جوناثان يعلم أنه سجين
نام جوناثان حتى وقت متأخر في اليوم التالي. وعندما استيقظ لم يجد الكونت. ومع وجبة شهية أخرى أُعدت ليأكلها جوناثان بمفرده، ترك الكونت رسالة قصيرة دعاه فيها إلى التجول أينما شاء في أرجاء القلعة باستثناء تلك الغرف التي كانت أبوابها مقفلة.
ونهاه في الرسالة نهيًا غريبًا شديد اللهجة: «وإياك أن يغشاك النعاس في أي مكان آخر بالقلعة غير غرفتك!»
قضى جوناثان أغلب ساعات اليوم في الترتيب لشراء عقار الكونت. ولكن عندما شعر بالحاجة إلى استراحة، قرر أن يستكشف المكان قليلًا. كان يرى أن القلعة أشبه بمتحف حافل بالتحف والروائع الفنية وغيرها من الأشياء الجديرة بالاقتناء. كان كل شيء يتَّسِم بأعلى جودة، ويبدو أن عمره مئات السنين.
ولكن في كل الجولات التي قام بها جوناثان، لم ير شيئين؛ أولهما: أشخاص آخرون. تساءل: «كيف لا يستعين الكونت بأي شخص في هذه القلعة الكبيرة؟» وثاني شيء لاحظ غيابه كان المرايا، لم تكن موجودة حتى في الحمامات. لم يكن الرجل مغرورًا — للعلم — ولكن المرء يحتاج أحيانًا إلى مرآة؛ إذا أراد أن يحلق مثلًا. ومن حسن الحظ أن جوناثان كان قد أحضر مرآته الخاصة. كانت قطعة صغيرة بين مجموعة أدوات الزينة التي يأخذها في سفره.
عاد الكونت إلى المنزل ذلك المساء بعد حلول الظلام، واستمرَّ نظام الحياة على المنوال نفسه. لم يأكل الكونت قطُّ، مدعيًا دائمًا أنه سبق أن تناول طعامه، وبدلًا من الطعام، كان يكتفي بالجلوس مع جوناثان لمناقشة الأوراق التي أعدها ذلك اليوم ويطرح عليه المزيد من الأسئلة عن المنزل الذي كان يشتريه في لندن.
كان جوناثان قد قدم عرض شراء المنزل نيابةً عن الكونت مع أنه لم يدرك حينها كيف يمكن لأي شخص أن يرغب في شراء عقار كهذا. كان عقار كارفاكس بناءً عتيقًا كئيبًا ملحقًا به كنيسة صغيرة قديمة ظلت مهجورة لسنين. أما الآن بعد أن التقى الكونت ورأى منزله الحالي، فقد بات يدرك أن المنزل الجديد سيكون ملائمًا تمامًا. خطر لجوناثان أن السبب في هذا ربما كان أصوله في ترانسلفانيا، ولكن الكونت كان يبدو وكأنما خُلق ليعيش في الظل والظلام.
كل ليلة كان الكونت يُبقي جوناثان مستيقظًا ويتحدث حتى طلوع الفجر. كان أمرًا غريبًا في البداية، لكن جوناثان سرعان ما اعتاد ذلك. قال لنفسه إن بعض الناس على كل حال تكون طبيعتهم ليلية، وهو في مهمة، وعليه أن يتكيف مع نظام مواعيد عميله.
كل يوم كان جوناثان يصحو متأخرًا ويستحم ويستخدم مرآته الصغيرة في الحلاقة، ويتناول إفطارًا هادئًا بمفرده ثم يعكف على أوراقه. وكان من وقت لآخر يكتب في دفتر يومياته الصغير الذي أخفاه — بحكم عادته منذ نعومة أظافره — على جسده. كان أحيانًا يراسل مديره السيد هوكينز أو خطيبته مينا، لكنه لم يجرؤ على كتابة أي شيء شخصي للغاية، وبالطبع لم يكتب باللغة الرمزية المختصرة التي كانت مينا تفهمها. كان السبب في هذا هو أن المظاريف القليلة التي أعطاها له الكونت لاستخدامه الشخصي كانت رقيقة للغاية، حتى إن أي شخص كان يستطيع قراءة ما كتب على الورق بداخلها. رأى جوناثان أن الكتابة بلغة الرموز ستكون سلوكًا معيبًا أو مريبًا تمامًا كالتحدث بلغة أجنبية أمام شخص لا يفهمها. كان الروتين مملًّا، ولكن الهدف من العمل ليس المتعة بالضرورة. إضافةً إلى ذلك، قريبًا ستحدث أشياء تجعله يشتاق إلى الحياة المملة مرة أخرى.
في البداية ذكر الكونت في حديثه أن على جوناثان المكوث في القلعة مدة شهر آخر على الأقل، فعبس جوناثان. كان من الغريب أن يستمر هذا المشروع كل ذلك الوقت.
عندما رأى الكونت عبوس جوناثان، عبس هو الآخر. قال الكونت: «هذه هي رغبتي، ولا مجال للرفض. لقد أكد لي مديرك أنه سيلبي رغباتي. فهل ستكون هناك مشكلة؟»
حاول جوناثان أن يقسر ملامح وجهه على الانفراج، وأجاب: «بالطبع لا، سأمكث ما دمت محتاجًا إليَّ.»
وما حدث بعد ذلك زاد جوناثان ضيقًا. جافاه النوم ذات ليلة، فعلق مرآة الحلاقة على الجدار وكان يهم بالحلاقة عندما سمع الكونت خلفه مباشرة يقول: «مرحبًا.» وثب جوناثان من مكانه. لم يكن فزعه بسبب مباغتة الكونت له بقدر ما كان بسبب عدم ظهور انعكاس الكونت في المرآة. أي سحر غريب هذا؟
ما إن لاحظ الكونت وجود المرآة وغياب انعكاسه فيها، حتى اتقدت عيناه غضبًا، وأمسك برقبة جوناثان فجأة. لكن عندما لمست يداه حبات المسبحة التي كان بها الصليب حول رقبة جوناثان، تراجع الكونت في عنف. غير أنه لم يتوقف عند ذلك الحد، ففتح النافذة المجاورة وألقى بالمرآة بعيدًا وهو يتمتم بشيء عن الغرور. وفي مكان سحيق بالوادي، تهشمت المرآة إلى ألف قطعة.
قال الكونت: «أعتذر عن هذا بشدة، لكن المرايا أمر غير محبَّذ هنا. فمن المرجح أن تنكسر وتجرح أحدًا، والجروح أمر خطير في الريف. قد تعرضك لخطر العدوى كما تعلم.»
وفي آخر المطاف، كان جوناثان يستكشف المنزل ذات يوم ليعرف عنه المزيد أثناء وجود الكونت بالخارج، وأدرك أن كل الأبواب المؤدية للخارج مقفلة. ولم يكن هناك سبيل للخروج من القلعة سوى القفز من إحدى النوافذ ليسقط في الوادي السحيق أسفل القلعة ويلحق بمرآته المسكينة.
لقد أدرك أمرًا مريعًا؛ كانت القلعة سجنًا، وكان هو سجينًا بداخلها! كان أهل المدينة على حق. تساءل جوناثان: أي وحش هذا الذي لا يظهر حتى في المرآة؟ وأدرك كم كان أهل المدينة هؤلاء رائعين. وحمد الله لأنه على الأقل قبل صلبانهم وثومهم! ليته أيضًا قبل نصيحتهم الحكيمة السديدة.