الحب يعمي ويصم
فاستغربت خولة الخبر وقالت: «مالنا ولهذين إننا نريد الدفاع عن علي الآن ولكنني لم أفهم كيف انتقل خبر قدومكم إلى هنا وأنت تقول أنه كان سراً مكتوماً لم يطلع عليه أحد».
فكاد سعيد يسئ الظن بقطام ولكن الحب غشي بصيرته فانتحل سبباً آخر وقال: «لا أدري» وخطر له أن يقص عليها حديثه مع قطام ثم أمسك عن ذلك حفظاً لعهدها وهو كما قلنا غير مرة سليم النية لا يعرف الدهاء ولهذا السبب نفسه لم يطلق لعواطفه الحرية في حب خولة مع أن الأحوال تقضي عليه بحبها بالنظر لما آنسه من جمالها وحميتها مع استهلاكها في نصرة الحق.
على أنه أدرك مع ذلك أن كتمان خبر المؤامرة عن علي إلى ذلك الحين خطأ ولكنه حمله على غلط قطام لا على سوء قصدها ومع ذلك فقد رأى الأمر سهل الملافاة ولا يزال ثمت باب مفتوح لإنقاذ عليّ بمجرد إعلامه. ولكن ذلك يدعو إلى السفر السريع وهو لا يعلم ما آل إليه حال عبد الله فقال لها: «إني عازم على الكوفة بأقرب وقت فما الذي أفعله برفيقي وأنا لا أدري إذا كان حياً أم ميتاً».
قالت: «غداً نعلم الحقيقة دعني أذهب الآن إلى منزلنا بالفسطاط وامكث أنت هنا إلى الصباح».
قال: «كيف أستطيع البقاء هنا وحدي ولا صبر لي على استطلاع خبر عبد الله فأرى أن أدخل الفسطاط وأتردد إلى المسجد ولا يعرفني أحد هناك فأما أن أسمع خبراً ممن يفد على المسجد من المصلين أو تبعثي إلى بالخبر».
قالت: لك الخيار في ذلك. ونهضت فنهض وخرجا فرافقها إلى قرب منزلها وودعها وعاد يلتمس بيت الغفاري للمبيت وهو لا يدري أن الرجل في جملة المقبوض عليهم وقد أصبح بيته موضع شبهة ولا كانت خولة تعلم ذلك.
وكان الجند بعد القبض على أهل ذلك الاجتماع قد ساقوهم في الأغلال إلى السجن وكان عمرو ينتظرهم في داره فلم يصبر على رؤيتهم إلى الصباح فلما أخبروه بالقبض عليهم أمر باستقدامهم إليه واحداً واحداً فرأى بينهم جماعة ممن لم يكن يخطر له أنهم على غير دعوة بني أمية وخصوصاً الغفاري. ولما وصل إلى عبد الله عرف أنه من بني أمية وتذكر قرابته من أبي رحاب ولكنه تجاهل عن ذلك كله وأمر أن يسجن كل من هؤلاء في حجرة على حدة وبعث جنداً يبتغون منازلهم ويقبضون على من فيها من الرجال لعلهم يطلعون على شيء جديد وهو معول على إعدامهم بعد ذلك. ولم يكن الجند يحتاج إلى أمر للنهب وقد أصبحت منازل أولئك العلويين وما فيها مالاً حلالاً لهم. فما صدقوا أن أمروا بالبحث فيها حتى حملوا عليها وأوغلوا فيها سلباً ونهباً.