كشف الأمر
قال سعيد: «أنت تعلمين أني عاهدت قطاماً على قتل الإمام عليّ.
قالت: نعم أعلم ذلك.
قال: وهل تعلمين لماذا خرجت إلى مكة.
قالت: علمت أنك شخصت إليها ولكنني لم أعلم سبب شخوصك.
قال: شخصت إليها إجابة لطلب جدي رحمه الله.
قالت: جدك أبو رحاب؟ ما الذي أصابه؟
قال: إنه مات بعد وصولي مكة بيوم واحد وكان قد بعث إلى ليراني قبل الممات.
قالت: «مات أبو رحاب! رحمة الله عليه.. إنه كان رفيقاً بك شفوقاً عليك وأنا أعلم كيف ربيت في حجره وقد كان أحن عليك من الوالد. ولاشك أن موته شق عليك كثيراً. وكم كنت تودّ أن يبقى حياً ليفرح بك ويشهد زواجك بعد أن يعلم بما تعهدت به لتنقذ بني أمية من العار و … … ….».
فقطع كلامها قائلاً: «آه يا خالة لقد كنت أظن ذلك قبل أن قابلته ولكني ما لبثت أن ندمت على ذهابي إليه لأنه حملني قبل موته حملاً لا أدري كيف أتصرف به».
قالت: وماذا عسى أن يكون ذلك.
قال: إن ما ظننته سبباً لارتياحه قد رأيته داعياً لغضبه.
قالت: هل أخبرته بعزمك على قتل عليّ.
قال: «نعم أخبرته ولكنه أنكر عليَّ قتله وأوصاني وهو على فراش الموت أن لا أمد يدي إلى هذه الجريمة لأن هاتفاً جاءه وأنبأه ببراءة الإمام عليّ مما يتهمونه به».
وكان سعيد يتكلم ولبابة شاخصة إليه وقد أسفت لخيبة مسعاها ولكنها لدهائها ومكرها لم تبد حراكاً ولا أظهرت استغراباً بل تشاغلت بإصلاح خمارها تنتظر آخر الحديث.
وأما سعيد فكان يخاطبها وهو يتوقع بغتتها أو غضبها فلما رآها صامتة مصغية تجرأ على إتمام الحديث فقال: «ولما سمعت كلام جدي دافعته فرأيت منه إصراراً على رأيه وقصّ عليَّ شيئاً كثيراً من الأدلة والشواهد المؤيدة لقوله».
قال سعيد ذلك وسكت وهو ينتظر ما تقوله العجوز فرآها لا تزال صامتة ولم يبد على وجهها شيء من الاستغراب فعطف بحديثه إلى المؤامرة التي شاهدها في الكعبة ظناً منه أنها توازن ما تقدم من الحديث الغريب. فلما سمعت قصة المؤامرة على قتل الإمام عليّ وعمرو ومعاوية رأت فيها تعزية ولكنها أظهرت الاستخفاف بما تآمروا عليه وأرادت أن تتحقق ما عوَّل هو عليه فقالت: «وهل علم أبو رحاب قبل موته بتلك المؤامرة».
قال: «نعم إني أطلعته عليها قبل إرسال نفسه الأخير ببعض الساعة فلم يزدني إلا ثقلاً بوصية قالها وهو في آخر ساعات الدنيا … آه من تلك الوصية».
قالت: وما هي؟
قال: «إنه أوصاني أن لا أكتفي بالكف عن قتل الإمام عليّ بل يجب علي أن أدافع عنه. فلم أر بداً من إجابة طلبه وأنت تعلمين مركزي في مثل هذه الحال … ولكني لم أعاهده إلا بعد أن تفطر قلبي لدموعه التي كانت تنحدر على لحيته وقد شخصت عيناه وتلعثم لسانه وتلجلج صوته حتى خيل لي أن عظامه تتكلم..».