الوصول إلى الفسطاط
أما وفد الفسطاط فلما أشرفوا على المدينة من سفح المقطم ظهر لهم جامع عمرو في وسط المدينة كالبدر بين الكواكب فاستعجلوا الرسول الجديد بالذهاب إلى عبد الله لينبئه برجوعهم وأوصوه أن لا يذكر له خبر قطام.
أما عبد الله فكان قد خلا له الجو وصفا له قلب الأمير ولكنه مازال منشغل الخاطر في أمر سعيد وكلما تذكر فرار قطام من سجنها انقبضت نفسه وكلما لقي خولة تحادثا بما مر بهما وذكرا سعيداً والتمسا سرعة وصوله وعبد الله يدبر أسلوباً يخبره به عن حقيقة حاله مع خولة.
وفيما هو جالس ذات صباح في غرفته بدار الأمير إذا برسوله قد أقبل وعليه علائم السفر فصاح به «ما وراءك».
قال «ورائي سيدي سعيد وبلال».
قال «وأين هما؟»
قال «تركتهما في سفح المقطم قادمين وجئت لأبشركم».
قال «أهلاً بالقادمين» ونهض لساعته وخرج على فرس أسرج له ولم يكد يخرج من الفسطاط حتى التقى بسعيد وبلال على جملين فترجل بلال للحال وهم بيد عبد الله فقبلها.
فقال عبد الله «بورك فيك يا أسمر وبورك بشهامتك» وهم سعيد أن يترجل فأشار إليه عبد الله أن يبقى على جمله لينزلا معاً في دار الإمارة.
فمشوا وسعيد يبتسم فقال له عبد الله «ما الذي يضحكك».
قال «يضحكني أننا ذاهبون إلى دار عمرو بن العاص وقد كنا بالأمس نحاذر أن يسمع بنا أو يرانا».
قال «لله في خلقه شؤون» ثم قال بصوت خافت كأنه يحاذر أن يسمعه أحد «لو أراد الله نجح مسعانا ونجا الإمام عليّ كرم الله وجهه لما همنا النزول في هذه الدار».
فقال سعيد «لا تذكرني بذلك الحادث الفظيع فقد شهدته بنفسي ورأيت ابن ملجم اللعين بأم عيني يضرب الإمام بذلك السيف المسموم وقد كانا بيننا وبين إنقاذه لحظة لو أراد الله لعجلها. ولكن الآجال مرهونة بأوقاتها».
قال «ولكن الله سيجزي الظالمين وأما نحن فقد صرنا الآني من حاشية ابن العاص وهو والحق يقال من دهاة العرب وكرامهم وكبار قوادهم».