رفيق جديد
وبعد الاحتفال بالدفن عاد سعيد إلى صحوه وفكر في حاله فرأى نفسه في مشكلة لا يدري كيف يتخلص منها. وبعد التأمل الطويل رأى المسألة مع إشكالها ليس أسهل من حلها إذا استطاع إقناع قطام ببراءة عليّ فتتنازل عن الانتقام. فلما فتح عليه بذلك توسم فيه خيراً وأحس بانفراج الأزمة فأعمل فكرته في الأسلوب الذي يستولي به على عواطفها ويغير اعتقادها بالإمام علي حتى تسكت عن الطلب بثأر والدها وأخيها منه. فخيل له عن بعد أن إقناعها ممكن فهدأ روعه نوعاً.
وأسرع في تدبير شؤون أهله وكان في حملتهم شاب اسمه عبد الله ربّاه أبو رحاب كما ربى سعيداً وكان يتعزى به ويحبه وهو الذي أنفذه إلى الكوفة لاستقدام سعيد فلما مات أبو رحاب تقدم عبد الله إلى سعيد أن يأذن له بمصاحبته وبالغ في إلحاحه واستهلك في سبيل مرافقته. فتعجب سعيد لتلك الرغبة في السفر ولم يكن يعهد عبد الله ميالاً إلى ذلك.
والسبب في تلك الرغبة أن أبا رحاب كان من الدراية والفراسة بحيث لم يخف عليه ضعف سعيد فأرسل أنفاسه الأخيرة وهو يخاف عليه غدر الناس وخداعهم ولكنه استدرك ذلك قبل موته فأوصى عبد الله هذا أن يكون له عوناً فيصحبه حيثما سار فينجده ويرشده وإن يكن هو شاباً مثله ولكنه كان أعرف منه بأحوال الدهر وأسوأ طناً في مجريات الأيام.
وبعد أيام ودّع سعيد أهله واصطحب عبد الله وسارا يطويان الصحراء نحو الكوفة وعبد الله لا يعرف شيئاً من علاقة سعيد بقطام ولا ما تآمر عليه الثلاثة في المسجد الحرام. ولكنه فهم من وصية أبي رحاب أن سعيداً كان عازماً على قتل الإمام فأرجعه أبو رحاب عن عزمه. وسمع حديث سعيد عن المؤامرة ولكنه لم يتفهمها جيداً. فلما أوغلا في الصحراء فتح عيد الله حديثاً تطرقا منه إلى مقتل الإمام عليّ واستأنس سعيد بعبد الله وهو مخلص من فطرته ففتح له قلبه وكشف له عن سره وارتاح لمشورته. ولم يصلا الكوفة حتى أصبح عبد الله عارفاً بكل مكنونات قلبه فشاركه في شعوره من قبيل عهده مع قطام ورجوعه عنه فثبته على وصية جده وهوّن عليه إقناع قطام إلى أن قال: «فإذا لم تقتنع ليس أهون من أن تعدل عنها والنساء كثيرات وإنا أختار لك فتاة من أجمل الفتيات خلقاً وخلقاً وأرفعهن نسباً لا تقاس بها بقطام» وكانا يتحادثان وهما على ناقتيهما يطويان الصحراء طياً.
فقطع سعيد عليه الكلام قائلاً: «لا لا تقل ذلك ليس في الناس أجمل من قطام عندي ولا صبر لي على إغضابها ويظهر أنك لم تعان الحب ولا عرفت سلطانه» قال: ذلك وتنهد … وصبر هنيهة ثم قال: «وهب مع ذلك أني لا أحبها ولا أنا عالق بها فإن في يدها صكاً مكتوباً أخاف إذا أغضبتها أن تشي بي إلى عليّ أو … ولكني واثق بصدق مودتها فهى لا تريد بي سوءاً بل تبغي رضاي».
فقال عبد الله: «إذا كانت تحبك كما تقول فليس أهون من إقناعها في العدول عن قتل الإمام فيهون عليك البحث عن المتعهد بقتله وتردعه عن غيه فإذا لم يرتدع قتلته أو نقلت خبره إلى الإمام ليرى رأيه فيه».
فارتاح سعيد لهذا الرأي.