النزول
وكانت قطام لما أرسلت إلى سجنها قد حقدت على لبابة كما قد علمت. ونظراً لما فطرت عليه من اللؤم والقساوة لم يكن أهون عليها من قتل لبابة ولم تعبأ بما كان لها في خدمتها من تعب. وكان ريحان يومئذ واقفاً في دار الإمارة فلما رأى سيدته ولبابة سائرتين مخفورتين علم أنهما في ضيق فراعى القوم ببصره حتى عرف الحجرة التي حبسوهما فيها. وعمل فكرته لإنقاذهما. وكانوا عند أول وصولهم الفسطاط قد نزلوا في دار الإمارة فاحتال في إخراج الجمال والأمتعة إلى مكان خارج الفسطاط. ولما توسط الليل غافل الناس وجاء إلى سجن قطام وقد تهيأ لمعالجة الباب. فسمع لغطاً فإذا هو خصام احتدم بينها وبين خادمتها. فاستعجل في فتح الباب بالعنف ودخل فلما رأته قطام أشارت إليه أن يساعدها على قتل لبابة فصاحت هذه «تباً لك يا ظالمة يا فاجرة إني أتوب إلى الله عما ارتكبت في سبيلك من الذنوب. وأما أنت فلا نجاك الله من عواقب آثامك و….» فابتدرها ريحان حالاً فسد فاها وخنقها وخرج بسيدته من باب كان قد عرفه واسترضى بوابه. فلما بعد عن الفسطاط تحول بها إلى مأمن كان قد أعده عند موقف الجمال. فركبا وهي تثني على شهامته. فخيرها في الجهة التي تسير فيها فاختارت دمشق لأن فيها أناساً من أهلها قد هجروا الكوفة بعد واقعة النهروان وفشل الخوارج وأقاموا في دمشق.
فسارا حتى أتيا الغوطة في تلك الليلة بعد وصول رسول عبدالله ببضع ساعات كما قد رأيت. وكان بلال لما تأكد أنهما قطام وريحان لم يعد يعلم كيف يفرح.
وقال في نفسه لقد أجاب الله سؤالي. والله إني سأذيقهما الموت بيدي هذه. وجس منطقته فرأى الخنجر فيها. فلبث مستظلاً بالشجرة ليرى ما يكون منهما. فإذا هما قد سارا خطوات قليلة حتى أتيا إلى قناة لانحدار مائها خرير وبجانب القناة شجرة من الصفصاف يستظل بها المارة في أثناء النهار. فتحولا عن الجملين وضرب ريحان القبة كالعادة وأوقد النار ثم قال لمولاته «استريحي يا سيدتي ريثما ألاقي البستاني وآتي إليك ببعض الزاد والفاكهة وأنت هنا في مأمن».
قالت «سر ولا تطل الغياب».
قال «حسناً» وانصرف.