١٧ رمضان
فقال الثاني: «لقد وافقتك على رأيك من أول الأمر ولكن ما السبيل إلى قتلهم وأنت تعلم أنهم محاطون بالجند والأعوان فلنفكر في طريقة تضمن لنا الفوز وتأمننا من الخطر».
فأسرع الأول قائلاً: «أراك تتردد في القول كأن الأمر هالك خطره وكأني بك تخاف كبير أولئك الأئمة وتخشى أن يكون من حظك قتله. تعالوا نقتسم العمل فيما بيننا. تعالوا نتعاهد على أن يقتل كل منا واحداً من أولئك الثلاثة ولنعين يوماً نباشر العمل فيه معاً فيكون أحدنا في الكوفة لقتل علي والآخر في مصر لقتل عمرو والثالث في الشام لقتل معاوية في يوم واحد ويقتل كلٌّ منا صاحبه في ذلك اليوم فيصبح المسلمون وقد نجوا من أسباب الفتنة فيختارون خليفة يولونه أمورهم وترجع الخلافة إلى بساطتها».
ولما سمع سعيد ذلك تهيب لعظم هذا المشروع ولم يصدق أنهم يتفقون على القيام به. ولاح له لأول وهلة أن عليّاً إذا قتل رضيت قطام به وإن لم يكن قتله على يده ولكنه تذكر كلام جده ووصيته بأن يدافع عن عليّ لبراءته مما ينسبونه إليه فانقبضت نفسه. وما لبث أن شغل عن تلك الهواجس بما دار بين أولئك المتآمرين. فإن المتكلم الأول لما فرغ من كلامه ولم ير من رفيقيه تلبية لم يصبر حتى يسمع جوابهما فقال لهما: «لا تترددا ولا يهولكما الأمر وهو أسهل ما يكون على ذي مروءة. وكأني بكما تفكران في كيفية اقتسام العمل وتخافان أن يكون نصيب أحدكما أصعب مراساً من نصيب الآخر فلا تخافا إني أتعهد بقتل أكبر هؤلاء الثلاثة وأشجعهم. أنا أقتل عليّاً ابن أبي طالب فآتي الكوفة وإن يكن مقامي في الفسطاط فأقتله» قال ذلك وأقبل حتى دنا من باب الكعبة وأمسك بحلقته وقال لهما: «ها إني أمسكت بحلقة الكعبة وأقسم بالله وبهذا البيت الحرام أني أقتل عليّاً ابن أبي طالب ابذل في سبيل ذلك ما في وسعي وأشهد الله على ذلك».
فلما فعل ذلك نهض رفيقاه وقد اندفعا إلى القسم فأمسك كل منهما بحلقة الباب وأقسم أحدهما أنه يقتل معاوية بن أبي سفيان والآخر أنه يقتل عمرو بن العاص.
ولا تسل عن حال سعيد بعد أن تمَّ التعهد على هذا الفعل الخطير وود لو يعرف أولئك المتعاقدين ولكنه لم ير سبيلاً إلى ذلك. على أنه علم من خلال حديثهم أن المتعهد بقتل الإمام علي من أهل فسطاط مصر.
ثم رأى الثلاثة عادوا إلى مجالسهم فقال أحدهم وهو السمين القصير «لقد تعاهدنا على قتل هؤلاء الأئمة ولكننا لم نعين اليوم الذي نفعل فيه ذلك وإن لم نعينه قتلنا جميعاً».
فقال الثالث: «وهذا رأيي أنا أيضاً لأننا إن لم نعين اليوم كان المجال واسعاً ونخشى إذا سبق أحدنا الآخر ولم ينجح أو قتل أو قبض عليه أن يخاف الباقيان ويرجعا. فنعين اليوم والساعة».
فقال الأول: «إن الساعة لا يمكن تعيينها ولكننا نعين الليلة فليكن عملنا في ليلة واحدة. في أي الشهور نحن الآن؟
قالا: في جمادى.
قال: «فليكن موعدنا رمضان المبارك حتى لا نعيد الفطر إلاّ والمسلمون كافة في راحة وإذا قتلنا لقينا ربنا وقد فعلنا ما علينا. فاختاروا ليلة من ليالي رمضان».
قالوا: «إنها خير ليلة». ونهضوا وسعيد يخاف أن يمروا به فيروه ولكنهم داروا حول الكعبة كأنهم يطوفون بها ولبث هو ينتظر عودتهم فلم يعودوا. فلما استبطأهم علم أنهم خرجوا من باب آخر أو داروا وتحولوا إلى الباب الذي دخلوا منه. فرفع رأسه ونظر حوله فلم ير أحداً ولا سمع صوتاً. فنهض وطاف حول الكعبة فتحقق أنهم خرجوا. فجلس هنيهة يفكر في ما مرّ به وهو يحسب نفسه في حلم لغرابة ما رآه واتفاق حدوثه في الليلة التي أوصاه جده فيها أن لا يقتل عليّاً. ونظر إلى الأفق فاستقبلته الزهرة تتلألأ كأنها تبشره بإقبال الفجر. وتذكر جدّه فقال لأعودنّ إلى المنزل قبل أن يطلع النهار ويخرج الناس. فعاد يلتمس البيت.