الفاكهة الغريبة
فلما وصل بلال إلى سعيد والرسول الجديد كانا قد استبطآه وانشغل خاطرهما عليه. فلما سمعا وقع أقدامه صاح سعيد فيه قائلاً «أين الفاكهة يا بلال لقد أبطأت وغلب علينا الجوع».
فلم يجبه بلال ولكنه ظل ماشياً حتى وقف أمامه ورمى الجمجمة بين يديه وقال «هذه فاكهتي».
فأجفل سعيد ونظر فإذا هو رأس قطام بأقراطه وضفائره واستغرب أمره فسأله عن تفصيل الخبر.
فقال «ليس هذا وقت السؤال هلموا بنا نخرج من هذه الغوطة الآن فإذا أمننا من عيون الحكومة أخبرتكم الخبر».
فنهضوا وهم إلى تلك الساعة لم يذوقوا طعاماً وركبوا جمالهم واستحثوها جهد طاقتهم وهم تارة يصعدون تلاً أو ينزلون غوراً وآونةً يغوصون في الماء وطوراً يدوسون الأشواك أو تتصادم رؤوسهم وأكتافهم بغصون الأشجار حتى انتصف الليل فانتهوا إلى سهل قليل الأغراس وقد بعدوا عن دمشق فواصلوا السير إلى الفجر فتحققوا أنهم آمنوا العيون.
فجلسوا للاستراحة على مصطبة بالقرب من عين ماء جارية وسعيد في شوق شديد إلى سماع تفصيل مقتل تلك المرأة.
فقص بلال حديثه وقلبه يرقص من شدة الفرح وإتماماً لأسباب سروره استخرج الجمجمة من جراب كان قد خبأها فيه ووضعها على المصطبة بين يدي سعيد.
وكان شعرها قد تجبل بالدم والعينان مطبقتان والشفتان مفتوحتان عن أسنان كاللؤلؤ ومسحة الجمال لا تزال في محيا تلك المرأة مع صفاء اللون واصفراره وما تلطخ به من الدماء.