باب الحظيرة الموجودة في نهاية العقار ففتحه.
التفت ليصرخ في وجوههم: «تحلمون بأن تفوقوني ذكاءً! تظنون أنه بتطهير التوابيت لا تتركون لي مكانًا لأرتاح فيه، لكني أملك المزيد! لقد بدأ انتقامي للتوِّ! لقد امتد على مر القرون، والزمن حليفي! لقد سقطت نساؤكم في شركي بالفعل، وعن طريقهن ستكونون عبيدي أنتم وغيركم! ستمتثلون جميعًا لأوامري! سأكون سيدكم!»
زفر من أنفه صوت ينم عن الاستهزاء، ودخل الحظيرة وأغلق الباب وراءه. تبعه الرجال وفتَّشوا الحظيرة، لكن الكونت اختفى. لم يثبط ذلك من عزيمة فان هيلسنج الذي قال: «لقد عرفنا الكثير. يبدو جليًّا أنه يخشانا ويخشى الوقت. وإلا فلم تعجل هكذا؟ لماذا أخذ تلك العملات المعدنية؟ إننا نحرز تقدمًا. وغدًا نحرز المزيد. فلم يتبقَّ سوى تابوت تراب واحد فقط.»
لكن الخوف بالطبع كان من أن يظل هذا التابوت الأخير مخفيًّا لسنوات، وأن تستمر حالة مينا في التدهور حتى يستحوذ عليها الكونت تمامًا وتصبح ضحيته. لذا، كانوا يسابقون الزمن.
عاد الرجال إلى المصحة، وفي تلك الليلة على مائدة العشاء، قالت مينا عبارة فاجأت الجميع: لقد ذكرتهم بأنهم بينما كانوا جميعًا تعساء يعانون، كان الكونت هو الأتعس على الإطلاق: «تخيلوا كم سيكون سعيدًا عندما يُدمر الجانب الشرير فيه مفسحًا الطريق للخير الذي بداخله ليحيا إلى الأبد. يجب أن تكونوا لطفاء معه من هذا المنطلق أيضًا.» توقفت عن الحديث، وللحظة توهجت الندبة التي كانت على جبهتها وكأنها تذكير أقوى، ثم قالت: «قد أحتاج إلى شفقة مماثلة يومًا ما. وأتمنى ألا تنكروها عليَّ. لا بد أن تعدوني أنه إن جاء وقت تغيرت فيه كثيرًا حتى أصبح الموت خيرًا لي، فستفعلون اللازم، دون تردد ولو لحظة، لتمنحوني السلام.»
ساد صمت رهيب. ثم كان كوينسي موريس أول من كسره قائلًا: «أعدك يا مينا ألا أتكاسل عن الفِعل الرهيب الذي طلبتِه منا.»
قالت مينا وهي تقبِّل يده: «صديقي المخلص!»
سألها جوناثان: «وهل يجب أن أقطع ذلك الوعد أيضًا يا زوجتي؟»
أجابت: «يجب أن تفعل هذا أكثر من أي شخص آخر يا أحب الناس إليَّ.»