العفو العام
فلما خرجت قطام ولبابة من المكان عاد السكوت إلى الجلسة وكل في مكانه وعمرو غارق في بحار التأمل فكر في خولة وشهامتها وصدق مودتها فرأى أنها إذا كانت على دعوته لا يخشى ضرها بل قد تكون أكبر عون له إذ يندر مثلها بين النساء وغلب على اعتقاده أنها بعد مقتل الإمام علي لم يبق لها سبيل لنصرته فتفضل أن تكتسب رضاء عمرو. وخصوصا إذا عفا عنها وعن زوجها عبد الله.
وبعد السكون هنيهة خاطبها قائلا «والآن ما قولك يا خوله ما الذي نفعله بك».
قالت «لا أبالي يا مولاي بعد أن بسطت لك الحق أن تفعل بي ما تفعله. فقد صدقتك القول بصراحة لا أظن أحد يتجرأ على مثلها. فإذا أمرت بقتلي فإن لا أزيد عدد الموتى ولا أقلل عدد الأحياء. ولا فائدة من بقائي ولا ضرر من مماتي وقد قلت لك في أول حديثي أنه قد قتل واندرج تحت التراب من لا أقاس بأنملة من أنامله. فهل أنا أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان أم أنا خير من ابن عم الرسول (ﷺ) فإذا شئت اقتلني وأرحني من حياة لا عدل فيها ولا حق … ولكنني أطلب إليك إذا قتلتني أن لا تعفو عن تلك الخائنة الغادرة» قالت ذلك ودمعت عيناها.
فتأثر عمرو من صدق لهجتها وثبات جأشها فقال لها «وإذا عفوت عنك» قالت «وإذا عفوت فالعفو من شيم الكرام وتكون حياتي هبة من عندك».
فتقدم عبد الله للحال وجثا بين يدي عمرو قال «أرغب إلى مولاي كما وهبني حياتي أن يهبني حياة هذا الملاك الطاهر فنكون كلانا هبة من فضله».
وكان والد خولة لا يزال واقفاً وقد سحر بما أبدته ابنته من الحمية والشهامة وقد خجل لأنه لم يكن صادقاً في إخلاصه لعلي مثلها. فلما رأى عبد الله يلتمس العفو لابنته تقدم هو أيضاً وقبل يدي عمرو وقال «لقد كنت يا سيدي أشد نقمة منك على خولة ولكنني أراها والله خيراً مني وأراني أصغر منها فالتمس لها العفو أيضاً» قال ذلك ونادى خولة فدنيت فقال لها «قبلي يد الأمير واستغفريه» ففعلت وتصافح أبو خولة وعبد الله وعادوا إلى مقاعدهم وقد تذكر عبد الله ابن عمه سعيداً وعلاقته بخولة فقال في نفسه إنها فرصة لا ينبغي ضياعها فخاطب عمراً قائلاً «أما وقد وهبتنا حياتنا جزاء لصدق لهجتنا فلا يسعني والحالة هذه إلا أن أتم الصدق بكشف سر لا يزال مكتوماً».