على الباغي تدور الدوائر
وكان بلال واقفاً ينظر إليه. فلما رآه توارى نظر إلى قطام على بصيص النار فإذا هي قاعدة وقد كشفت عن وجهها وعنقها وشمرت عن ساعديها ثم رآها نهضت وضفائرها مدلاة على كتفيها وظهرها وفي أطراف الضفائر دنانير معلقة إذا تصادمت أثناء المشي سمع لها رنين. ومشت إلى حافة القناة ودمالجها وخلاخلها تخض خشيشاً. فخاف بلال إذا أبطأ أن تفوته الفرصة فوثب عليها وهي تهم بالجلوس على حافة القناة وأمسك بطوقها وجذبها إليه فوقعت على قفاها فجثا على صدرها. فصاحت «ريحان» وقبل أن تتم كلامها وضع بلال قبضته في فيها وقال لها «لم يبق لك في هذه الحياة إلا دقائق قليلة فاعلمي قبل أن تفارقيها أني بلال خادم خولة وسعيد وإني منتقم للإمام عليّ» فأشارت بعينها إنها تريد الكلام فاستل الخنجر وصوبه إلى عنقها وقال لها «تكلمي بهودء وإذا رفعت صوتك أغمدت هذا الخنجر في عنقك».
قالت «ارحمني يا بلال وأشفق على حياتي».
قال «لا يرحمني الله إن رحمتك وأنت قد ضافرت ابن ملجم وحرضته على قتل الإمام عليّ. وأردت قتل شابين من خيرة الشبان. ولكن حيلتك لم تبطل فيهما وأخيراً جئت الفسطاط لإغراء أميرها على خولة. كيف أرحمك يا خائنة».
قالت «ذلك قد مضى يا بلال وأنا تائبة فاعف عن قتلي ولك كل ما أملكه».
قال «هل يتوب الهر!! وإما العفو عن قتلك فوالله لو عرفت قصاصاً أعظم من القتل لقاصصتك به لأن القتل قليل على فاجرة خائنة مثلك».
فهمت أن تجيبه فأدرك أنها تماطله ريثما يعود ريحان.
فقال لها «اعلمي يا قطام أني قاتلك انتقاماً للإمام عليّ» قال ذلك وأغمد خنجره في عنقها وأسرع فاحتز رأسها وترك الجثة ولها شخير ما زال يرن في أذنيه إلى مسافة بعيدة وكان لما رأى تلك القناة قد عرف الطريق المؤدي إلى مقر سعيد فانسل بين الأشجار وقد أمسك الرأس من جدائله وتركه يتدلى والدم يقطر منه.