الدائرة تدور على الكونت
لم يكن الإبحار يسيرًا على أي من أفراد المجموعة، في أي من مراحله. فقد تأخر مركب اللورد جودالمينج وجوناثان وقتًا قصيرًا بسبب حادث بسيط وقع أثناء محاولتهما شق طريقهما بسرعة. وبالرغم من التأكيد على أن الكونت كان لا يزال في الماء، فقد كان تنويم مينا يزداد صعوبة كل يوم.
مع اقتراب مينا وفان هيلسنج من القلعة، أصبحت مينا تنام طوال النهار. وأثناء الليل كان فان هيلسنج يبقى مستيقظًا فيجدها تحدق فيه بعينين مضيئتين للغاية. خشي أن تكون قد أصابتها لعنة المكان، لأنها كانت ملوثة بتعويذة الكونت. وبالرغم من ذلك، كان عليه أن يؤمن بقوة إرادتها، بأن روحها كانت طاهرة، على الأقل لوقت أطول قليلًا.
لكن فان هيلسنج أحاط نفسه ومينا بدائرة صغيرة من الخبز المقدس في المكان الذي توقفا فيه ليخيما ليلًا.
قال فان هيلسنج لمينا: «هلا اقتربت من النار؟» لقد كان اختبارًا؛ لأن النار كانت خارج الدائرة.
أجابت في حزن: «تعلم أنني لا أستطيع.»
فجأة، بدأت الخيول تصهل في فزع. ركض فان هيلسنج عائدًا داخل الدائرة بينما كان الضباب يدور حولهما. شاهد فان هيلسنج ومينا الضباب وكانت تتشكل بداخله أجسام. كانت الأخوات الثلاث التي وصفها جوناثان في مذكراته.
ما إن رأت النساء الندبة على جبهة مينا، حتى ابتسمن لها، ونادَين عليها: «تعالي يا أختي! تعالي! تعالي!» لكن عيني مينا لم يكن بهما سوى نظرة اشمئزاز بعثت الطمأنينة في قلب فان هيلسنج. فاندفع خارجًا من الدائرة ممسكًا بعض الخبز المقدس، وفرت النساء. لكنهنَّ لم يبتعدن خاليات الوفاض، فقد تركن الخيول ميتة.
ترك فان هيلسنج مينا نائمة داخل الدائرة وسار إلى القلعة بمفرده. اقتحمها واتبع الطريق المؤدي إلى الكنيسة الصغيرة كما وصفه جوناثان في مذكراته. كان يعلم أنه سيجد في مكان ما ثلاثة قبور على الأقل ترقد بها الأخوات الثلاث عليه تطهيرها. وبالفعل وجدها وتولى أمرها.
وبعد ذلك، رآها، قابعة في أعتم وأبعد زوايا الكنيسة: مقبرة هائلة جميلة وعتيقة. لم يكن مكتوبًا عليها سوى كلمة واحدة: «دراكولا». فتحها فان هيلسنج وكانت فارغة، فنثر فيها بعض كسرات الخبز المقدس، ليقصي الكونت إلى الأبد عن مأواه الذي ضمه مئات السنين.
عندما عاد فان هيلسنج إلى معسكرهما، وجد مينا لا تزال نائمة في هدوء وأمان داخل الدائرة. ولكن بينما كان يوقظها، استعدادًا لأن يعود بها إلى القلعة، سمعا عواء ذئاب قادمًا من بعيد وصوتًا أشبه بضجة تقترب سريعًا.
صاح: «لا يوجد وقت، أسرعي، لا بد أن نختبئ!» وجد فان هيلسنج تجويفًا ضيقًا في صخرة، واختبأ الاثنان به. من ذلك المكان، كانا يستطيعان الدفاع عن أنفسهما ضد من يهاجمهما بشرًا كان أم ذئبًا.
من موقعهما شاهق الارتفاع فوق الجبال، كانا يستطيعان رؤية المشهد بالأسفل بوضوح. غامرت مينا بالإطلال برأسها للخارج برهة، فرأت شيئًا يصعد مسرعًا أحد جوانب الجبل. لقد كانوا مجموعة من الغجر يقودون عربة تحمل صندوقًا كبيرًا مربعًا. الكونت! كان الغجر يسابقون غروب الشمس، حيث إن الكونت لا بد أنه أمرهم ودفع لهم ليوصلوه إلى منزله قبل حلول ساعة السَّحر.
