إتمام الحديث
فسرّ عبدنا لما آنسه من ملاطفتي وأراد أن يبرهن لي ثقته بي فقال: «إنه أطلعني على سرٍ لا أظن أحداً يعرفه في كل الفسطاط سوى الأمير وبعض شرطته» ثم أخبرني أن ذلك العبد جاء إلى الأمير عمرو بأن أنصار علي يجتمعون سراً في عين شمس يوم الجمعة وأن عمراً عين جنداً للقبض عليهم أو قتلهم في ساعة الاجتماع. فلما سمعت ذلك لم أتمالك عن البكاء لشدة الغيظ ورأيت من أهم واجباتي أن أبلغ الجمعية تلك النية ليتحذروا. ولكنني لم أكن أعرف أحداً أثق به في إنفاذ هذه المهمة فعوّلت على الذهاب بنفسي في ساعة الاجتماع.
فأصبحت في هذا اليوم وأنا أتوقع خروج والدي إلى حانوته لأتنكر وأسير إلى عين شمس فإذا هو لم يخرج من البيت ورأيته في اضطراب ووجل وما علمت أن العبد أخبره بالحديث وأنه أطلعني عليه فخاف والدي أن أبوح لأحد قبل القبض على المجتمعين. فلازمني في البيت إلى الظهر ثم دعاني للخروج من الفسطاط للنزهة فأتينا هذا البيت وهو بيت لشريك لنا في الفلاحة ولم يكن فيه أحد فلم أظهر استغرابي ولا قلت شيئاً لأني كنت عالمة بأن والدي سيكون في جملة السائرين إلى عين شمس فلابد من أن يتركني فإذا تركني خرجت وأنا على مقربة من المكان. وما علمت ما أضمره لي فإننا لم نكد نرى الشمس تميل حتى خرج والدي وتظاهر بأمر هام يدعوه إلى سرعة الذهاب وادعى أنه أقفل الباب علي خوفاً من الغرباء أو أبناء السبيل سامحه الله وهو يعلم أني لا أستطيع النداء واستنجاد الناس لأني إذا تظاهرت بنصرة الإمام كنت من المغضوب عليهم. فظللت هناك حتى جئت أنت ورأيتني في هذه الحال. فرفيقك لاشك أنهم قبضوا عليه في جملة أولئك الأنصار.
قال سعيد: هل تظنين عليه بأساً.
قالت: لا أظنه إلا مسجوناً الآن حتى يسألوه أسئلة كثيرة ثم اذا رأوا قتله قتلوه وكذلك يفعلون برفاقه. ولكن لا بأس عليه بإذن الله وسنتدبر في أمره. وما العمل الآن إني أخاف إذا عاد والدي ولم يرني في البيت أن تزيد نقمته عليَّ فأرى أن أذهب إلى منزلنا في الفسطاط وأتظاهر بأني خفت من بقائي في البيت ففتحت الباب بأسلوب أكيففه على شكل مقبول ولابد من تجاهلي كل ما حصل لأرى ما يكون. وما أنت فاعل؟
قال أود أن أسرع إلى الكوفة لأرى ابن ملجم فأقنعه أو أخبر الإمام عليّاً.
فقطعت عليه الكلام قائلة: «وكيف تقنعه وهو لا يقنع بل قد يسرع في القتل وليس أفضل من أن تطلع الإمام عليّاً على سر الأمر وهو يدبر بما يراه».
قال: وكيف أفعل برفيقي هل أتركه في السجن؟
قالت: «وأخاف إذا تأخرت هنا أن تفوت الفرصة والمسافة من هنا إلى الكوفة بعيدة وإني لأعجب منك كيف كنت عالماً بخبر هذه المؤامرة ولم تخبر عليّاً وأنت في الكوفة».
فتنهد وقال: «كفي الملام قد وقع ما وقع وكنت أظن الكتمان يبعد المصيبة وفاتني أن أخبرك بأن المؤامرة ليست على مقتل علي فقط بل هي على مقتل عمرو ومعاوية أيضاً». وقص عليها الخبر مختصراً.