لوسي تسير أثناء نومها إلى المقبرة
رحلت العاصفة عن ويتبي بسرعة كما هبَّت عليها بسرعة، وكأنها حققت غرضها الوحيد. اتَّضَح أن السفينة الغريبة كانت سفينة روسية تُدعى «ديميتر»، تحمل شحنة غريبة جدًّا؛ عددًا من التوابيت الخشبية الضخمة المملوءة بالتراب. وبعد ذلك ببضعة أيام، أتى موظفون لدى إحدى الشركات وقدموا أوراقًا تثبت أنهم استُؤجروا ليأخذوا التوابيت وينقلوها. فصرَّحت الشرطة لهم بنقلها.
في جيب القبطان المتوفى، وجدت الشرطة زجاجة بها رسالة. كان القبطان قد كتب الرسالة قبيل وفاته، وحكى فيها عن طاقم ظلَّ أفراده يُفقدون واحدًا تلو الآخر. كان أحدهم قد أبلغ عن رؤية رجل طويل ونحيف وشاحب البشرة على متن المركب، ولم يكن ينتمي إلى الطاقم. لكن عندما بحثوا لم يجدوا أحدًا.
كانت الرسالة تتحدث عن تزايد الضباب وتعطل المحركات واختفاء المزيد من الرجال. وأخيرًا، لم يتبقَّ سوى القبطان ورجل آخر؛ رجل روماني لم يزعم أنه رأى الغريب الطويل الشاحب فحسب، وإنما زعم أنه طعنه بسكين اخترقت شفرتها جسده وكأنها تمر خلال الهواء!
استنتج الروماني أن ذلك الغريب ربما كان مختبئًا في أحد هذه التوابيت! وأقسم على أن ينزل ويبحث في كل صندوق. لكن بعد دقائق قليلة، سمع القبطان صرخة مروعة بعدها ركض الروماني عائدًا إلى ظهر السفينة.
بحسب ما جاء في الرسالة التي كانت بجيب القبطان، صرخ الرجل والخوف يملأ عينيه: «أنقذني!» كان الرعب قد تملك القبطان وهو يرى الروماني يركض نحو السياج ويلقي بنفسه ليلقى حتفه في المياه الباردة بالأسفل، ظانًّا أن البحر وحده هو الذي يستطيع إنقاذه.
وآخر ما جاء في الرسالة أن القبطان رأى الرجل شاحب البشرة هو الآخر، وقال: «لكني لن أترك عجلة القيادة، مهما حدث، لن يجبرني هذا الوحش الشرير على هذا!»
لم يستوعب أحد ما جاء في هذه الرسالة. هل كان القبطان مجنونًا؟
حضرت المدينة كلها جنازته، باستثناء السيد سويلز المسكين. لقد وجدوه ميتًا ذلك الصباح، جالسًا على مقعد السيدتين المفضل في المقبرة. قال الطبيب إنه مات من الخوف. كان وجهه لا يزال يحمل تعبير التحديق إلى شيء مريع. فما الذي قد يكون رآه؟
أصيبت مينا بإرهاق شديد ليلة الجنازة، حتى إنها غطَّتْ في نوم عميق ولم تسمع لوسي وهي تنهض وتسير أثناء نومها لتنزل الدرج وتخرج من النُّزل.
عندما استيقظت مينا، لم تجد صديقتها؛ فشعرت أنها تعرف إلى أين قد تكون لوسي ذهبت. أحضرت شالًا ثقيلًا وأسرعت نحو الأجراف والمقبرة. وكما توقعت، عندما اقتربت وبزغ ضوء القمر من وراء سحابة، رأت صديقتها من بعيد شاحبة مرتدية ثوب نومها الأبيض وهي تجلس على الشاهد المفضل لديهما.
ولكن ما هذا الذي كان يقف وراءها، ذلك الشيء الطويل الأسود الذي كان يميل نحوها؟ هل هو ظل سحابة؟ شخص ما أو حيوان؟ ركضت مينا بأسرع ما استطاعت، وعندما وصلت تأكدت مما رأت: كان شيء طويل أسود يميل نحو صديقتها التي كانت مُضطجعة.
صاحت: «لوسي!» فرفع الشيء الأسود رأسه ليكشف عن وجه أبيض وعينين حمراوين وامضتين. هل كان ذلك حقيقيًّا أم أنها هي الأخرى كانت تسير أثناء نومها وتحلم؟ أخفت السحب القمر لحظة أخرى، ليختفي كل شيء في الظلام. وعندما عاد القمر، كان الوحش قد اختفى وكانت لوسي لا تزال نائمة. هزَّتها مينا برفق لتوقظها، فأنَّت واضعة يدها على عنقها. ظنت مينا أنها ربما أُصيبت بالتهاب في الحلق بسبب هواء الليل البارد.
أعطت مينا الشال للوسي وثبتته حول عنق صديقتها بدبوس وأعادتها إلى النُّزُل. وفي اليوم التالي، بدت لوسي بخير باستثناء أن عنقها كان به ثقبان دقيقان.
قالت مينا: «أعتذر بشدة، لا بد أنني قد جرحتك بدبوسي.»
قالت لوسي: «لا مشكلة، لم أشعر بأي شيء.» لكن مينا كانت قلقة، فأثناء الإفطار حكت لوسي عن شيء كانت متأكدة من أنه حلم، فوصفت نفس الشيء الطويل الأسود ذي العينين الحمراوين الوامضتين الذي رأته مينا نفسها.
تلك الليلة، أوصدت مينا الباب المؤدي إلى غرفتهما، واحتفظت بالمفتاح في رباط حول معصمها، حتى لا تستطيع لوسي إيجاده ومغادرة النُّزُل ثانيةً. وبالرغم من ذلك، جرَّبت لوسي طريقًا آخر. انتبهت مينا في منتصف الليل على صوت فتح مزلاج النافذة.
ذهبت مينا لتحضر صديقتها وتبعدها عن النافذة. وهناك في السماء الفاصلة بينهما وبين القمر، رأت خفاشًا عملاقًا يحلق في دوائر واسعة.
قالت مينا وهي ترتجف: «عودي إلى فراشك!» وأطاعتها لوسي النائمة.
كل ليلة بعد ذلك، ظلت لوسي تسير أثناء نومها إلى النافذة. وما إن تصل إلى هناك، حتى كانت تغطُّ في النوم ورأسها مستند إلى عتبة النافذة. ذات ليلة هبت ريح باردة أيقظت مينا، وعندما ذهبت لتتفقد صديقتها، وجدتها نائمة هناك، وبجانب عنقها مباشرةً كان يجلس طائر أسود عملاق.
وبمرور الأيام، زادت لوسي شحوبًا أكثر فأكثر. ربما كان هواء الليل البارد هو السبب. لمحت مينا رقبة صديقتها ذات يوم فقلقت عندما لاحظت أن الثقبين الدقيقين لم يكونا في طريقهما إلى الشفاء، بل بالعكس، لقد ازدادا سوءًا! إذا لم يلتئما قريبًا فستصر مينا على عرض لوسي على طبيب.