الموت عبر الأحياء
فمد سعيد يده إلى جبين تلك الجمجمة ولمسه فإذا هو بارد كالثلج فقال «آمنت بالله كأنه سبحانه وتعالى قد كتب لي أن لا ألمس هذا الجبين إلا وهو ميت مع شدة رغبتي في لمسه منذ أعوام» ثم وجه خطابه إلى الجمجمة وقال «أأنت قطام بنت شحنة وقد طليت دهاءك ومكرك على مئات من الرجال. أيتها العينين فتنت ابن ملجم كما فتنتني. وبهاتين الشفتين عقدت له على نفسك إذا قتل الإمام كما عقدت لي. إنك ستلاقينه عاجلاً وستلاقيان علياً في مكان لا تخفى فيه خافية. في مكان تنال فيه كل نفس جزاء ما صنعت إن خيراً وإن شراً».
ثم التفت إلى بلال وقال «ماذا نعمل بهذا الرأس؟»
قال «نحمله إلى الفسطاط لأضعه بين قدمي خولة ذلك الملاك الطاهر».
قال «لا أظنها تسر بهذا المرأى ولا أنا سررت به. زد على ذلك أن هذه الجمجمة لا تصل الفسطاط إلا بعد أن تنتن وتتصاعد عنها رائحة تنفر منها النفس».
فأطرق بلال هنيهة وهو يتأسف لعدم استطاعته حمل الرأس إلى خولة ثم قال «فأسمح لي إذاً أن أحمل علامة منه».
قال «وما هي تلك العلامة؟»
قال «أقطع منه الأذنين وفيهما الأقراط وأقص هذا الشعر وفيه الضفائر الذهب».
قال «لك ذلك فافعله».
فاشتغل بلال في ذلك على أن يستريحوا هناك وتناولوا الغداء ويعزموا على الفسطاط.