الغدر الفظيع
أما قطام فحالما خرج سعيد وعبد الله من منزلها خلت بلبابة فقالت لها: لبابة «لقد تمت لنا المعدات وآن الانتقام على غير يد هذا الجبان. إن عليّاً سيقتل لا محالة ولقد أحسنت بطمأنته ومسايرته. وأحسن ما رأيته من دهائك تصبيره على الكتمان لأنه لو أطلع عليّاً على خبر المؤامرة فشل المؤَامرون ونجا عليّ من الموت».
فقطعت قطام كلامها قائلة: «ولكن ذلك وحده لا يضمن لنا الفوز يا خالة وأنا لم التمس منه الكتمان لهذا الغرض فقط ولكنني أردت أن يبقى خبر المؤامرة مكتوماً عن مل إنسان حتى عن هذين الأمويين».
قالت: وكيف ذلك إني لم أفهم مرادك.
قالت: «أتكونين لبابة العجوز القهرمانة ويخفى مغزى كلامي عليك.. ما الفائدة إذا من البحث عن مجتمع أنصار عليّ».
قالت: أني لا أزال أجهل ما تريدينه قولي ما مرادك.
قالت: «مرادي أن أبعث إلى عمرو بن العاص بخبر تلك الجمعية ويوم اجتماعها وهو لاريب يبغتها ويقبض على رجالها وسيكون سعيد وعبد الله بينهم فإما أن يقتلهما أو يسجنهما فإذا قتلهما ظلّ أمر المؤامرة مكتوماً عن كل إنسان وإذا سجنهما ظلاّ في السجن إلى ما بعد ١٧ رمضان على الأقل فيكون قد نفذ السهم وانتقمت لقتيليَّ ولا يهمني بعد ذلك أمر».
فلما سمعت لبابة كلام قطام همّت بها وقبلتها وهي تقول: «بورك فيك يا بنية والله إنك أبعد مني نظراً وأشد دهاءً. وإذا أحياك الله إلى سني لم يعد إبليس يقوى على مكرك …» قالت ذلك وضحكت. وظلت قطام عابسة ولم تعبأ بضحكها ولكنها نادت ريحان خادمها فحضر وكان جالساً في مكان بحيث يسمع ويرى ولا يراه أحد فلما وقف بين يديها قالت له: «ألم يقتل سيداك ظلماً».
قال: كيف لا وإني مطالب بدمهما.
قالت: أتدري لما دعوتك.
قال: بلى إنك دعوتني لتبعثي بي إلى الفسطاط أخبر عمراً بن العاص بخبر هذين أو بخبر مجتمعات العلويين.. أليس لذلك دعوتني؟
قالت: بلى إني دعوتك لمثل ذلك بورك بسوادك هذا وقت الحاجة إليك ولكنني أطلب إليك أن تبلغ عمراً ذلك بدون أن تذكر اسمي وإني واثقة بفطنتك فلا تخيب أملي. اذهب إلى مصر وأبلغ الرسالة وجئني بمقتل هذين أو سجنهما وأنت حر لوجه الله.
فأقطب ريحان حاجبيه وتظاهر بالعتاب وقال: «ألا تعلمين يا مولاتي أنك تهينينني بهذا الكلام. من حيث تريدين سروري. أتظنين أني أفضل الحرية على الاستعباد لك. فقد قلت قولاً واسمحي لي أن أقول مثله. إني ذاهب لإنفاذ مرامك فإذا أنا فزت فيه رجوت أن تعديني بأن لا تذكري الحرية قط».
فضحكت قطام وأظهرت الإعجاب بشهامة ريحان وقالت سر يا أسمر إنك والله خير من ألف أبيض.