إذا سقط اللئيم لا يلقى نصيرا
أما ريحان فإنه عاد من عند البستاني بعد قليل وقد أعد كل ما ترتاح إليه سيدته من الفاكهة والأطعمة وأمر البستاني أن يشوي بعض اليمام. ولما دنا من الخيمة سمع شخيراً كشخير النائم وكانت قطام إذا نامت شخرت وهو يعرف فيها ذلك. فقال في نفسه يظهر أنها لم تتمالك عن النوم من شدة التعب. ودنا منها فإذا هي بجانب القناة والظلام حالك والنار التي أوقدها قد خمدت فلم ينتبه لحالها فقال في نفسه لأنيرن الشمع وأعد المائدة ريثما تفيق فأنار الشمعة ولاحت منه التفاتة إلى سيدته فرآها تتحرك فأقبل إليها فإذا هي تختلج اختلاج النزاع وقد أصبحت جثة بلا رأس ورأى دمها قد عكر القناة. فبغت ولطم وجهه ووقف لحظة يفكر في من عسى أن يكون قد فعل ذلك فقال في نفسه «لا يخلو أن يكون ذلك قد حدث بإيعاز عمرو بن العاص والقاتل قد فر الآن ولا سبيل إليه. فإذا أنا صحت وجمعت الناس لا أظن التهمة إلا واقعة عليّ».
فتحير في أمره ثم تذكر ما ارتكبته قطام من الفظائع كأنه يحاول أن يلتمس لنفسه عذراً إذا تخلى عنها. فرأى أنها ارتكبت عظائم تستحق القتل على كل واحدة منها.
وتذكر ما وراءها من المال الكثير والمصاغ الثمين وإنه هو وحده يعرف مخبآتها في الكوفة. فطمع في اكتساب ذلك الميراث وصمم على اغتنام الفرصة فهم بما عليها من الحلي واستخرج الأساور والدمالج من يديها والعقود من عنقها وجمع ما في جيوبها وصناديقها من غالي الثمن وخفيف الحمل. وتركها تخبط بدمها ولسان حاله يقول «ذلك هو جزاء القوم الظالمين» ودخل الشام في الصباح التالي فاشترى أثواباً تنكر فيها وقصد الكوفة واستخرج ما خبأته قطام هناك من الأموال وابتاع لنفسه ضيعة أقام فيها إلى آخر حياته.
وأما البستاني فكان قد أعد الطعام وحمله وفيه الخبز والفاكهة في سل وجاء إلى موضع الخيمة وهو مسرور بتلك الضيفة لأنهاه كانت كريمة تعطي الناس بسخاء. ولكنه ما وصل الخيمة حتى رأى الحال كما ذكرنا وليس هناك إلا جثة قطام وكانت قد همدت وسكن شخيرها واختلاجها. فلا تسل عن رعبه لما رآها في تلك الحال فقال في نفسه «لابد من جماعة أقوياء تجرأوا على هذا العمل وقد فعلوا ما فعلوا ونجوا بأنفسهم وإذا أنا أظهرت هذه الجثة جلبت لنفسي البلاء فما لي إلا أن أحتفر لها حفرة أخفيها فيها» فاشتغل بالحفر وهو يحاذر أن يراه أحد أو يسمع خبط معوله. ثم دفن الجثة وأخفى آثار الدماء وحمل كل ما بقي من الأمتعة إلى بيته وساق جملاً باقياً هناك وكتم تلك الحادثة ومازالت مكتومة إلى الآن.