العاصفة تأتي بسفينة غريبة إلى ويتبي
كانت مينا موراي — خطيبة جوناثان — قلقة؛ فقد طال غيابه، ولم يراسلها سوى مرات قليلة، ولم تعتد هذا منه. ولم تألف أسلوبه الذي كتب به؛ حيث تحدث بجفاء ورسمية وبلغة تقليدية بدلًا من اللغة المختصرة التي كان يستخدمها عادةً.
قالت لنفسها ربما كان مشغولًا فحسب، وحاولت أن تهدئ نفسها. إلى جانب أن خطاب جوناثان الأخير كان ينص بوضوح على أنه بخير وسيعود في غضون أسبوع. لم تطق صبرًا حتى تعرف كل مغامراته في ترانسلفانيا.
في الوقت نفسه، ستنشغل مينا اليوم بزيارة مرحب بها من صديقتها المخلصة لوسي ويستيرنا. فقد تلقت لوسي مؤخرًا ثلاثة عروض زواج وليس عرضًا واحدًا، وكانت تتوق إلى إخبار مينا عن كل شيء.
كان أول عرض من الدكتور جون سيوارد، وهو شخص طيب وذكي يدير مصحة نفسية صغيرة في منزل بالمدينة التي كان يعيش بها أيضًا. لم تكن تحبه، لذا رفضت عرضه.
والعرض الثاني كان مقدمًا من أمريكي لطيف جدًّا قادم من تكساس ويُدعى السيد كوينسي بي موريس. ربما كانت شخصيته المرحة سببًا في سهولة تقبله للرفض أكثر من الدكتور سيوارد.
أما العرض الثالث فكان مقدمًا من السيد آرثر هولموود. وهو صديق للعائلة منذ زمن بعيد، طويل القامة، وسيم، مجعَّد الشعر، وفي الحقيقة هو الذي عرف الرجلين الآخرين عليها. ولكن هو وحده من فاز بقلبها. وكان عرضه هو الوحيد الذي تستطيع قبوله.
كانت الشابتان ستذهبان في عطلة صغيرة للاحتفال والتخطيط للزواج. وكانتا ستمكثان في ويتبي، في قرية صغيرة تشتهر بصيد الحيتان، بنزل صغير يطلُّ على الميناء والخليج.
كانت ويتبي مدينة عتيقة غائمة وجميلة. وعلى ضفاف الخليج، كان جزء من مقبرة قديمة فوق جرف قد هبط نحو الماء، فمالت بعض شواهد القبور، وكأنها حديقة منحوتات حزينة. ولأن لوسي كانت شخصية سريعة التأثر بطبيعتها إلى حد ما، شعرت بانجذاب خاص نحو المقبرة القديمة. جلست المرأتان هناك ساعات على أحد الشواهد التي نُحِّيَت جانبًا، وأحيانًا كانتا تجلسان في صمت، قانعتين بالأفكار والكتب.
وفي أحيان أخرى، كانتا برفقة آخرين من أهل المدينة المثيرين الذين كانوا يلتقونهم من وقت لآخر. كان بعض هؤلاء الناس يقصُّون حكايات خرافية. فمثلًا إذا سمعوا جرسًا يدق فإن هذا يعني أن سفينة فُقدت في البحر. وكان رجل عجوز يُدعى السيد سويلز يهزأ دائمًا من مثل هذه الأمور ويرفضها لأنها قصص أشباح سخيفة.
ولكن مع مرور أيام عطلتهما، وبدلًا من الاسترخاء، بدأت كلتا المرأتين تشعران بمزيد من التوتر. بدايةً، منذ وصول آخر خطابات جوناثان الثلاثة الغريبة المقتضبة والرسمية، لم تصل كلمة واحدة أخرى منه. والأدهى من ذلك أنه أخلف وعده ولم يعد إلى لندن حتى ذلك الوقت.
لوسي أيضًا كانت تُصيب مينا بالتوتر. فقد رجعت إلى عادة السير أثناء نومها كما كانت تفعل في طفولتها. كانت مينا تحاول أن تنام نومًا خفيفًا حتى تستطيع أن تستيقظ على صوت تجول صديقتها في المكان وتُعيدها برفق إلى فراشها.
حتى الطقس بدا عليه الاضطراب. وتوقع الصيادون المحليون اقتراب حلول عاصفة. حتى سيد سويلز العجوز اعترف بهذا؛ فأشار إلى البحر ذات يوم وهو يرتجف وقال: «تحمل الرياح معها صوت الموت ومظهره ومذاقه.»
ربما كان السبب هو السفينة الغريبة التي لاحظ العديد من أهل المدينة وجودها عند أطراف المدينة مؤخرًا وهي تجوب حولها في فضول كبير وتغير مسارها مع كل هبة ريح.
أصاب الصيادون؛ كانت العاصفة التي هبت في النهاية على ويتبي من أشد العواصف التي شهدتها المدينة على الإطلاق. وفي اليوم الذي اكتسحت فيه العاصفة المدينة، كان مشهد غروب الشمس مشهدًا عظيمًا بمعنى الكلمة، وقد خرج أغلب أهل المدينة إلى المرتفعات ليشهدوا الألوان الرائعة. ولاحظ جميع الحاضرين أن السفينة الغريبة كانت لا تزال قرب الميناء فاتحة أشرعتها بالكامل، مما كان يشكل خطرًا كبيرًا في ظل الرياح المتسارعة.
بعد منتصف الليل بقليل، انبعث صوت غريب من عرض البحر. ودون إنذار، انفجرت السماء، وارتفعت الأمواج معلنة غضبها، فحولت البحر إلى وحش كاسر. غزت اليابسةَ كتلٌ كثيفة من الضباب. وتراقصت السحب البيضاء كالأشباح. وبينما كان الرعد يضرب والبرق يومض، كان أهل المدينة محتشدين وقد حبسوا أنفاسهم مترقِّبين وصول القوارب التي ما زالت في البحر واحدًا تلو الآخر إلى الميناء بأمان ليبتهجوا بذلك.
وأخيرًا، لم يبقَ في البحر سوى السفينة الغريبة وقد نشرت أشرعتها بالكامل. كانت تبدو حينها معرضة لخطر الابتعاد عن الميناء تمامًا والتحطم فوق الشعاب الحادة الواقعة وراءها مباشرةً. وبعد ذلك، حدثت معجزة؛ فقد تحول مسار الرياح وسيقت السفينة نحو الميناء مندفعة بشدة فوق سد رملي، ولكن دون أن يصيبها مكروه.
عندما اقترب أهل المدينة من السفينة، كان أول ما رأوه جثة، رأسها متدلٍّ، ويدها مربوطة بالحبال إلى دفة توجيه السفينة. ولم يكن على متنها أي كائن حي آخر. لقد كانت السفينة تقودها يد ميتة!
قال واحد من أهل المدينة: «ما هذا الذي يمسكه؟» قفز أحدهم فوق ظهر السفينة ليرى. لقد كان صليبًا. وكان أثر ضغط الصليب على اليد يدل على أن القبطان كان يقبض عليه بقوة.
هلع الجميع عندما قفز كلب ضخم من باطن السفينة إلى ظهرها فجأة واخترق الجماهير واختفى في الظلام متجهًا نحو المقبرة.