صدق اللهجة
ثم وجهت خولة خطابها إلى عمرو قائلة «أرجو من الأمير أن يطلق للساني الحرية لأقول كل ما يجول في خاطري».
قال «قولي ما بدا لك».
قالت «أما سبب مخالفتي والدي في رأيه وتحزبي للإمام علي رحمه الله فهو لأني صادقة مخلصة في فكري وقولي وهو المنحرف المتقلب. وما كنت لأصف والدي بهذا العيب لو لم يضطرني إلى ذلك
قال عمرو «وما معنى هذا؟»
قالت «يعلم مولاي الأمير أن والدي ربي في نعم الإمام عليّ وأنا في حجره مع اعتقادنا أنه ابن عم الرسول (ﷺ) وأنه عل الحق في أعماله».
فأراد والدها أن يقطع حديثها فاعترضه عمرو وألزمه السكوت فقالت «فلما كانت واقعة صفين كان والدي في جملة من خالفه في أمر التحكيم من الخوارج. فهو الذي انحرف عنه. أما أنا فظللت على رأيي ولا أزال عليه إلى اليوم».
فقال عمرو وهو معجب بجسارتها «ولكن علياً شارك الجهال في قتل الخليفة عثمان فقتلوه ظلماً ونحن إنما قمنا نطالب بدمه».
قالت «أما مقتل الخليفة عثمان فأرجو من مولاي الأمير أن لا يلجئني إلى الخوض في شأنه لأني ربما اضطررت إلى ما أتجنب ذكره».
قال «وما الذي يخيفك بعد ما أبديته من الجرأة؟»
قالت «يخيفني غضب الأمير لأمر هو داخل فيه».
قال «قولي كل ما يبدو لك ولا تخافي».
قالت «أما مقتل الخليفة عثمان رحمه الله فلا أظن مولاي عمراً إلا من جملة الراضين به».
فبغت عمرو وقال «وكيف تقولين ذلك يا خولة».
قال «وهل يؤخذ من ذلك أني كنت أريد قتله؟»
قالت «كلا ولكنه يدل على أنك كنت ناقماً عليه».
قال «إنما كنت ناقماً ليرجع عن أعماله ويبقى على خلافته».
قالت «لو كان هذا هو قصدك فقط لما فرحت بقتله؟»
فانذهل عمرو من سعة اطلاعها على خفايا الأمور ولكنه لم يستطع إلا استفهامها فقال «وكيف تقولين أني فرحت وما دليلك على ذلك؟»
قالت «دليلي قريب إذا أمنني الأمير قلته».
قال «قولي».
أما هي فهمت بالكلام فإذا قطام تقول «إني لأعجب من حلم الأمير وما الذي يرجوه من دفاعها عن ذنب اعترفت به صريحاً».
فلم تعبأ خولة بقول قطام ولكنها أجابت عمراً قائلة «إني لا أنكر عليك عظم هذا الذنب بالنظر إلى ما كنت ترجون من قيامي بأمر الخوارج وموافقة والدي على تأييد أمركم والتصديق على دعواكم ودعوى معاوية وإنكم على الحق. وقد قدمت لمولاي بأني فعلت ذلك وأنا على دعوة الإمام علي فذنبي من هذا القبيل لا يعد شيئاً بالنظر إلى ما تستوجبه هذه المرأة (وأشارت إلى قطام) التي إنما جاءت بهذه الوشاية غيرة عليك وضناً بحياتك فاتهمتني بالخيانة لأني على زعمها كنت عالمة بخبر المؤامرة ولم أخبرك بها فما الذي منعها هي عن إخبارك بذلك يوم أرسلت عبدها عبد السوء للوشاية بأصحاب عين شمس. فإذا كانت هذه المرأة صادقة في دعواها ألم تكن هي أولى مني بإطلاع الأمير على ذلك الأمر؟ اسألها وانتظر في جوابها».