مينا تقرأ أفكار الكونت
خطرت لمينا فكرة. فحيث إنها أصبحت الآن متصلة بالكونت، أرادت من فان هيلسنج أن ينومها مغناطيسيًّا. ربما استطاعوا استخدام هذا التواصل لمصلحة المجموعة.
وقد فعل ذلك قبيل الفجر، حيث كانت مينا تشعر أنه أفضل وقت تستطيع التحدث فيه بحريتها. عندما فتحت عينيها بعد تنويمها، لم تكن هي نفس المرأة. كان يبدو جليًّا أنها واقعة تحت تأثير سحر الكونت.
سألها فان هيلسنج: «أين أنت؟»
أجابت مينا بالنيابة عن الكونت: «لست متأكدًا، لكنني أسمع صوت تلاطم مياه.»
لقد كان الكونت على متن سفينة! كان ذلك منطقيًّا جدًّا. فقد كان ينقل آخر تابوت لديه عن طريق البحر. في تلك اللحظة، طلعت الشمس، واستيقظت مينا.
سألت راجيةً: «هل نجح الأمر؟»
أجاب فان هيلسنج: «نعم، نجح.»
أسرع الرجال بتتبع آخر خيط منحتهم مينا إياه. كانت هناك العديد من السفن في ميناء لندن الكبير، لكن على الأقل أصبح لديهم الآن دليل يرشدهم. علموا لِم كان الكونت يحتاج إلى العملات المعدنية؛ كان يحتاجها لشراء تذكرة من أجل السفينة.
مكث جوناثان مع مينا متخلفًا عن الرجال الآخرين الذين ذهبوا للبحث في الموانئ. شكوا في أن الكونت يحاول الرجوع إلى ترانسلفانيا. وسرعان ما تأكدوا من ذلك، حين رأوا على متن سفينة تُدعى «زارينا كاثرين» رجلًا طويل القامة، نحيفًا وشاحبًا، له أسنان ناصعة البياض ويرتدي زيًّا أسود بالكامل، قد وزع بعض الأموال على العاملين وسألهم عن السفينة التالية التي كانت ستبحر متجهة إلى البحر الأسود. كانت الصفقة قد عُقدت، وجيء بتابوت ضخم على متن السفينة. وكان من المقرر إنزال التابوت في ميناء «فارنا» وتسليمه لوكيل هناك. بعد ذلك، استقرت فوق المركب ضبابة غامضة انقشعت بالسرعة نفسها التي تكونت بها. علم الرجال أن الكونت قد تسلل بداخل تلك الضبابة إلى ظهر السفينة ودخل التابوت. بعدها أبحرت السفينة «زارينا كاثرين».
على مدار الأيام القليلة التالية، نَوَّمَ فان هيلسنج مينا بضع مرات أخرى، وظلت رؤياها تخبره أن السفينة في البحر. وبالرغم من ذلك كان فان هيلسنج قلقًا. فإذا كانوا هم يستطيعون أن يقرءوا أفكار مينا، فقد يستطيع الكونت في المقابل أن يقرأ أفكارها ويعرف خططهم التي وضعوها لمحاربته.
كانت مينا يراودها الخوف نفسه. وقالت لزوجها: «عزيزي، أتغير كل يوم أكثر فأكثر. ويقوى ارتباطي بالوحش. لا بد أن تستمروا في تنويمي وتعرفوا خططه، لكن حرصًا على سلامتكم وسلامتي أيضًا، يجب ألا تخبروني بأي شيء عن خططكم، حتى تزول الندبة عن جبهتي.»
قررت المجموعة أن تسافر برًّا — ومعهم مينا هذه المرة — بحثًا عن الكونت. سوف يستقلون قطار «أورينت إكسبريس» من باريس ليسبقوا سفينة الكونت إلى فارنا. كانت أقصى أمانيهم أن يصعدوا على متن السفينة ما إن يجدوها، أثناء نوم الكونت في تابوته بين شروق الشمس وغروبها؛ حينها لن يستطيع مقاومتهم، ويجهزون عليه في التوِّ، كما فعلوا مع لوسي.
أثناء جلسات التنويم على متن القطار، وبعد أن سبقوا الكونت إلى فارنا، كانت إجابات مينا لا تزال تشير إلى وجود السفينة زارينا كاثرين في البحر. كانت مينا تتحدث عن أمواج متلاطمة ومياه تجري، وضباب وصرير صواري المراكب. وأخيرًا، علموا أن السفينة على بُعد ٢٤ ساعة تقريبًا، وأنها ستصل فارنا في الصباح التالي. في ذلك اليوم، كانت مينا في قمة الإعياء، ومرت بأصعب جلسات التنويم التي رأتها حتى ذلك الوقت.
