سعيد وعبد الله
أما سعيد وعبد الله فإنهما تأهبا للرحيل في ذلك اليوم وأصبحا على راحلتيهما وخرجا من الكوفة يلتمسان الفسطاط وهما لا يعلمان ما أعدته لهما قطام من المكائد. وسارا يجدان السير يوصلان الليل بالنهار حتى أقبلا في فجر يوم جمعة على الفسطاط فأطلا عليها من سفح المقطم فإذا هي ممتدة على ضفة النيل على مسافة طويلة وراءها النيل يجري وفيه السفن راسية تحمل الأغلال والأحمال بعضها قادم من الصعيد والبعض الآخر صاعد من الشمال. وفي وسط المدينة جامع عمرو حوله الأبينة والدور فوقفا هنيهة يبحثان في الخطة التي يجب أن يسيرا عليها في إتمام مهمتهما.
فقال عبد الله ها إننا أمام الفسطاط الآن وقد طلع فجر الجمعة الذي يجتمع فيه دعاة أمير المؤمنين في عين شمس على ما نعلم. فهل نظل هنا حتى نسير تواً إلى عين شمس أم ننزل الفسطاط ثم نخرج منها إلى عين شمس.
فقال سعيد وما الداعي لبقائنا هنا وقد يكون في بقائنا مظنة سوء ونحن لا يعرف أحد إلا أننا من دعاة معاوية وزد على ذلك أننا لا ندري الساعة التي ينعقد فيها ذلك الاجتماع تماماً وإنما علمنا باجتماعهم في يوم الجمعة فهل هو في الصباح أو المساء أو أي متى؟
قال عبد الله: لست على يقين من ساعة الاجتماع ولكني أظنهم يجتمعون بعد صلاة العصر إلى المساء وعلى كل لا أرى بأساً من النزول إلى الفسطاط نصلي الصبح فيه ونجعل دوابنا في مأوى تستريح فيه. ثم أخرج أنا للبحث عن ساعة الاجتماع ومكانه وأعود إليك فنسير معاً.
قال سعيد: لقد رأيت الرأي الصواب.
ونزلا بناقتيهما حتى دخلا المدينة وهي يومئذ آهلة بالناس وقد أذن المؤذنون يدعون الناس إلى صلاة الصبح فأتيا المسجد وأمامه ساحة كبرى تقف فيها الدواب تشد إلى أوتاد أو نخيل. فربطا الراحلتين ودخلا المسجد للصلاة وكانت الشمس قد أضحت وتقاطر المسلمون أفواجاً فدخلا في جملة الداخلين.