الجريمة والفرار
فأحب عمرو أن يجرب ذلك فبعث إلى خولة فلما جاءت سألها عن رأيها في قطام فقالت مثل قول عبد الله تقريباً.
فقال لهما عمرو «إني والله لأعجب من هذا التوارد وإنه دليل صريح على طيب عنصركما وقد كنت لو أردتما قتلها قتلتها لأنها شريرة تستحق الشنق. فأرى إذاً أن أسجنها في سجن مظلم لتذوق جزاء ما جنته يداها».
ثم نادى غلامه فحضر فأمره أن ينقل قطام إلى سجن مظلم وأن يأتي بالعجوز إليه فذهب الغلام ثم عاد وعلى وجهه أمارات البغتة.
فقال له عمرو «ما وراءك هل فعلت ما قلته لك؟»
قال «كلا يا مولاي».
وقال «لماذا؟»
قال «لأني وجدت الغرفة مفتوحة وليس فيها غير جثة المرأة العجوز».
قال عمرو «وقطام؟»
قال «لم أقف لها على أثر».
فصاح عمرو «تباً لتلك اللعينة الخائنة هيا بنا لتفحص الأمر بنفسنا» قال ذلك وأسرع لساعته وتبعه عبد الله وخولة حتى أتوا باب الحجرة التي كانت قطام مسجونة فيها. فإذا بتلك العجوز المسكينة صرعاء هناك لا حراك لها. فأرسل عمرو إلى طبيبه ليتفحص سبب وفاتها فجاء وبعد الفحص قال إنها ماتت خنقاً بعنف بعد جهاد ودفاع لأنه رأى في فيها حجراً ملفوفاً بمنديل كان القاتل سد به فاها لئلا تستغيث فيسمعها الخفراء فينكشف أمره.
فقال عمرو «ومتى كان ذلك؟»
قال «أظنه وقع في منتصف الليل أو ونحوه».
فحول عمرو انتباهه إلى باب الحجرة وتأمل خلعه فتبين له أنه خلع من الخارج لأنه رأى آثاراً معالجته بادات من الخارج. فقال «يظهر أن قطام ليست وحدها القاتلة لان يداً عالجت الباب وفتحته فمن فعل ذلك يا ترى؟»
وكانت خولة لما رأت لبابة مائتة وقطام قد نجت أسفت لما كانت تبغيه من العفو عنها وتضاعفت نقمتها عليها ولو حضرت بين يديها في تلك الساعة لقتلتها بيدها.
وكان عبد الله يشارك عمراً بالبحث فلما رآه يبحث عمن خلع الباب انتبه لساعته وقال «لقد كشفت الغامض وعرفت القاتل إنه ريحان عبد قطام فقد شاهدته في دار الأمير بالأمس قبل المحاكمة ولم أسمع الأمير أمر بالقبض عليه وأنه احتال بخلع الباب وساعد سيدته على قتل العجوز انتقاما لها أو خوفاً من لسانها».
فصاح عمرة للحال «لقد أصبت كبد الحقيقة إنه ذلك العبد بعينه ثم أمر بالجثة فحملت ودفنت وعاد الجميع آسفين لنجاة تلك الخائنة من بين أيديهم ولكنهم عزوا أنفسهم بصفاء المودة بينهم وخصوصاً خولة عبد الله فإنهما كانا يتوقعان قدوم سعيد ولا ينغص عيشهما إلا فرار قطام ومقتل الإمام علي أن عمراً عول على البحث عنها ومعاقبتها».