وخلف تلك المجموعة، كان يركض بسرعة رجلان يمتطيان جواديهما. كانا كوينسي موريس ودكتور سيوارد! وعلى الجانب الآخر من الجبل — حيث كان هناك طريق آخر يؤدي إلى الغابة — رأت مينا رجلين آخرين، حبيبها جوناثان واللورد جودالمينج، وكانا يمتطيان جوادين أيضًا ويركضان إلى قلب الحدث. كانت تلك الحركة المنظمة أشبه برقصة جميلة. عندما أخبرت مينا فان هيلسنج، صاح في طرب كالطفل الصغير.
اقترب الغجر شيئًا فشيئًا. بقي فان هيلسنج ومينا مختبئين في الصخور، شاهرين أسلحتهما، وعازمين على منع الغجر من المرور. وصلت جميع الأطراف أرض الغابة المقفرة في وقت واحد. ومن جهتين متقابلتين، صاح الصيادون فوق ظهور الجياد: «توقفوا!» ربما لم يكن الغجر يفهمون اللغة، لكن لم يخفَ عليهم معنى تلك الكلمة ولا الأسلحة المصوبة نحوهم.
أسرع جوناثان وكوينسي موريس نحو العربة. تملكت جوناثان قوة غريبة أكثر من الآخرين، قوة خارقة. تفادى سكاكين الغجر وعبر إلى الصندوق الكبير الممتلئ بالتراب فرفعه ثم طرحه أرضًا.
هرع كوينسي موريس ليساعده، متفاديًا السكاكين أيضًا، لكنه لم ينجح كصديقه. فقد اخترقت إحدى السكاكين جانبه وبدأ ينزف بشدة. ومع ذلك، استمر يقاتل. انتزع الرجلان معًا الغطاء من فوق الصندوق الكبير، ووقف الآخرون يؤمنونهم بأسلحتهم.
وداخل الصندوق، رأوه راقدًا، ذلك المخلوق الذي ظلوا يسعون وراءه كل هذا الوقت؛ دراكولا. كان الكونت يرقد بهدوء داخل الصندوق، شاحبًا كالأموات، وكأنه تمثال من الشمع. كانت عيناه بالرغم من ذلك مفتوحتين تطل منهما نظرة شر كانوا جميعًا يعرفونها جيدًا.
وفي تلك اللحظة رأت هاتان العينان الشمس تغيب في الأفق، وتحولت نظرة الكراهية فيهما إلى نشوة انتصار. ظن الكونت أنه فاز مرة أخرى. فور أن تغرب الشمس، سيكون بمأمن من أي مكروه.
ولكنه تسرع بإيقان النصر! ففي تلك اللحظة هاجمه جوناثان وكوينسي موريس فاخترقا قلبه وقطعا رأسه بسكينيهما. وأمام أعينهم جميعًا، انهار جسد الكونت بالكامل إلى ثرى واختفى.
أفزع الغجر الاختفاء المفاجئ للجثة، فرجعوا أدراجهم لينجوا بحياتهم. حتى الذئاب تراجعت إلى مسافة آمنة، وتركت المجموعة وشأنها.
تهاوى كوينسي موريس على الأرض منحنيًا على مرفقه ضاغطًا بيده على جانبه. ولاحظت مينا أن الدماء تندفع من بين أصابعه. فأسرعت إليه، والطبيبان أيضًا، لكن لم يكن بيد أحدهم شيء يفعله. التقط كوينسي موريس أنفاسه وأخذ بيد مينا وابتسم لها ابتسامة عذبة.
قال: «سعيد بأنني استطعت مساعدتك.» وضحك فجأة مشيرًا إلى جبهتها قائلًا: «رائع! انظروا! كانت رؤية هذا تستحق التضحية، انظروا! انظروا!»
سقطت أشعة الشمس التي كانت في طريقها إلى المغيب على وجه مينا، فأضفت عليه وهجًا ورديًّا. وعندما التفتوا إلى حيث كان كوينسي موريس يشير، رأوا ما كان يقصده. لقد اختفت الندبة. كانت جبهة مينا نقية كالثلج. لقد انقشعت اللعنة.
عندئذٍ، رحل عنهم كوينسي موريس؛ ذلك الرجل الذي ظل همامًا نبيلًا حتى النهاية.
بعد مرور سبع سنوات، عادت مينا وجوناثان إلى ترانسلفانيا. كان برفقتهما ابنهما كوينسي الذي سمي باسم صديقهما القديم الجسور. وبينما كانا يسيران على الأرض التي عجَّت يومًا بالذكريات المريعة ممسكين بأيديهما يدي كوينسي الصغير، تذكرا أحداث الماضي دون شعور باليأس وهما يتذكران الأشياء العظيمة التي يستطيع الناس أن يفعلوها في سبيل الحب.