وبحلول ظُهر اليوم التالي، لم تكن السفينة قد ظهرت على مرمى البصر بعد، ولم تُسمع أخبار عنها. لكن مينا كانت أفضل حالًا. فمع أن الندبة كانت لا تزال على جبهتها، فقد شعرت أنها عادت تقريبًا لذاتها التي ألفتها، وكأنها تحررت. كشفت جلسة التنويم في ذلك اليوم مرة أخرى عن «أمواج متلاطمة» و«مياه تجري». كانت السفينة زارينا كاثرين لا تزال في البحر إذن، ولكن أين؟ كان يُفترض أن تصل إلى فارنا قبل ذلك بوقت طويل. هل كان الكونت يفر إلى ميناء آخر؟
وبعد مرور يومين، تلقى الرجال برقية أكدت أسوأ مخاوفهم. فبدلًا من الرسو في ميناء فارنا — كما كانوا يتوقعون — دخلت زارينا كاثرين ميناء جالاتز ذلك اليوم، وكان ذلك الميناء يقع على مسافة أبعد عند أعلى النهر. على الفور، بدأ الرجال في التحرك.
سألوا: «متى يتحرك أول قطار إلى جالاتز؟»
طلب فان هيلسنج من مينا أن تتفضل بإحضار جدول مواعيد القطارات. وعندما رحلت، التفت إلى جوناثان وحدَّثه عن مخاوفه. عندما كانت مينا متعبة على نحو غير طبيعي منذ بضعة أيام، كان السبب على الأرجح هو أن الكونت قد أرسل روحه لتقرأ أفكارها. وضع فان هيلسنج إصبعه على فمه، لأن مينا كانت عائدة إلى الغرفة.
حاول كلا الرجلين أن يبدوا بريئين، لكن كان يبدو أن مينا أصبحت الآن تقرأ أفكارهما أيضًا. سألتهما: «لقد استغلني، أليس كذلك؟ لقد قرأ أفكاري.»
أومأ فان هيلسنج إليها.
قال فان هيلسنج محاولًا التخفيف عنها: «لكنك قد تكونين الآن أكثر حريةً قليلًا بعيدًا عن قبضته. إن العقل الإجرامي عقل أناني. وبما أنه قد حصل من خلال عقلك على ما يحتاجه ليفر منا، فإنه يظن أنه لم يعد يحتاج إليك. لكنه سيظن أنك انتهيت منه أيضًا.»
وعلى متن القطار إلى جالاتز، أثناء مزيد من جلسات التنويم التي خضعت لها مينا، أخبرت عن حدوث تغيير. قالت: «شيء ما يحدث، أشعر به يمر خلالي كأنه رياح باردة. هناك رجال يتحدثون بلغات غريبة، ومياه تتساقط، ومن بعيد، أسمع عواء الذئاب.» وفي اليوم التالي، أخبرتهم أنها سمعت أصوات ماشية، وطقطقة أخشاب.
وصلوا إلى جالاتز وعلموا من مسئولي الجمارك أن سفينة الكونت قد رست بالفعل. وكان بانتظارها بعض السلوفاكيين الذين كان من المقرر أن ينقلوا الشحنة طوال ما تبقى من الطريق، عبر البحر. لكن أي بحر كان هذا؟
نظرت مينا إلى الخريطة، وقالت: «بناءً على ما تقولون أني أخبرتكم به أثناء نومي، أعتقد أن النهر ضيق والسفينة مفتوحة تسيِّرها إما مجاديف أو صارٍ، وهي تبحر نحو أعلى النهر. فمثل هذه الأصوات لم تكن لتصدر عن سفينة تطفو بهدوء في اتجاه التيار. ومن ثم، وفقًا لهذه الخريطة، فإنه يبحر إما في نهر بروث أو سيريث. تسهل الملاحة أكثر في نهر بروث، لكن سيريث أقرب من قلعة دراكولا لشخص يحاول الوصول إليها عن طريق البحر.»
قال جوناثان: «زوجتي عبقرية.» ووافق الآخرون على هذا الرأي.
كانت هذه خطة فان هيلسنج: كما سبقوا الكونت إلى فارنا، سيحاولون مباغتته في ترانسلفانيا. يصعد اللورد جودالمينج وجوناثان على متن قارب بخاري ويتبعانه بحرًا. ويتبعه كوينسي موريس وآرثر على ظهور الجياد برًّا. ويأخذ فان هيلسنج ومينا الطريق الذي كان جوناثان اتخذه في البداية عندما فرَّ من قلعة الكونت عبر جبال الكاربات.
سأل جوناثان الأستاذ فان هيلسنج: «هل تعمد إلى وضع زوجتي بين حجري رحا ذلك القاتل؟»
أجاب فان هيلسنج: «إنها الطريقة الوحيدة لإنقاذها، بل في الواقع لإنقاذنا جميعًا.»