كشف السر
فلما قال ذلك علمت خولة أنه سيتكلم بشأن سعيد فخفق قلبها وغلب الحياء عليها فانزوت في بعض جوانب الغرفة.
أما عمرو فقال لعبد الله «قل ما بدا لك».
قال «أنت تدعوني الآن زوج خولة وما أنا والله إلا أخوها».
فبغت عمرو وأبو خولة وقال عمرو «كيف لا وقد كتبت كتابك عليها».
قال «نعم إنها زوجتي بالكتاب ولكنها بكراً وقد آخيتها فهي أختي بعهد الله والرجل لا يتزوج أخته».
فازداد استغراب عمرو وقال «وكيف ذلك أفصح يا عبد الله».
قال «لأن خولة أحبت ابن عمي سعيداً قبلي ولابد أنكم لحظتم ذلك من خلال حديث قطام ولكنني لم أعلم ذلك إلا بعد كتابة الكتاب ونظراً لحبي الشديد لابن عمي وقد كفلته بوصاية جدي أبي رحاب أمسكت نفسي عن خولة وآخيتها. واعترف لمولاي الأمير أننا تواطأنا على الخروج من الفسطاط إلى الكوفة بحيلة وسعيد ينتظرنا هناك فأزف خولة إليه».
فلما سمع عمرو كلامه ازداد إعجاباً بشهامته وصدق مودته ونظر إلى أبي خولة كأنه يستطلعه رأيه في الامر فإذا هو لم يكن أقل إعجاباً بتلك الشهامة ولكنه لم يتمالك عن أن نهض وضم عبد الله إلى صدره وقبل رأسه وقال «بورك فيك من صديق صادق فإذا صارت خولة أختاً لك فاقض لها ما أنت قاض».
فقال «إذا أمر مولاي بعثنا سعيد وهو في الكوفة مع بلال العبد فيقدمان إلينا فيكتب الأمير كتابه بأمره».
فقال عمرة «إن ذلك لك على الرحب والسعة» وأمر غلامه أن يمد عبد الله بما يريد مما يتعلق باستقدام سعيد.
فجهز عبد الله رسولاً وكتب إلى سعيد يستقدمه ويبسط له واقعة الحال وأوصى الرسول أن يجعل طريقه بدمشق لأن سعيداً كان فيها فلعله لا يزال هناك.
واستاذن أبو خولة وابنته بالانصراف إلى بيته فأذن لهما فخرجا وخولة تفكر في قطام وكانت قبل هذه الجلسة تريد الانتقام منها ولكنها لما رأت ما كان من فشلها ازدادت حمأة انتقامها.على أنها تذكرت أن بلالاً أقسم أن يقتلها ناهيك عن حقد سعيد عليها فعولت أن تستعطفه لكي يعفو عنها ويكتفي بما أصابها من الفشل والإهانة. وأما عبد الله فاستبقاه عمرو عنده بقية النهار وبات تلك الليلة ضيفاً في دار الأمير قد ارتاح باله من كل قبيل. ولكنه كان يفكر في قطام وما أصابها من البلاء وكيف سيقت إلى السجن مهانة وقد انكشف أمرها وافتضح سرها فخفت نقمته عليها واكتفى بأن تبقى مسجونة حتى يرى ما يكون من أمرها بعد قدوم سعيد.
وفي الصباح التالي بعث عمرو إليه ليتناول الطعام معه فذهب وفي أثناء الطعام تحدثا بحديث قطام وعجوزها فذكر عبد الله ما يجول في خاطره من الشفقة عليها فقال له عمرو «إنه والله حلم لم يسبقك إليه معن.. وما ظنك بخولة هل تقول قولك؟»
قال «لا أظنها إلا على رأيي لا تواطؤ».