الندم
فلبث هنيهة يفكر بما مر به فاشتدت به هواجسه حتى بكى ونزل من الجميزة وهو يلطم وجهه ويندب عبد الله ويبكي حاله ويوبخ نفسه لضعفه وتردده. فقال «أأرى عبد الله يساق إلى القتل ولا أنصره يا للجبانة ويا للخيانة … كيف أتخلى عن رجل ذهب ضحية حبه لي ولولاي لم يأت هذه الديار ولا رأى ما رآه من البلاء … آه يا ربي ما الفائدة من حياتي ….» ثم سكت هنيهة وهو يستجمع حواسه ويتأمل في موقفه فرأى أنه ارتكب خيانة عظمى. فقال «إني لا أستحق البقاء حياً ولابد من أن ألقي نفسي في هذا الماء لعلي ألقى فيه حبيبي عبد الله فتذهب بقايانا معاً» قال ذلك وهم أن يلقي نفسه في النيل فشعر بقوة أوقفته بغتة وقد فكر في الإمام عليّ وما يحدق به من الخطر فقال «إذا قتلت نفسي إنما أقتل علياً معي … نعم أقتله لأني إذا لم التمس الكوفة وأنبئه بعزم ابن ملجم ذهب قتيلاً بذلك السيف المسموم … آه يا خولة أين وعدك بإنقاذ عبد الله … ولكن ما ذنبك وأنت لا تعلمين أنهم سيرعون في إغراقه قبل انبلاج الصباح … إنه دهاء ابن العاص ومكره …. ولكنه سوف ينال نصيبه من أولئك المؤامرين … يا ليتني أنبأته بالمؤامرة وجعلتها فدية لعبد الله … ولكن قضي الأمر ولا خيرة في الواقع.»