عهد جديد
ثم وجهت قطام كلامها إلى سعيد قائلة دع لبابة وتحريفها واسع في ما أنت ساع فيه فسر إلى دعاة عليّ حيث هم مجتمعون وهم يعينونك على البحث والتنقيب. ولا أوصيك إلا وصية واحدة ذكرتها لك في بدء الحديث وهي أن تبقي هذا الأمر مكتوماً بيننا عن كل إنسان حتى نعرف من هو ذلك الخائن الذي يريد قتل الإمام عليّ فإذا عرفناه إما أن نرده عن غيه أو أن نرى رأينا فيه على ما تقتضيه الحال. أما إذا أشعنا خبره الآن فإنه يبالغ في التستر وربما أسرع في إنفاذ سهمه فيقتل أمير المؤمنين غيلة ويذهب سعينا عبثاً. أما الآن فنحن على يقين أنه لا يقوم على ذلك إلا في ١٧ رمضان ونحن لا نزال بعيدين عنه. وزد على ذلك أنك إذا حفظت هذا الأمر مكتوماً وتفردت في البحث عنه كان الجزاء لك وحدك ولا أشك أنه يكون عظيماً. ولا أرى فائدة من إطالة البحث. ولكي تتحقق شدة رغبتي في الإسراع أبدل عهدي إبدالاً يسرك فعوضاً من أن يكون اقتراننا موقوفاً على قتل الإمام عليّ فقد جعلته وقفاً على إنقاذه من القتل فإذا كنت تحبني (وهذا ما لا أشك فيه) بادر إلى العمل وهذان عبد الله ولبابة شاهدان على ما أقول.
وكان سعيد بعد أن تغير وجه المسألة يرجو أن يقترن بقطام قبل ذهابه في هذه المهمة. فلما سمع كلامها خجل من مراجعتها لئلا يقال أنها أشد رغبة منه في الدفاع عن عليّ فانطلت الحيلة عليه ولم يسعه إلا إجابتها فقال: «وهذا ما عوّلت عليه أنا أيضاً لكي يتم عقد النكاح على يد الإمام نفسه بحول الله».
وكان عبد الله في أثناء ذلك صامتاً يسمع الحديث وقد خامره شك في كلام قطام وندم لتسرعه في إفشاء السر فظل صامتاً لئلا يقع في ما يزيد ندمه وشعر لساعته بما أوتيته هذه الفتاة من الدهاء ولم ير خيراً من إظهار ثقته بها ويصدق لهجتها فأخذ يطري بغيرتها ويثني على صدق مودتها فقال لها: «إني أعد أخي سعيداً من أسعد خلق الله لتوفقه إلى هذا النصيب فأطلب إليه تعالى أن يوفقنا إلى ما نحن ساعون فيه».
ثم قال: «وقد أصبت بوجوب كتمان ذلك عن كل إنسان بارك الله فيك» والتفت إلى لبابة فقال: «وأنت يا خالة نرجو أن تواصلينا بأدعيتك الصالحة وآرائك الصائبة».
فقالت لبابة: «وأما الرأي عندي فالإسراع في الأمر فعليكما بالسفر حالاً إلى مصر وأطلب إلى الله أن يوفقكما ويسهل طريقكما وإذا أتيتما الفسطاط اطلبا عين شمس في يوم الجمعة ولا تعدمان من أنصار أمير المؤمنين من يرشدكما إلى الباغي».
وقصوا برهة في أحاديث أخرى ثم انصرف عبد الله وسعيد وفي نفس عبد الله شكوك لم يجسر على مكاشفة سعيد بها لما آنسه من إخلاصه لقطام وارتياحه إلى مواعيدها ولكنه عوّل على اغتنام فرصة يستطيع بها التسلط على أفكاره.