عين شمس
ثم جاءهما الغفاري بالزاد فتناولاه وبعد الاستراحة التمسا الخروج لبعض المهام وهما إنما يريدان الخلوة للنظر في ما جاءا من أجله فخرجا ومشيا في وسط المدينة يتظاهران بالتفرج بمشاهدة ما فيها من الحوانيت والبيوت حتى خرجا منها فقال سعيد إننا في نحو الظهر وما العمل؟
فقال عبد الله دعني أسير وحدي إلى عين شمس فإنها على بعد أميال من هذا المكان حيث ترى هذه الخرائب وأمامها هاتان المسلتان (وأشار إليهما بإصبعه) فابحث عن مكان الاجتماع فإذا عثرت عليه جئتك على عجل. فأين الملتقى؟
قال إني أقيم في المسجد حتى تعود إليّ واحذر أن تطيل غيابك.
فسكت عبد الله ولبث برهة يفكر ثم قال وإذا أبطأت في الرجوع إليك فاطلب عين شمس وانتظرني بقرب هاتين المسلتين اللتين تراهما قائمتين هناك وأنا آتيك أو ابعث من يدعوك إلينا.
قال: حسناً وافترقا وسار عبد الله يلتمس عين شمس وقد جعل وجهته إليها المسلتين وكانت ظاهرتين عن بعد وعاد سعيد إلى الجامع.
أما عبد الله فسار حتى أقبل على عين شمس فإذا هي عبارة عن أخربة ليس فيها من الأبنية إلا الجدران والأعمدة فطاف بين خرائبها فلم ير أحداً ولا سمع صوتاً وقضى في ذلك ساعتين يتردد بين تلك الجدران ثم يعود إلى حيث بدأ فلم ير أثراً للآدميين فظن نفسه أخطأ المكان أو ساء فهم ما بلغه من أمر ذلك الاجتماع حتى كاد يهمّ بالرجوع وقد خاب ما أمله وخيل له أن دعاة عليّ أبدلوا مجتمعهم هناك بمكان آخر.
فأسند ظهره إلى جدار ووقف يفكر في ماذا يفعله وقد مالت الشمس نحو المغيب فرأى رجلاً قادماً من الفسطاط فشغل عبد الله نفسه بمشاهدة بعض ما هو محفور على تلك الآثار من الرسوم الهيروغليفية كأنه يعجب لغريب صنعها ريثما يمر الرجل ويمضي. وكان يتظاهر بالنظر إلى تلك الرسوم وهو بالحقيقة يختلس النظر إلى ذلك المار وكان الرجل يظهر تارة ويختفي تارة أخرى في مروره بين الأعمدة والخرائب ثم اختفى ولم يعد يظهر.